فُرضت في السنة الثالثة للبعثة النبوية، في مكة قبل مُحمد عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة، وكان ذلك أثناء . وتُعتبر الصلاة الركن الثاني من أركان الإسلام، حيثُ جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “بُنيَ الإسلامُ على خمس: شهادةٌ أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لما استطاع إليه سبيلًا”، والصلاة هي صلة العبد بربه.
تُؤدّى الصلاة في الإسلام خمس مراتٍ يوميًا، وهي فرضٌ على كل مسلمٍ بالغٍ عاقل خالٍ من الأعذار، ذكر كان أم أنثى. يُوجد في الإسلام صلوات أُخرى تؤدى في مناسباتٍ مُعينة، ومنها صلاة الخسوف (وتُعرف أيضًا بصلاة الكسوف).
ظاهرة الخسوف
ظاهرة خسوف القمر من الظَّواهر الطبيعية الدالة على القدرة الإلهية، فالقمر والأرض يدوران حول الشمس وقد يحدث أن تقع هذه الثلاثة على استقامةٍ واحدة، بحيث تكون الأرض في المنتصف بين كوكب الشمس و، فتحجب الأرض ضوء الشمس كليًا أو جزئيًا عن القمر، مما يؤدي لإعتام القمر.
كان الناس في الجاهلية يعتبرون أنَّ ظاهرة الخسوف تحدث لوفاة شخصٍ عظيم، حيث عندما كسفت الشمس عند موت إبراهيم ابن النبي محمد، قال بعض الناس: إنها كسفت لموت إبراهيم، فخطب النبي محمد بالناس وقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يكسفان لموت أحد من الناس ولا لحياته يعني: لا لموت إبراهيم ولا غيره وإنما هما آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله وإلى دعائه واستغفاره، وفي حديثٍ آخر ” فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم”، كما أمرهم بالصدقة والعتق، وأمر والذكر.
التسمية
يطلق الكسوف على الشمس والخسوف على القمر، ولكل ظاهرةٍ صلاةٌ نافلة، ولكن تسمى جميعها بنفس الاسم، ولها مُسميات مُتعددة، فقد تسمى: صلاة الكسوف أو صلاتي الكسوف أو صلاة الكسوفين أو صلاة الخسوف، ولكن الدارج تسميتها بصلاة الكسوف.
صلاة الخسوف
اتفق جمهور العلماء على أن صلاة الخسوف سُنة مؤكدة وليست واجبة، ونقل بعضهم الإجماع على ذلك، وذهب بعض أهل العلم على أنها واجبة، وقال بَعضهم فرضُ كفاية، وتشرع صلاة الخسوف عند رؤيته بالبصر؛ فلو حال غيم دون رؤية الخسوف فلا تُشرع الصلاة. تُصلى صلاة الخسوف من لحظة بداية الخسوف إلى انجلاء القمر.
ورد أنَّ النبي صلى صلاة الخسوف بالناس ركعتين، حيثُ كبر عليه الصلاة والسلام وقرأ الفاتحة، ثم قرأ قراءة طويلة، قال ابن عباس: تقدر بنحو سورة البقرة، ثم ركع وأطال الركوع، ثم رفع وقرأ قراءة طويلة أقل من الأولى، ثم ركع ركوعًا طويلًا أقل من الركوع الأول، ثم رفع وأطال دون الإطالة الأولى، ثم سجد سجدتين طول فيهما عليه الصلاة والسلام، ثم قام وقرأ وأطال لكن دون السابقة، ثم ركع فأطال لكن دون الركوعين السابقين، ثم رفع وقرأ لكن دون القراءة السابقة، ثم ركع ركوعًا رابعًا وأطال فيه لكن دون الركوع الذي قبله، ثم رفع فأطال لكنه أقل مما قبله، ثم سجد سجدتين طويلتين عليه الصلاة والسلام، ثم تشهد، ثم سلم وخطب بالناس.
ويُمكن تلخيص ذلك على النحو التالي:
- في الرَّكعة الأولى، يُكبر الإمام ويقرأ الفاتحة جهرًا، ثُمّ يقرأ شيئًا من آيات ويُطيل في القراءة إطالةً لا يشق بها على المصلين، ثم يركع ركوعًا طويلًا، ثم يرفع من الركوع ويقرأ الفاتحة مرةً ثانية، ثم آياتٍ من القرآن أقل من المرة الأولى، ثم يركع أقل من الركوع الأول، ثم يرفع ثم يسجد سجدتين طوال.
- في الرّكعة الثَّانية، بعد السَّجدة الثَّانية يُكبر ويقوم للركعة الثانية ويفعل فيها مثلما فعل تمامًا في الرَّكعة الأولى، ويقرأ الآيات من القرآن وتكون أقل طولًا ثُم يتشهد ويسلِّم.
ملاحظات حول صلاة الخسوف
- تُشرع صلاة الخسوف عند رؤيته بالبصر، لحديث: (فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ، فَصَلُّوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ)، فلو حال غيم دون رؤية الخسوف فلا تُشرع الصلاة، وعلى فرض أنه حصل خسوف القمر قبل غروب الشمس، فلا يصلي الخسوف إلا بعد الغروب؛ لأن القمر آيةٌ من آيات الليل.
- صلاةُ الخسوف مع الجماعة أفضل، ولكن يُمكن أن تصلى فرادى.
- إذا اجتمعت صلاة الخسوف مع صلاة من الصلوات الخمس، فتقدّم صلاة الفرض، ثم تُصلى صلاة الخسوف، ولا يُمنع أن تصلى السنن الراتبة لصلاة الفرض ثُم يصلى الخسوف، أما من حضر المسجد أثناء صلاة الخسوف، ولم يصلِ المغرب، صلى المغرب أولًا، ثُم دخل معهم في صلاة الخسوف.
- يُشرع النداء لصلاة الخسوف، وذلك عملًا بالسنة وتنبيهًا لمن لم يحضر الصلاة من النساء أو المرضى في البيوت.
- ينبغي للإمام أن يجعل طول صلاة الخسوف مُتناسبًا مع مدة الخسوف –إذا علمها-، ومتناسبًا مع تحمل المصلين، وإذا انتهت صلاة الخسوف قبل انجلاء القمر، ينشغل المصلون بالذكر والدعاء والاستغفار حتى ينجل، ويُفضل المرابطة في المسجد من المغرب إلى العشاء حتى تتحقق المصالح الشرعية.