صناعة العطور
تشمل العطور مجموعة واسعة من المكوّنات، وكلّ نوع صُمّم لمناسبات ومواسم مُحدّدة. إنّ صناعة كلِّ نوع من أنواع العطور يتطلّب معرفة واسعة بكيمياء الموادِّ، وقدرة على الابتكار والجمع بين قطرات مختلفة من الرّوائح في عطر واحد، وصناعة طبقات مختلفة من كلِّ عطر، ومعرفة الرّوائح والألوان التي ستتحوّل إليها الموادُّ بعد فترة، وكم من المدّة ستبقى الرّائحة قبل أن تزول.
يعود تاريخ صناعة العطور إلى خمسة آلاف عام، أي منذ عهد المصريّين القدماء، الذين استخدموها في الاحتفالات الدّينيّة، بالإضافة إلى استخدمها في تحنيط جثث الموتى، واستعملها الرّومانيّون في تعطير مياه الاستحمام بشكل يوميّ. للعطور استخدام قديم أيضًا لتعطير الفمِّ مثل مضغ اللّبان أو المرِّ، وكذلك كانت تُستخدم العطور في صناعة مرطّبات للجسم عن طريق نقع الأعشاب مثل النّعناع، أو الزهور في الزيت حتى يمتصّ رائحتها. مع تطوّر الكيمياء العضويّة في القرن التّاسع عشر، نشأت أُسسُ العطور الاصطناعيّة الحديثة.
تتكوّن معظم العطور من ثلاثة طبقات رئيسيّة، تبدو في ظاهرها مُختلطة ولكن لكلّ جزء رائحة مُحدّدة، أوّل طبقة هي الرّأس، وهي رائحة العطر، والثّانية هي طبقة القلب، وهي التي تُحافظ على رائحة العطر لعدّة ساعات، أمّا الثّالثة هي القاعدة، وهي الجزء الذي يدعم العطر بأكمله، وهي التي يجعل العطر يدوم طوال اليوم، وتتكوّن من أقلّ كمّيّة من الموادّ الكيميائيّة المتطايرة.
الموادّ الأوّليّة للعطور
تتكوّن العطور من موادّ طبيعيّة نباتيّة، أو من موادّ طبيعيّة ولكنّ مصدرها حيوانيّ، وموادّ كيميائيّة صناعيّة.
مكوّنات العطور الطّبيعيّة النّباتيّة
- الزّهور.
- الأعشاب.
- التّوابل.
- الفواكه.
- الأخشاب.
- المواد المركّزة المستخلصة من النّباتات.
- المواد الصّمغيّة.
- الموادّ العطريّة النّباتيّة “البلسم”.
- أوراق الأشجار.
- الزّنابق.
- الكحول.
- البتروكيماويّات.
- الفحم.
- فحم القطران المُستخدم في صناعة العطور.
كيفية صناعة العطور
قبل بدء عملية تصنيع أيّ عطر، يجب إحضار المكوّنات الأوّليّة إلى مركز التّصنيع، بالنّسبة للعطور النّباتيّة يتم حصد مكوّناتها من جميع أنحاء العالم، وعادة ما يتم إنتقاء وتصنيف كلِّ عطر بعناية، أمّا العطور الحيوانيّة، فيتمّ استخراجها من الحيوان مُباشرة، ويتم إنشاء الموادّ الكيميائيّة العطريّة المستخدمة في صناعة العطور الصّناعيّة، في المختبر من قبل كيمائيّ العطور.
تُستخلَصُ الزّيوت النّباتيّة بطرق عديدة، مثل: التّقطير بالبخار، والاستخلاص في محاليل المُذيبات، طريقة التّشريب وهي (استخراج العطور والزّيوت العطريّة من الزّهور باستخدام الدّهون بغضّ النّظر عن نوعها، ولكن يجب أن تكون عديمة الرّائحة)، عمليّة النّقع، طريقة العصر لاستخراج الموادِّ السّائلة، ولكلِّ نوع من العطور النّباتيّة طريقة لاستخراجه، وإذا استُعمل غيرها سيتلف.
يتمُّ التّقطير بالبخار عن طريق تمرير البخار إلى الموادّ النّباتيّة الموجودة في مكانها من دون تحريكها، حيث يتحوّل زيتها العطريُّ إلى موادّ غازيّة، ثمّ يتمّ تجميع هذا الغاز من خلال أنابيب، لتبريده، وتسيّيله فيما بعد. يتمّ استخلاص الزّيوت النّباتيّة من الموادّ المغليّة مثل أوراق الزّهور في الماء بدلًا من تقطيرها بالبخار.
أمّا طريقة الاستخلاص عن طريق محاليل المُذيبات، فيتمُّ وضع الزّهور في خزّانات كبيرة، ويُضاف إليها البنزين أو النّفط، بعد ذلك تتحلّل أجزاء الزّهور في المُذيبات وتُكوّن مادّة شمعيّة تحتوي على الزّيت العطريّ على وجه المحلول المُذيب، ثُمّ يضاف إليها الكحول الإيثيليّ، فيذوب الزّيت في الكحول، وبعد ذلك تُستخدم الحرارة لتبخير الكحول وإحراقه بالكامل، وهكذا تُصبح الزّيوت العطريّة أكثر تركيزًا في قاع المحلول المُذيب.
في طريقة التّشريب، تُفرشُ الزّهور على صفائح الزّجاج المغلفة مع الشّحوم، وتوضع هذه الصّفائح بين إطارات خشبيّة في طبقات، ثمّ يتمّ إزالة الزّهور يدويًّا، وتقليبُها باليد حتى تمتصّ الشحوم جميع العطور. تتشابه طريقة النّقع مع التّشريب في فرشِ الزّهور على ألواح، إلّا أنّه في طريقة النّقع تُستخدم الحرارة لتُساعد الشّحوم على امتصاص الزّيوت العطريّة، وبعد ذلك تُستخدم الكحول لإذابة الشّحوم واستخلاص الزّيوت العطريّة المركّزة، مثل طريقة محاليل المُذيبات.
أقدم طريقة لاستخراج العطور هي طريقة العَصرِ، وتُستخدم لاستخراج الزّيوت العطريّة من قشور الحمضيّات، إمّا يدويًّا أو ميكانيكيًّا إلى أن يتمّ استخلاص جميع الموادّ الخام.
مزج الموادِّ لصناعة العطور
بمجرّد أن يتمّ استخلاص جميع زيوت العطور، تكون جاهزة للاندماج معًا وفقًا لمقادير يُحدّدها خبير في صناعة العطور، يُعرف باسم “الأنف”، قد تحتوي زُجاجة عطر واحدة على ثمانمئة مكوّن تقريبًا، وقد يحتاج الخبير إلى عدّة سنوات لتطوير رائحة خاصّة تختلف عن غيرها من العطور.
بعد أن يتمّ إنشاء الرّائحة المركّزة، يتم مزجها بالكحول، وكمّيّة الكحول تصنع اختلافات جذريّة في رائحة العطر، وقوّته، وتُحدّد أين يُستخدم، على سبيل المثال، تُصنع معظم العطور الكاملة من حوالي 10-20٪ من الزّيوت العطريّة المذابة في الكحول، وكمّيّة بسيطة جدًّا من الماء، بينما تحتوي الكولونيا على حوالي 3-5% فقط من العطر المركّز، و80-90% من الكحول، وتُشكّل المياه 10% فقط.
بعد أن يتمّ مزج جميع موادّ العطور بشكل كامل، تأتي آخر مرحلة وهي التّخزين وانتظار المرحلة الأخيرة لنضوج الرّائحة، غالبًا تتراوح مدّة تخزين العطور الجميلة بين عدّة أشهر وقد تصل إلى سنوات، بعذ ذلك يتأكّد منها الخبير “الأنف” مرّة أخرى قبل بيعها؛ لضمان جودة الرّائحة وفحصها النّهائيّ، ويكتب ملاحظاته على طبقات العطر الثّلاث الواردة في بداية المقال.