طه حسين

نشأة طه حسين

في الخامس عشر من نوفمبر عام 1889، وُلِد الأديب والمفكر المصري بعزبة الكيلو، وهي إحدى قرى مركز مغاغة بمحافظة المنيا في صعيد مصر. وشأنه كشأن أطفال القرى في ذلك الزمان؛ أرسله والده للتعلم بالكُتَّاب وحفظ ما تيسر من القرآن الكريم، ومنه الانتقال إلى الأزهر الشريف في القاهرة -متى استطاعت القرى في ذلك الوقت إلى ذلك سبيلًا- للتَتَلْمذِ على يد كبار الشيوخ وقتها.

من بين ثلاثة عشر طفلًا لأسرته، كان ترتيب طه حسين السابع، وبسبب سوء العلاج في ذلك الزمن، أصيب بعدوى في العين أفقدته بصره وهو في الثالثة من عمره، مما أسهم بشكلٍ كبير في تكوينه النفسي، وترك بصمةٍ كبيرة على غالبية إبداعاته الفكرية على عمومًا، والأدبية خصوصًا.

تعليمه

بانتقال طه حسين إلى الجامع الأزهر لتلقي العلوم، قرَّر بعدها استكمال مسيرته العلمية والالتحاق بالجامعة المصرية في بادئ عهدها، رغم صعوبة ذلك على شابٍّ في مثل ظروفه، فدخولها كان شبه قاصرًا على أبناء الملوك والأمراء، وكل من له علاقة جيدة بالمحتل البريطاني، إلا أنه ثابر وتغلَّب على فقره وكونه كفيفًا، حتى درس بها في الفترة بين 1908 و1914، ولمع اسمه بين أقرانه من الدارسين، وكان أول خريجٍ في هذه الجامعة، وحصل على رسالة الدكتوراه بدراسةٍ عن الشاعر وفيلسوف العصر العباسي أبي العلاء المعري.

خارج حدود الوطن

مع ازدهار البعثات وإرسال المتفوقين المصريين إلى الخارج، كان لطه حسين نصيبه من ذلك، فسافر إلى للدراسة في جامعة مونبيله، ودرس بها اللغات و واللاتينية، وكذلك الأدبي الفرنسي، ثم عاد إلى مصر واستقر فيها مدةً قبل العودة مجددًا للدراسة بجامعة السوربون في باريس، ومنها حصل على شهاد الدكتوراه الثانية عام 1917، وكانت رسالته عن ابن خلدون.

قد يهمك هذا المقال:   انيس منصور و الرفاق

طه حسين وسوزان بريسو

طه حسين، ذلك الشاب العنيد، المتحدي لصعوبات حياته الشخصية من فقرٍ وفقدان البصر، وكذلك ظروف وطنه، كان له نصيبه وحظه من الدنيا؛ فخلال وجوده بفرنسا فترة دراسته بها، ونيله الإجازات العلمية وشهادة الدكتوراه، التقى بالسيدة سوزان بريسو، التي وصفها بأنها صاحبة الصوت العذب، لأنها كانت تعينه على دراسته بقدرتها البارعة على القراءة له في أثناء محاولته تحسين لغته الفرنسية.

تلك الصداقة التي جمعت طه حسين بالسيدة سوزان بريسو أثمرت قصة حبٍّ تُوِّجت بالزواج، الذي أثمر بنتًا تدعى أمينة، وولد أسمياه موبنيس، الأولى كانت من أولى المصريات اللاتي تخرَّجن في جامعة القاهرة، والثاني أسهم في مساعدة شقيقته في ترجمة عمل أبيه طه حسين «أديب» إلى الفرنسية.

مناصب شغلها طه حسين

عندما عاد طه حسين إلى مصر، أُسنِدت إليه عدة مناصب، وهي:

  1. مدرس مادة التاريخ القديم بالجامعة المصرية في سنة 1921.
  2. مدرس الأدب العربي سنة 1925، عندما أصبحت الجامعة المصرية ضمن الجامعات الحكومية.
  3. في سنة 1928، عُيِّن طه حسين عميدًا لكلية الآداب ليومٍ واحد فقط.
  4. عُيِّن عميدًا مُجددًا سنة 1930.
  5. بعد انضمام طه حسين إلى وزارة المعارف المصرية ترك منصب عميد الجامعة، ولكنه عاد مُجددًا، وعُيِّن للمرة الثالثة عميدًا لكلية الآداب من عام 1936 إلى 1938.
  6. عاد ليعمل في وزارة المعارف بوظيفة مراقب.
  7. في سنة 1940 انتُخِب طه حسين ليصبح أحد أعضاء مجمع اللغة العربية.
  8. وفي سنة 1942 أصبح طه حسين رئيسًا لجامعة الإسكندرية.
  9. عُيِّن وزيرًا للمعارف من عام 1950 إلى 1952.

المعارك السياسية والأدبية

عندما ظهرت صحيفة (السياسة) في العشرين من أكتوبر لعام 1922، ومن بعدها (السياسة الأسبوعية) في الثالث عشر من مارس 1926، كان طه حسين أحد كتابها البارزين، ناطقًا وقتها باسم حزب الأحرار الدستوريين، برفقة محمد حسين هيكل ومحمود عزمي، وذلك قبل أن يُخرجه إسماعيل صدقي باشا رئيس وزراء مصر من الجامعة عام 1932، حينها تشارك عميد الأدب العربي مع الوفديين بالكتابة في صحفهم لمُحاربة صدقي؛ حتى صار وزيرًا في وزارة الوفد سنة 1950.

قد يهمك هذا المقال:   أشهر شعراء الهجاء

معركة أخرى خاضها طه حسين في بداية حياته، عندما دار الجدل حول كتاب (تاريخ آداب اللغة العربية) للكاتب اللبناني جورجي زيدان، فعارضه وقتها، وظلَّ الحوار بينهما مشتعلًا لفترة طويلة.

عندما كان طه حسين أستاذًا للتاريخ العربي في كلية الآداب بالجامعة المصرية خاض واحدةً من المعارك الضارية، فقد أخذ يُلقي على طلبة هذا القسم مجموعةً من المحاضرات التي جمعها لاحقًا في كتابٍ بعنوان (في الشعر الجاهلي)، خلاصته أنه يرى أن الشعر الجاهلي منحول، وكُتِب بعد الإسلام، ونُسِب إلى شعراء الجاهلية.

وبعد صدور الكتاب متضمنًا تلك الأفكار، وقع طه حسين في مرمى سهام النقد من قبل كبار الكتاب والشيوخ، مثل الخضر الحسين شيخ الأزهر، ومحمد فريد وجدي، ومحمد لطفي جمعة، وللحقيقة كانت انتقاداتهم غايةً في الرقي والتحضر، ولم يُسئ أيٌّ منهم إلى شخصه، وانصبَّ تركيزهم ونقدهم اللاذع على مضمون الكتاب.

لكن هذ الرقي لم يمنع طه حسين من المثول أمام النيابة للتحقيق معه، وبعدها حُفظ التحقيق، في مقابل إعادة طبع الكتاب بعنوان (الأدب الجاهلي)، دون الفصول الأربعة التي أثارت الرأي العام وأغضبت رفاقه من الكتاب والمفكرين.

مؤلفات طه حسين

مسيرة عميد الأدب العرب حفلت بالكثير من المؤلفات، برصيدٍ يزيد على 50 كتابًا، تنوعت بين الأدب والفكر الفلسفي والإسلامي، منها:

  • ذكرى أبي العلاء
  • هؤلاء هم الإخوان
  • الوعد الحق
  • الفتنة الكبرى (عثمان بن عفان)
  • الفتنة الكبرى (علي وبنوه)
  • الأيام
  • دعاء الكروان
  • المعذبون في الأرض
  • حديث الأربعاء
  • شجرة البؤس
  • قادة الفكر
  • على هامش السيرة
  • فلسفة ابن خلدون
  • من حديث الشعر والنثر
  • الشيخان
  • الحياة الأدبية في جزيرة العرب
  • مرآة الإسلام

طه حسين بين السينما والدراما والإذاعة

لم يترك طه حسين الفنَّ المرأي والمسموع، فأسهم بكتاباته فيهما، مثل تأليفه للمسلسل الإذاعي (خديجة) الذي أخرجه محمد علوان، وقام ببطولته محمد الطوخي وكريمة مختار وحسن البارودي ورفيعة الشال وعزيزة حلمي. وفي عام 1951 عالج السيناريست إبراهيم عز الدين قصة طه حسين (ظهور الإسلام)، لتُقدَّم في فيلمٍ سينمائي بالاسم نفسه، أخرجه عز الدين نفسه، وقام ببطولته الممثلون: عماد حمدي وكوكا وعباس فارس وسراج منير.

قد يهمك هذا المقال:   شعراء المتصوفة

بعد تلك التجربة بثمانِ سنوات، استعان المخرج هنري بركات برائعة طه حسين (دعاء الكروان) وقدَّمها في فيلمٍ سينمائي من بطولة فاتن حمامة وأحمد مظهر وأمينة رزق وزهرة العلا وعبد العليم خطاب.

يعود بركات مرةً أخرى مستعينًا بقصة (الحب الضائع) لطه حسين في فيلمٍ سينمائي عام 1970، لكن هذه المرة من بطولة سعاد حسني ورشدي أباظة وزبيدة ثروت ومحمود المليجي.

لتأتي في عام 1979 واحدة من أهم التجارب التلفزيونية، عندما سرد المخرج يحيى العلمي السيرة الذاتية لطه حسين على الشاشة، مستعينًا برواية (الأيام)، ليؤدي الفنان الراحل أحمد زكي الشخصية، وإلى جواره الفنانون: يحيى شاهين وأمينة رزق وحمدي غيث ومحمود المليجي ومحمد الدفراوي.

وفاته

في خضم معركة أكتوبر 1973، التي خاضها الجيش المصري ضد العدو الصهيوني، أُصيب طه حسين بوعكةٍ صحية، تحديدًا ظهر السبت الموافق السابع والعشرين من الشهر ذاته، وفي صباح اليوم التالي حاول عميد الأدب العربي شرب بعض الحليب لكن لم يستطع ، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة بعد أن شاهد بشيءٍ من الوعي انتصار بلاده وعبور جنود مصر قناة السويس.

عن تلك اللحظة الصعبة، تحكي زوجته سوزان، في كتابها (معك): «بقيت مع جثمانه وحدي نصف ساعةٍ كاملة، قلت لنفسي وأنا وحيدة معه، ابني لم يصل بعد، وابنتي ما زالت في الطريق من أمريكا إلى القاهرة، وهمست: ألم نبدأ الحياة وحيدَين، وها نحن الآن ننهيها وحيدَين؟».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *