لذة الطاعة
من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده أن خلقهم لهدفٍ وغايةٍ عظيمة، ألا وهي عبادته سبحانه وتعالى وحده، قال الله سبحانه وتعالى في : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)سورة الذاريات آية (56)، ومن رحمة الله بهم أن منحهم لذةً لا تضاهيها لذةٌ في الحياة الدنيا؛ وهي لذة العبادة؛ والمقصود بها ما يجده العبد المسلم من راحةٍ نفسية وسعادة تغمر قلبه، وانشراحٍ في صدره، عند قيامه بعبادة الله سبحانه وتعالى، وطاعته، وتتفاوت هذه اللذة من شخص لآخر بحسب إيمان العبد وقوته أو ضعفه، قال الله سبحانه وتعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).سورة البقر آية (45)
وينبغي على العبد المسلم أن يسعى جاهداً في تحصيل هذه اللذة والوصول إليها، مقتدياً في ذلك بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان يجد هذه اللذة في الصلاة، لذة العبادة: موقع الألوكة فيقول لبلال: (قمْ يا بلالُ فأرِحْنا بالصلاةِ)الراوي: عبدالله بن محمد بن الحنفية، المحدث: الألباني، المصدر: صحيح أبي داود الصفحة أو الرقم: 4986، خلاصة حكم المحدث: صحيح وفي هذا المقال سيتم تناول كيف يستطيع المسلم الوصول إلى لذة الصلاة، وما هي الموانع التي تمنع من الوصول إلى هذه اللذة، وذكر بعض صور لذةالعبادة.
كيفية التَّلذُّذ بالصلاة
ذكر علماء الأمَّة رحمهم الله تعالى عدة وسائل معينةٌ في الوصول إلى لذة الطاعة عموماً، ولذة خصوصاً؛ كما أثبت ذلك الكثير من المواقف والأمثلة التي حصلت فعلاً في تلك الفترة، ومن الوسائل والأسباب التي تدفع العبد وتوصله إلى الشعور بلذة الصلاة ما يلي:كتاب: القواعد الحسان في أسرار الطاعة والاستعداد لرمضان المؤلف: المعتز بالله أبو محمد رضا أحمد صمدي، الطبعة: الثالثة 1420 هـ الناشر: مكتبة الفهيد بجدة – السعودية، الصفحة(49-59)
- حضور القلب: وتفريغه عن كل ما يجول فيه من الخواطر؛ فلا بد للعبد المسلم أن يكون قلبه حاضراً عند قيامه بالعبادة، ولا بد له أن يكون منصرفاً بكلّه؛ قلبه وجوارحه، بقوله وفعله عند القيام وشروطها، ففي الصلاة لا بدَّ أن يكون العبد حاضر القلب والجوارح بدءً من سماعه المنادي ينادي للصلاة، فيُسرع إلى تلبية النداء، وهو مشحونٌ بالرغبة والسعادة في تلبية نداء الله، وأداء ما فرضه الله سبحانه وتعالى عليه، فيبادر إلى القيام بالطهارة الظاهرة والطهارةالباطنة، ويتوب إلى الله سبحانه وتعالى، ويُصمِّم على عدم العود والرجوع إلى ما كان عليه من قبل ويتوب عن سيئاته وذنوبه. ثم يقوم بستر العورة؛ ليس فقط العورات الظاهرة، وإنما أيضاً العورات الباطنة التي لا يعلمها إلاّ الله سبحانه وتعالى، وليس فقط تغطيتها عن أبصار الخلق وإنما سترها بالندم والحياء والخوف من الله، ثم يستقبل القبلة ليس بوجهه فقط وإنما بقلبه؛ فيصرف الأمور جميعها إلى الله، ثم الاعتدال واقفاً أمام الله سبحانه وتعالى مطأطأً رأسه متذللاً له منكسراً إليه، ثم يشرع بقراءة ، وسورة الفاتحة وما تيسر من القرآن الكريم، مستشعراً ومتدبراً لكل كلمةٍ فيها، ثم يهوي إلى الركوع والسجود متذكراً كبرياء الله سبحانه وتعالى، مستجيراً بعفوه من عقابه، ومتواضعاً له، ومتذللاً بين يديه، مستعيناً على ذلك بتسبيح الله سبحانه وتعالى، في الصلاة، ثم يكمل بقية أعمال الصلاة، وأقوالها، وهو حاضر القلب، صارف الهمة إلى الصلاة، عالماً بأنّ الصلاة هي الوسيلة إلى الآخرة، وأنّ الآخرة هي خيرٌ وأبقى.
- أن يفهم معنى ما يقرأ: وهو أمرٌ يأتي بعد حضور القلب، وهو تابعٌ له فيكون القلب حاضراً عند اللفظ وعند معناه، فيفهم المُصلّي، معاني القرآن الكريم، ومعاني التسبيحات، التي يذكرها في الصلاة، ولكي يصل إلى درجة الفهم الكامل لجميع ذلك لا بد أن يكون قلبه حاضراًعند كل لفظٍ ومعناه.
- التعظيم: وهو أمرٌ راجعٌ لحضور القلب، وفهم المعنى، فعندما يكون القلب حاضراً، والمسلم فاهماً لما يتلو ويردد في صلاته من ، كان التعظيم موجوداً عنده متحققاً،، ولكي يصل المصلي إلى هذه المرحلة لا بد له من معرفة جلال الله سبحانه وتعالى، وعظمته، ومعرفة خسّة النفس وحقارتها.
- الهيبة: وهي خوفٌ نابعٌ من التعظيم، وتتولد الهيبة والخوف من معرفة الله سبحانه وتعالى، وقدرته، ونفوذ مشيئته.
- الرجاء؛ فلا بد للعبد المسلم أن يكون راجياً بصلاته ثواب الله سبحانه وتعالى.
- الحياء؛ ويكون ذلك عن طريق استشعار العبد تقصيره في العبادة، وتوهمه الذنب، والعلم بعجزه عن القيام بعظمة الله سبحانه وتعالى، ومعرفة عيوب النفس، وما فيها من آفات.
موانع التلذذ بالصلاة
ذكر العماء موانع عدة، تمنع العبد من الوصول إلى لذة العبادة، وهذه الموانع هي: لذة العبادة: موقع صيد الفوائد
- المعاصي، والذنوب؛ فالذنوب والمعاصي سببٌ من موانع وصول العبد إلى لذة العبادة وحلاوة مناجاة الله سبحانه وتعالى.
- كثرة مخالطة الناس؛ فكثرة مخالطة الناس داءٌ، يُفقِد العبد لذة العبادة.
- تحوُّل العبادات إلى عادات؛ فمتى تحولت العبادة إلى عادة يقوم بها العبد، فُقِدت لذّتها.
- النفاق؛ فمتى كان النفاق موجود عند أداء العبادات، كان مانعاً من الوصول إلى لذة العبادة حيث أن النفاق هو إشراكٌ للعباد مع الله في العبادة والله لا يقبل أن يُشرك معه أحدٌ من خلقه.
صور من التلذذ بالعبادة
الأصل في العبد أن يجد لذةً وحلاوةً لكل عملٍ يتقرَّب به إلى الله سبحانه وتعالى، ومن صور لذة العبادة ما يلي: لذة العبادة: موقع صيد الفوائد
- لذة الإيمان: فالإيمان له لذة وحلاوة، تُذاق بالقلوب، كما تُذاق حلاوة الشراب، والطعام، فالإيمان بمثابة الغذاء للقلوب، كما الطعام والشراب غذاء للجسد، ويجد القلب حلاوة الإيمان عندما يسلم من الأهواء والشهوات المحرّمة، قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثٌ مَن كنَّ فيه وجَد حلاوةَ الإيمانِ، مَن كان اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، ومَن أحبَّ عبدًا لا يحِبُّه إلا للهِ، ومَن يَكرَهُ أن يعودَ في الكفرِ، بعد إذ أنقَذه اللهُ، كما يَكرَهُ أن يُلقى في النارِ).الراوي: أنس بن مالك، المحدث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 21، خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
- لذة : والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بمناجاته، والتذلل إليه، والوقوف بين يديه.
- لذة قراءة القرآن الكريم: فالقرآن الكريم كلام الله سبحانه وتعالى، ولتلاوته لذَّهٌ لا يجدها إلاّ كل محبّ للخالق سبحانه وتعالى ومحبّ لكلامه.
- لذة الإنفاق في سبيل الله سبحانه وتعالى: فالإنفاق في سبيل الله له لذةٌ عظيمة.
- لذة طلب العلم: فإنَّ لطلب العلم لذة لا تُوازيها لذة، ومن اللذة في طلب العلم التأليف والتصنيف.