ما هو قهر الرجال

مقدمة عن قهر الرجال

من سنن الله عز وجلّ التي جرت على خلقه وعلى عباده المؤمنين، أنه سبحانه يمتحنهم ويختربهم في هذه الحياة، وقتما شاء وبما شاء سبحانه وتعالى، فمن العباد من يختبره الله بإنعام نعمة ومنهم من يختبره بمنعه نعمة ما، ومن أنواع الامتحانات أيضًا المصائب التي قد تصيب العبد، ومنها البلاء أو الابتلاء، فينظر سبحانه في حال العبد هل يصبر ويلتجئ إلى ربّه أم يقنط ويكفر، ومن البلاء الذي قد يصيب الرجل المؤمن، ما ذُكر في حديثٍ رواه أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال: ((دخل صلى الله عليه وسلم، ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال يا أبا أمامة: ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت ؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلامًا إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟ قال: قلت بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني)) -ضعّفه الشيخ الألباني رحمه الله – انظر صحيح وضعيف سنن أبي داود، فما قهر الرجال المذكور في هذا الدعاء؟

ما قهر الرجال

ذكر الإمام البخاري في صحيحه حديثًا آخر في كتاب الدعوات، باب التعوّذ من غلبة الرجال، قال أنس: ((كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّمَا نَزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ))، وهذا الدعاء قد صنفه العلماء في باب أدعية اليوم والليلة، فيدعو به المسلم صباحًا أو مساءً، ويتعوذ مما تعوذ منه النبي صلى الله عليه وسلم، فكل تلك الأمور التي ذكرت في الدعاء هي منغصّات لحياة المسلم المؤمن، تكدّر عليه معيشته، وسنأتي على شرح هذه الأمور واحدة بواحدة بإذن الله لنستشعر هذا الدعاء حينما ندعو به الله سبحانه وتعالى، ونتجنب ما يمكن أن نتجنبه من مسببات لهذه المنغّصات والمكدّرات بعون الله سبحانه وتعالى.

قد يهمك هذا المقال:   كيف التعامل مع الزوج العنيد

الهمّ والحزن

ذكر الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله – أن الهمّ يكون لأمر مستقبلي، يعني أن الإنسان يهمّه أمر لم يحدث بعد فيخاف أن يحدث له وهذا ما يسبّب له همًّا، وأما الحزن فيكون بسبب أمر قد حدث في الماضي، فيحزن الإنسان بعد حدوثه لتركه أثرًا سيّئًا عليه، فيتعوذ بالله منهما جميعًا، ولهذا جمعهما النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء واحد.

العجز والكسل

العجز هو فقدان القدرة على فعل الشيء، فتخار قوة الإنسان ويصبح لا يملك القدرة الكافية لفعل شيء ما، والكسل هو فقدان العزيمة لفعل شيء ما، وعليه فالإنسان لا يستطيع فعل شيء إلا بعزيمة وبقدرة تترجم تلك العزيمة إلى فعل، فجمعهما النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء المذكور، فيا له من كلام جامع ماتع، نستخلص منه دروسًا وعظات.

البخل والجبن

ثم جمع صلى الله عليه وسلم بين البخل والجبن، وهو جمع بين النفس والمال، فلو أدبر المسلم وتقاعس عن الجهاد مثلًا، لقلنا جبن أي شحّ بنفسه عن بذلها في سبيل الله، والبخل أكيد سيقابله المال، فالبخيل بخيل بماله يخشى عليه النقصان أو الفقدان بالكلية، فيتعوذ المسلم من هاتين الخصلتين الذميمتين ليقيه الله سبحانه وتعالى شرهما.

ضلع الدّين وغلبة الرّجال

ضلع الدَّيْن أو غلبة الدَّيْن معروفة ولا تكاد تخفى على أحد، والدَّيْن كما يقال هو رقُّ الحرّ وذلُّ العزيز، وكثرته قد تجعل من العزيز ذليلًا فيجب الحذر منه ومن تبعاته، ولا يستدين الإنسان إلا لضرورة قصوى، وإلا فيتجنبه قدر المستطاع، فكثير من الناس يستدين من أجل الاستزادة أو من أجل أمور غير ضرورية أو كماليات الحياة، فتجد الواحد يستدين لأجل شراء سيارة فاخرة أفضل من التي يكسبها، وهذا أمر قد تكون عواقبه وخيمة. وترى أن أمر الدَّيْن وغلبته له علاقة مباشرة بغلبة الرجال وقهرِهم، فمِن قهر الرجال أن المستَدِين يكون أمام صاحب المال ذليلًا ومقهورًا ومغلوبًا، فقد يضيِّق عليه صاحب المال فيقهره بذلك، وقد يكون قهر الرجال أيضًا من ضعف في الإنسان بحيث لا يصبح قادرًا على الدفاع عن نفسه، فيغلبونه ويقتلونه -أو يهينونه ويظلمونه كما ذكره الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله تعالى-.
فعلى المسلم أن يداوم على هذا الدعاء كما علّمنا النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يغفل عن ذلك، وعليه أيضًا أن يجتنب كل ما يؤدي به إلى هذه الأمور، فلا يُقدِم على أمر يعود عليه بغلبة الدَّيْن أو قهر الرجال مثلًا، فإذا ما قدّر الله على الإنسان هذا الأمر بسبب ضعف منه أو أمر لا يقدر عليه ولم يتعمّد الوقوع فيه، عليه أن يصبر ويحتسب الأجر على الله، ويكثر من ذكر الله والالتجاء إليه، ويعمر قلبه بالإيمان واليقين في الله سبحانه وتعالى، فيهون الأمر عليه ويقع الأجر بإذن الله جلّ وعلى، ويجعل الله له من أمره يسرًا.
ولا شكّ أن غلبة الرجال أو قهر الرجال، لا يقع إلا من الدانئين الظالمين، ولا يكون من عباد الله الصالحين المتّقين، فالعبد الصالح إذا ما علم من أخيه عجزًا عن أداء ديْنه صبر عليه وأمهله مزيدًا من الوقت، التماسًا منه العذر لأخيه المسلم، فلذلك فإن على المسلم أن يحرص على اختيار من يخالط ومن يعامل في حياته هذه، فلا يلتجئ إلى ظالم أو دنيء، ولا يعطه الفرصة لأن يقهره أو يذلّه، فقهر الرجال همّ يصيب المرء وانكسار ووهن صعب تجرّعه من كان حرًّا عزيزًا.

قد يهمك هذا المقال:   فن التعامل مع الاطفال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *