الأشهر القمرية
لكل أمةٍ عريقةٍ تأريخٌ خاصٌ فيها، فأمةٌ تؤرخ بناءً على ، وأخرى بناءً على السنة الشمسية، وأمم أخرى لها تأريخ آخر، وجميع ذلك مرتبطٌ بوقائع وأحداث عظيمة اقترنت بوجود تلك الأمم والحضارات والممالك، فالتاريخ الميلادي مثلاً؛ مقرونٌ بمولد نبي الله عيسى المسيح – عليه السلام – حيث اعتمده أهل الديانة النصرانية للتأريخ به، بل إنه اشتهر حتى أصبح هو التأريخ السائد في العالم أجمع، أما فتعتمد في تقومها على التاريخ الهجري والتأريخ بذكرى هجرة النبي، وهي الذكرى التي تُصادف هجرة نبي الله محمد -صلى الله عليه وسلم- وفي ذلك التاريخ نشوء الدولة الإسلامية في وبروزها كقوةٍ عظمى بعد عدة سنوات، وتتكون كل سنةٍ من هذين التأريخين من عدة أشهر، ولكل شهرٍ اسمه الخاص، وذلك بناءً على معطيات خاصة، وفي هذه المقال سيجري بيان أشهر السنة الهجرية وتخصيص ذكر الأشهر الحُرُم من السنة الهجرية على وجه الخصوص، وبيان سبب تسميتها وأمور أخرى تتعلق فيها، وبالله التوفيق.
ما هي الأشهر الحُرُم
ورد في كتاب الله -سبحانه وتعالى- وفي سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- الإشارة إلى الأشهر الهجرية بشكلٍ عام وذلك في العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة، كما جاء ذكر على وجه الخصوص وبيان عددها وأسمائها وذلك في العديد من المواضع أيضاً، من ذلك قول الله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ)،سورة التوبة، آية: 36 وبالتالي فإن الأشهر الحُرم عددها أربعة أشهر، كما نصت الآية سالفة الذكر، أما الأشهر القمرية – الهجرية التي تحتويها السنة الهجرية؛ فهي اثنتا عشرة شهرًا كما ورد في كتاب الله.
أما ما ورد في سنة النبي -صلى الله عليه وسلّم- بخصوص الأشهُر الحرُم؛ فدليله ما رواه في الصحيح من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفيّ عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنه قال: (إنَّ الزّمانَ قد استدارَ كهيئتِه يومَ خلقَ اللهُ السماواتِ والأرضَ، السّنةُ اثنا عشرَ شهرًا، منها أربعةٌ حرُمٌ، ثلاثٌ متوالياتٌ: ذو القَعدةِ، وذو الحَجةِ، والمُحرَمُ، ورجبُ مضرَ الذي بين جُمادى وشعبانَ).رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن نفيع بن الحارث الثقفي أبو بكرة، الصفحة أو الرقم: 4662 أما تحديد الأشهر الحُرُم من فمختلفٌ فيه بين الفقهاء، وذلك في كون المقصود بها ما ورد الحديث السابق ذكره؛ أي أنها شهر رجب وذو القعدة وذو الحجة ومُحرَّم، والرأي الثاني القائل بأنها غير ذلك، وبيان ما قاله العلماء في هذا الأمر على النحو التالي:الماوردي، تفسير الماوردي المُسمى النكت والعيون، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 340، جزء 2.
- أن الأشهر الحرم هي الأشهر الواردة في الحديث: وإلى هذا الرأي مال جمهور أهل العلم، فقالوا بأن الأشهر الحُرم لا تخرج عن كونها ذات الأشهر التي وردت في حديث النبي سالف الذكر؛ أي أنها شهر رجب وشهر ذي القعدة، ويليهما شهر ذي الحجّة وآخرها شهر مُحَرَّم.
- أنها أشهر أُخرى غير الواردة في الحديث: وإلى هذا الرأي مال الفقيه التابعي الحسن البصريّ، حيث يرى أن المقصود بالأشهر الحُرم هو تلك الأشهر التي أذن الله -تبارك وتعالى- وجعلها مسموحةً للمشركين بأن ينتشروا فيها ويسيحوا في الأرض آمنين، وتفصيل تلك الأشهر على هذا القول أنها؛ شهر ذي الحجّة (آخر عشرين يومًا منه فقط)، وشهر مُحرَّم كاملاً، وشهر صفر الذي يلي شهر محرم، وشهر ربيع الأوّل، وتنتهي هذه الأشهر بالعشرة أيامٍ الأولى من شهر ربيعٍ الآخر.
معلومات حول الأشهر الحرم
ذُكر في الفقرة السابقة أن الأشهُرَ الحُرُمَ هي أربعةُ أشهُر، وأن الفقهاء اختلفوا فيها هل هي ما ورد في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أم أنها غير ذلك، وأن رأي الجمهور من أهل العلم أنها؛ رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم، أما سبب تسمية تلك الأشهر بهذه الأسماء فسيأتي بيانه على النحو التالي:المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام، صفحة 92، جزء 16. محمد رواس قلعجي، معجم لغة الفقهاء، صفحة 215
- شهر مُحرَّم: هو أوّل الأشهُر الحُرم، كما أنه أول شهرٍ من أشهر السّنة الهجريّة على وجه العموم، وكان يُطلق عليه سابقاً شهر صفر ويتم تمييزه عن شهر صفر الآخر ب (صفر الأول) ويطلق على شهر صفر المعروف (صفر الثاني)، أما سبب تسميته بشهر مُحرم فعائدٌ على ما بعد الإسلام، حيث أخذ اسمه من تحريم بعض الأعمال فيه، ومن ذلك تحريم القتال أو الصيد في شهر مُحرم، كما هو الحال في باقي الأشهر الحُرم.
- شهر رجب: شهر رجب هو ثاني الأشهر الحُرم في السنة الهجرية، وله اسمٌ آخر غير رجب وهو؛ شهر مُضَر، ويُدلل على هذا الاسم ما ورد عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- من قوله: ( .. منها أربعةٌ حرمٌ، ثلاثٌ متوالياتٌ: ذو القَعدةِ، وذو الحَجةِ، والمحرَمُ، ورجبُ مضرَ الذي بين جُمادى وشعبانَ)،رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن نفيع بن الحارث الثقفي أبو بكرة، الصفحة أو الرقم: 4662 وسبب تسميته باسم (مُضر) أن قبيلة مُضَر -إحدى قبائل قُريش- كانت قبل الإسلام تعد العديد من أشهر السنة الهجرية محرمةً سوى الأشهر الحُرم السابق بيانها، ومن تلك الأشهر شهر رمضان، وكانوا يسمونها (رجب)، فأطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- اسم مُضر على شهر رجب نسبةً إلى قبيلة مُضر.
- شهر ذو القعدة: وهو الشهر الثالث من الأشهر الحُرم، ويأتي عقب شهر شوال الذي يلي شهر رمضان المبارك، وهو الشهر الحادي عشر من حيث الترتيب من أشهر السنة الهجرية إجمالاً، أما سبب تسمية شهر ذي القعدة بذلك أن العرب فيه كانوا يقعدون فلا يقاتلون، ولا يُسافرون، وقيل: لقعودهم في هذا الشهر عن شدِّ الرحال، وهو شهرٌ من أشهر الحج عند المسلمين، حيث تؤدى فيه بعض مناسك الحج.
- شهر ذي الحجّة: وهو آخر الأشهُر الحُرم، كما أنه آخر أشهر السّنة القمرية -الهجريّة- إجمالاً فيكون ترتيب الأشهر الحُرم بناءً على ورودها في السنة الهجرية؛ شهر مُحرَّم، ثم شهر رجب ثم يأتي شهر ذي القعدة، وتنتهي الأشهر الحُرم بذي الحجة، أما سبب تسمية شهر ذي الحجة بهذا الاسم أن مناسك الحج تقع فيه فيقوم المسلمون بأداء شعيرة الحج في أيام ذي الحجة وخصوصاً العشر الأوائل منه، وذلك الأمر يتكرر في كلِّ عامٍ هجري.