الوضوء
يُعد شرطاً لصحة الصلاة، وهو الطهارة للحدث الأصغر، وقد جاء الأمر بالوضوء صريحٌ في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)سورة المائدة، آية رقم، 6. فجاءت الآية بالأمر بالطهارة للصلاة، وهو المراد الوضوء، كما أوضحت الآية الكريمة سابقة الذكر ، وللوضوء مبطلاتٌ عديدة، سيأتي تفصيلها في هذه المقالة.
تعريف الوضوء
- الوضوءُ لُغةً: الوُضوء من الوَضاءة، وهي: الحُسن، والبَهجة، والنَّظافة، والوُضوء بالضمِّ: هو أفعالُ الوُضوء، وبالفَتْح: الماء المُعَدُّ للوضوء.ابن منظور، لسان العرب، 1/194.
- الوضوءُ اصطلاحاً: هو غسلُ أعضاءِ مخصوصةٍ، بصفةٍ مخصوصةٍ، تقرُّباً لله سبحانه وتعالى.ابن عثيمين، الشرح الممتع على زاد المستنقع، 1/183.
ما يبطل الوضوء
للوضوء عديدة أشار إليها أهل العلم، وتلك المبطلات التي نص عليها الفقهاء، منها ما هو موضعُ خلافٍ بينهم، ومنها ما اتفقوا عليه، وفيما يلي تفصيلُ ذلك:وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، 1/418.ابن عثيمين، الشرح الممتع على زاد المستنقع، 1/275. مجموعة من المؤلفين، الفقه الميسر، 1/21.
- الخارج من السبيلين: وهو كل ما يخرجُ من السبيلين من بولٍ أو غائطٍ، أو ريحٍ أو مذيٍ أو وديٍ أو مني، والخارجُ الغير معتاد من السبيلين كالدمِ مثلاً يُعدُ ناقضاً للوضوء أيضاً سواءً كان قليلاً أم كثيراً.
- زوال العقل: وإن كان سببُ زواله نومٌ أو إغماءٍ أو جنون، والنوم الذي يُعدُ مبطلاً للوضوء هو النوم الذي يستغرق به صاحبه فلا يُدرك ولا يعي ما يدور حوله، وأما النوم اليسير الذي يبقى صاحبهُ واعياً لما يدور حوله، فهذا لا يُبطلُ الوضوء، لما ورد في السنة النبوية أن الصحابة -رضي الله عنهم- كان يصيبهم النعاس وهم ينتظرون ثم يقومونَ ويصلونَ بلا وضوء، وذلك لأنهم لا ينامون النوم العميق المذهب للإدراك.
- الولادة من غير رؤية دم: وهذا الأمر من مبطلات الوضوء قال به الحنفية، لأن المرأة لا تكون نُفَساء وذلك لأن النَّفاس مرتبطٌ بنزول الدم، ولم يوجد ذلك، فعليها الوضوء بسبب الرطوبة وعليها الغسل احتياطاً لعدم خلوه عن قليل دمٍ غالباً.
- الخارج من غير السبيلين: ويُقصدُ به ما يخرج من نجاساتٍ من غير السبيلين، كالدمِ والقيح، قال الحنفية بأنه يُعدُ ناقضاً للوضوء، بشرط السيلان، ويقصد به أن يتجاوز موضع خروجه وينحدر إلى مناطق أخرى بالجسد، وعلى شرطهم هذا فخروجُ النقطةِ والنقطتين لا يُعد ناقضاً، وأيضاً لا ينقض الوضوء الدم الذي ينطبق عليه حكم التطهير، كجرح العين، أو الأذن، واستدلوا على ما قالوا بحديثٍ للنبي -صلى الله عليه وسلم- مفاده أن الوضوء يكون من الدم الذي يسيل، وأيضاً أن من صابه القيء أو الرُّعاف في الصلاة، يقطع الصلاة ثم يتوضأ ويعود للصلاة، أما الحنابلة فاشترطوا بأن يكون الدم كثيراً، وأما المالكية والشافعية، فقد قالوا بعدم بطلان الوضوء بالخارج من غير السبيلين، من دمٍ وغيره، وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وصلى ولم يتوضأ، ومن المعلوم أن الحجامة هي إخراج الدمِ الفاسد من الجسد، ولأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يُصلّون بجراحهم.
- القيء: وفيه خلافٌ بين الفقهاء كخلافهم في نزول الدم فهو أيضاً خارجٌ من غير السبيلين، وقال الفقهاء في ذلك قولان فذهب الحنفية والحنابلة للقول بأن القيء مبطلٌ للوضوء، وقيدوا ذلك بثلاثة أمور، أن يكون من المعدة، ويكون ملء الفم أو كثيراً، وأن يكون دفعة واحدة، وأما المالكية والشافعية، فذهبوا إلا أن القيء لا يُبطلُ الوضوء، مستدلين بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قاء ولم يتوضأ.
- لمس المرأة: ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة، إلى القول أن لمس المرأة لا يبطل الوضوء، بمجرد التلامس العادي بين الرجل والمرأة، وأما الشافعية فقالوا: بأن لمس الرجل للمرأة الأجنبية من غير حائل مُبطلٌ للوضوء، وسبب اختلافهم في ذلك هو اختلافهم في تأويل الملامسة المذكورة في قوله تعالى: (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ)سورة النساء، آية رقم، 43. فالحنفية قالوا: بأن المراد باللمس بالآية هو الجماع، والمالكية والحنابلة قالوا: بأنه يُقصد به اللمس الذي يُصاحبه شهوة، واستدلوا على ذلك بأحاديث مرويةٍ عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- مفادها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قبَّلَ زوجاته أو لامسهنَّ لا يتوضأ، وأما الشافعية، فدليلهم العمل بحقيقة معنى الملامسة في الآية وهو الجس باليد، أو ملاقاة البشرتين، أو لمس اليد، ولم يصرفوا اللفظ عن معناه.
- مَسُّ الفرج باليد: وفي هذا المُبطلِ خلافٌ بين الفقهاء، فذهب الحنفية إلى أن مسَّ الفرج لا يُبطلُ الوضوء، وذهبَ الجمهور من الشافعية والمالكية والحنابلة إلى أن مس الفرج مبطلٌ للوضوء.
- القهقهة في الصلاة: وهذا المُبطل قال به الحنفية دون غيرهم، وفَصَّلوا في ذلك، فقالوا بأن القهقهةُ هو ما يكون به صوت ضحكةُ المصلي مسموعاً لجيرانه من المصلين، وهو مُبطل للصلاة والوضوء وأما الضحك، فهو ما يسمعه هو دون جيرانه، وهو مبطلٌ للصلاة فقط، وأما التبسم وهو ما لا صوت فيه، ولو بدت به ، فلا يبطل به شيء، ولا يبطُلُ الوضوء عند الجمهور غير الحنفية بالقهقهة، لأنها غيرُ موجبةٍ للوضوء خارج الصلاة، فلا توجبه داخلها.
- أكل لحم الإبل: يبطُلُ به الوضوء عند الحنابلة دون غيرهم، بدليل أنه سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن لحوم الإبل فقال: (توضؤوا منها، وسئل عن لحوم الغنم؟ فقال: لا يتوضأ منها)أبو داود، سنن أبو داود، 184، الترمذي، 81، ابن ماجة، 494، وأحمد، 18725. وأما الجمهور فقالوا أنه لا يبطل الوضوء بأكل لحم الإبل، لما رواه جابر رضي الله عنه أنه قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلّى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)أبو داود، سنن أبو داود، 192، النسائي، 185. ولأنه مأكولٌ كغيره من المأكولات.
- غسل الميت: يبطلُ الوضوء عند أكثر الحنابلة بغسل الميت، وقال أكثر الفقهاء، لا وضوء من غسل الميت، إذ لم يرد فيه نص شرعي.
- الشك في الوضوء: قال بهذا الأمر فقهاء المالكية: فإن من كان على طهارةٍ متيقنٍ بها ثم شك في أنه محدثٌ، يبطلُ وضوؤه بمجرد الشك، وإن كان متيقنًا بالحدث وشك بأنه على طهارة، كذلك يبطُلُ وضوؤه أيضاً، وقال الجمهور: لا ينتقض الوضوء بالشك، فمن تيقن الطهارة وشك في الحدث، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة بنى على اليقين، فالقاعدة الفقهية تقول: (اليقين لا يزول بالشك).
- ما هو موجب للغسل: ويقصد بذلك ما يتوجب منه الغسل كالحيض والجماع والنفاس، ونصَّ على هذا المبطل الحنابلة.
- الردة عن الإسلام: وهو قولٌ ذكرهُ الحنابلة والمالكية، ودليلهم قوله تعالى (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ)سورة المائدة، آية رقم، 5.، ولأن الوضوء عمل فيبطل بالردة، ولا يبطل الوضوء بالردة عند الحنفية والشافعية.