مدينة ليفربول
ليفربول هي مدينةٌ بريطانية تقعُ في شمال غربي إنكلترا، وتعتبر واحدةً من أكبر المدن في ومن أهمِّ المراكز الصناعية والتاريخية والثقافية في البلاد. يسكنُ ليفربول نصف مليون إنسانٍ في المدينة الأساسية و2.24 مليون مع احتساب امتداداتها العمرانية، ممَّا يجعلُها المدينة الخامسة الأكثر سكاناً في بريطانيا (بعد لندن وبرمنغهام ومانشستر وليدز).
وتقعُ ليفربول على الضفة الشرقية لنهر ميرزي، وهو نهرٌ بطول مائة كيلومتر يجري في شمال إنكلترا وكان يُمثّل حدوداً تاريخية بين مملكتي مرسيا ونورثمبريا، وكانت تاريخياً تابعةً لمقاطعة لانكشاير. وقد تحوَّلت ليفربول إلى قرية إنكليزية في عام 1207، وإلى مدينة عام 1880. وبعد ذلك بأحدَ عشر عاماً نالت استقلالها عن لانكاشاير وأصبحت مدينة قائمةً بذاتها.
وقد شهدت المدينة توسعاً مذهلاً في عهد ، فقد أصبحت ميناءً رئيسياً في العالم يتلقَّى كميات كبيرة من البضائع والمواد الخام (كالفحم والقطن)، وكان كذلك مكاناً مهماً للتجارة بالعبيد الأفارقة في المحيط الأطلنطي (حيثُ كان التجار الإنكليز يشاركونَ بنقلِ العبيد من أفريقيا إلى العالم الجديد للعمل في المزارع). وفي القرن التاسع عشر أصبحت ليفربول ميناءً أساسياً انطلقَ منهُ المهاجرون الإنكليز والأيرلنديون مغادرينَ إلى . وقد كانت الميناء الذي سُجِّلَت فيه سفينة التايتنيك الشهيرة وسفينة الملكة ماري وغيرهما.
تاريخ مدينة ليفربول
العصور الوسطى
أعلنَ كتابٌ رسمي لملك إنكلترا جون الأول في عام 1207 عن تأسيسِ قرية أو مستوطنة إنكليزية رسمياً باسمِ ليفربول. وكانت ليفربول آنذاكَ محض بلدة صغيرة، إذ لم يتجاوز عددُ سكانها خمسمائة نسمةٍ حتى القرن السادس عشر الميلادي. وقد صُمِّمَت المدينة بالأصل لتضممَّن سبعة شوارع تتضمَّن من شاريع متوازيَّيْن وواحدٍ يقطعهما لعِدَّة مرات متوالية.
وكان تطوّر التجارة وتزايد السكان في مدينة ليفربول بطيئَيْن أثناءً القرن السابع عشر. وقد خيضت عِدَّة معارك للسيطرة على البلدة خلال الحرب الأهلية الإنكليزية (بين التاج الإنكليزي والكمونولث)، وكان من بينِ أحداثها أن ضُرِبَ الحصارُ على ليفربول لمُدَّة ثمانية عشرَ يوماً خلال سنة 1644. وفي عام 1699 تحوَّلت ليفربول – بفعلٍ قرار برلمانيّ – إلى “رعيَّة” (بلدةٍ تابعةٍ للكنيسة). وفي العام نفسه أبحر سفينة ليفربول، وهي أولى السُّفُن الليفربولية المتاجرةِ بالعبيد، متَّجهةً نحو شواطئ أفريقيا.
ومنذُ العصور القديمة كان ميناء دي القريبُ من ليفربول هو الميناء الأساسي المُطِلَّ على البحر الأيرلندي (الواقع بين أيرلندا وإنكلترا) في هذه المنطقة، إلا أنَّ نشاط السُّفُن والبحارة انتقلَ فجأةً وبسرعة نحو ليفربول. ومع ازدياد أهمية التجارة الإنكليزية بالسكُّر وتفوّقها على هذه التجارة في باقي أنحاء أوروبا، بدأت ليفربول بالنموّ والازدهار بسُرْعة. واكتسبت المدينة أرباحاً مذهلةً من تجارَتَيْ التبغ والعبيد وأصبحت غنيَّة بالمال والثراء.
القرن التاسع عشر
ازدادَ ثراء مدينة ليفربول مع دخول القرن التاسع عشرَ لتُصبِحَ هي ومانشستر، في سنة 1830، أول مدينتين تتصلان بالقطار. وقد بدأت المدينة باكتساب أهمية صناعية، واستقبلت مئات آلاف المهاجرين الأيرلنديِّين بعد المجاعة التي ضربت بلادهم، ممَّا أدى إلى تفجُّرِ سكانها من أقل من مائة ألف نسمة في بداية القرن إلى قرابة 700,000 إنسانٍ في نهايته.
وكانت كميات هائلةٌ من القُطْن تشحنُ إلى ليفربول قادمةً من المزارع في جنوب ، حيثُ صُدِّرَ هذا القُطْن إلى أرياف المدينة لتصنيع الأنسجة منه، ولهذا السبب فقد كانت المدينة داعمةً لولايات الجنوب في الحرب الأهلية الأمريكية (وهي الولايات التي حاولت الإبقاء على العبودية بسبب أهميتها في زراعة القطن والثروة). وقد اجتذبت مدينة ليفربول في هذه الفترة آلاف المهاجرين من أوروبا، وشهدت تنوعاً عرقياً ودينياً كبيراً.
القرن العشرين
فقدت المدينة نسبةً هائلةً من أبنائها وقواها العاملة في ، ممَّا أدى لتردّيها اجتماعياً. وكانت ليفربول مكان أول مطار إقليمي بُنِيَ في بريطانيا سنة 1930. وقد أقرَّ أدولف هتلر القيمة الاستراتيجية الكبيرة للمدينة في الحرب العالمية الثانية، وأمرَ بقصفها بالطائرات الألمانية مراراً. وكانت ليفربول ميناءً أساسياً في الحرب بالمحيط الأطلسي.
وأدت إعادةُ تنظيم قطاع التصنيع وبناء السفن في المدينة في منتصف السبعينيات إلى تعطيل موانئها وإلغاء عددٍ هائلٍ من الوظائف ودفعِ الكثير من القوى العاملة إلى ، حيثُ كانت المدينة واحدةً من أكبر مراكز البطالة في بريطانيا في بداية الثمانينيات (إذ وصلت النسبةُ في أقصاها إلى 17%). إلا أنَّ اقتصاد المدينة بدأ باستعادة مكانته تدريجياً منذ التسعينيات ولا زالَ في تحسُّنٍ واضح.
الصناعة والابتكار
كانت ليفربول دوماً مركزاً للصناعة والابتكار في القرون الأخيرة. فقد ظهرت أوائل القطارات وسككُ الحديد وسفن البخار والقطارات الكهربائية في ليفربول للمساعدةِ في النقل الجماعي للسُّكَّان. وفي عامي 1829 إلى 1836 حُفِرَت أولى أنفاق القطارات (المترو) تحتَ مدينة ليفربول. وفي عامي 1950 و1951 شُغِّلَت أولى خدمة لنقل الرُكَّاب بالمروحية بين ليفربول ومدينة كارديف في ويلز.
وقد كانت ليفربول موطئ أول مدرسة للعُمْيَان وأول معهدٍ للميكانيك ومدرسة ثانوية للإناث ومحكمة للأَحْدَاث في العالم. وقد ابتُكِرَت الكثيرُ من الحلول والعلاجات الطبية في ليفربول، مثل جراحة العظام واستعمال الأشعّة السينية (أشعّة إكس) بالتشخيص الطبي وبناء سيارات الإسعاف المُخصَّصة لنقلِ المرضى وبناء مراكز لأبحاث السرطان وتقديمِ الوجبات الصحيَّة لطُلاّب المدارس.
السكان
يبلغُ عددُ سكان مدينة ليفربول نصف مليونٍ تقريباً وأكثر بأربعة مرات من ذلك مع احتساب امتداداتها. تتمتَّعُ المدينة بتنوّعٍ عرقي عالٍ، فرُغْم أن معظم سكانها من البريطانيين البيض (85%) إلا أنَّ فيها أقليات كبيرةً من الأفارقة (1.8%) والصينيين (1.7%) والأيرلنديين (1.5%) والهنود (1.1%) والأعراق المختلطة (2.5%). وتتواجدُ حالياً جالياتٌ معتبرةٌ من اللاتين والماليزيين واليمنيين العرب في ليفربول، لا يَقِلُّ تعدادُ كلٍّ منها عن الآلاف.
وقد أدَّى العددُ الكبير من المهاجرين والبحارة الوافدين إلى المدينة لإكسابها تنوعاً دينياً مميزاً، فهيَ تحتضنُ معتنقي المسيحية والإسلام واليهودية والهندوسية والسيخية وغيرها من الأديان جنباً إلى جَنْب. ونحو 80% من سكان ليفربول هم من المسيحيين، فيما أنَّ ثمة نسبة معتبرة تتألَّفُ من 1.4% من المسلمين.