اليابان بعد الحرب العالمية الثانية
بالحديث عن ، فنحن نتحدَّث عن واحدةٍ من الدول الفريدة التي استطاعت أن تحقق أقوى معجزةٍ اقتصادية في التاريخ الحديث من وقتها إلى الآن؛ فقد شهدت تلك الدولة ظلامًا حالكًا بعدما قُصِفت هيروشيما وناجازاكي بالقنابل النووية التي أبادت سكانهما، ودمرت ما تبقى من أشعة أملٍ لتلك الدولة التي هُزِمت شرَّ هزيمةٍ في .
لكن على الرغم من ذلك، مسح الشعب الياباني دموعه من عينيه ونفض التراب عن جبينه كي يستيقظ من جديد، ويخبر العالم أنه ما زال قادرًا على صنع أقوى الاقتصادات في فترةٍ قصيرة جعلت العالم يقف متعجبًا أمامها.
لكن، هل كان استيقاظ الشعب الياباني هو السبب الوحيد لتحقيق النمو الاقتصادي أم كانت هناك أسباب أخرى؟
نتعرَّف على ذلك في الجزء التالي.
أسباب المعجزة الاقتصادية باليابان
المعونات الأمريكية
نعم، لا تستعجب من النقطة السابقة، فبعد أن قصفت أمريكا اليابان بالقنابل النووية ودمرتها، بدأت في إعطائها المعونة بهدفٍ ظاهري يتمثل في تصحيح الخطأ، وهدفٍ خفي وهو إبعادها عن أيدي الشيوعية السوفيتية؛ إذ إن يأس الشعب الياباني بعد هزيمته في الحرب جعل منه فريسةً سهلة للاتحاد السوفيتي آنذاك، ولو نجح السوفيت وقتها في استقطاب اليابان، كانوا سيتمكنون من فرض سيطرتهم على المحيط الهادي بالكامل.
لكن السياسة الأمريكية ظهرت هنا، عندما قررت دعم اليابان بكميةٍ مهولة من الأموال، بل ساعدتها أيضًا في إدارة الاقتصاد الخاص بها لتحقيق نهضةٍ سريعة.
التعاون الداخلي
يُعدُّ التعاون الداخلي أحد أهم الصفات المميزة للاقتصاد الياباني، فنجد بها ما يُسمَّى بمجموعات (كيرستو)، وهي عبارة عن تجمُّعاتٍ من الموردين والمصنعين والموزعين والبنوك، تتعاون تلك التجمعات مع بعضها بتناغمٍ تامٍّ كي تحقق أهدافها في النهاية، وهو ما أثر إيجابيًّا على .
كما نجد التكتلات العمالية واتحادات النقابات، التي حقت ضمان العمل طوال فترة الحياة في الشركات الكبيرة والمصانع المنظمة، وهو ما أعطى حسَّ الاستقرار للعمال وجعلهم أكثر إنتاجًا وكفاءة.
المساعدات الحكومية
أجرت الحكومة اليابانية في السنوات التالية للحرب لعبةً مذهلة مكَّنتها من السيطرة على اقتصادها الداخلي بالكامل، وذلك من خلال الوصول إلى سياسة الاقتراض الزائد.
لكن ما هي تلك السياسة؟
ببساطة، تعطي اليابانية القروض للشركات بما يفوق قدرتها على الدفع، بل قد تُقرضها ما يفوق قيمتها السوقية نفسها، وعندما لا تتمكن تلك البنوك المحلية من استرداد كامل القروض وتحقيق الربح، حينها تقترض من بنك اليابان، وبذلك يصبح هو المهيمن على الاقتصاد بالكامل.
وبالرغم من أن الأمر قد يظهر على أنه خسارة، إلا أنه عكس ذلك تمامًا، فقد استطاعت الحكومة بذلك توفير رأس مالٍ للشركات، في الوقت ذاته الذي تسيطر به على كامل .
وبعد ذلك تعلونت تلك الشركات مع بعضها كي تحقق في النهاية أرباحًا طائلة تُمكِّنها من تسديد ديونها، لتعُمَّ الفائدة على البنوك المحلية، ومن ثمَّ بنك اليابان.
الصناعة
تٌعدُّ الصناعة أحد الركائز الأساسية لمُعجزة الاقتصاد الياباني، إذ مهَّدت اليابان في العقد الثاني بعد الحرب العالمية الثانية الطريق أمام للبدء في الاتجاه إلى تطوير البنية التحتية من خلال إنشاء الطرق والمطارات والسكك الحديدية.
كما اتجهت إلى صناعة الآلات والروبوتات بشكلٍ رئيسي ليبلغ ناتجها المحلي عام 1965 نحو 91 مليار دولار، وبعد خمسة عشر عامًا فقط يرتفع مرةً أخرى كي يحقق قيمةً خيالية قُدِّرت بـ1.065 تريليون دولار، أي قرابة عشرة أضعاف ما كان عليه منذ سنوات، وكان أحد أهم عوامل حدوث ذلك النمو السريع هو تحرير التجارة.
الاستثمار
بدأت اليابان في العقد الأول بعد الحرب استثماراتٍ كبيرة بمجالات الطاقة والفحم والصلب، واستطاعت بحلول عام 1965 أن تحقق نموًّا اقتصاديًّا بلغ نسبة أكثر من 9% سنويًّا؛ إذ اعتمدت على نحو 41% من قواها العاملة للعمل في مجالات الطاقة، كي يتبقى 26% فقط للزراعة، وهو ما عزَّز قدرتها على الاستثمار في الصناعات الثقيلة المعدنية أيضًا.
التعليم
يُعدُّ التعليم أحد الركائز المهمة التي تسببت في نهضة اليابان الاقتصادية بلا منازع؛ فهو يقوم على تربية الأطفال بصرامةٍ والتزام، كي يُمكِّنهم بعد ذلك من العمل بشكلٍ جاد دون أي تقصير.
ومن المعروف أن التعليم الياباني من أقوى أنظمة التعليم في العالم، كما أن الشعب الياباني نفسه من أكثر الشعوب قراءةً للكتب، ويُعدُّ ذلك أحد الأسباب الرئيسية لنهضة اليابان، وتحقيق معجزةٍ اقتصادية لم يسبق لها مثيل قط.
المراجع
https://hbr.org/1998/01/reinterpreting-the-japanese-economic-miracle
https://www.nippon.com/en/in-depth/a04003/