مقتل عثمان وخلافة عليّ
تولى الصحابي الجليل عثمان بن عفان ولقبه أمور الخلافة بعد وفاة الصحابي الجليل عمرو بن الخطاب _رضي الله عنهما_، وعرف عن عثمان أن لين القلب، إلا أن ما أخذ عيه في خلافته أن قرب ذويه عن غيرهم، فأوكل إليهم إدارة الولايات، وكان ذلك من أسباب الثورة عليه والتي انتهت بمقتله، وقد تزعم إثارة الفتنة عبد الله بن سبأ، فقتل الخليفة الراشدي سنة 35 هـ.
بعد مقتل الخليفة توجه الصحابة لمبايعته، وكان علياً لا يرغب في الخلافة، وتولى الخلافة سنة 35 هـ، واستمرت خلافته خمس سنوات وثلاثة أشهر، ولم ينعم فيها الخليفة باستقرار الأوضاع الداخلية، فقد واجهته ثورات صحابة وثورات بني أمية المطالبين بالثأر من قتلة عثمان، وقد نقل علي بن أبي طالب مقر خلافته للكوفة للتفرغ لأمور الحكم حتى تستقر الأوضاع بالدولة.
الثورة ضد عليّ بن أبي طالب
عندما تولى عليّ بن أبي طالب الخلافة بعد مقتل عثمان كان الاضطرابات تعم أرجاء الدولة الإسلامية، وكان يعمل على تهدئة الأوضاع حتى يتمكن من إخماد الفتن والثأر لمقتل الخليفة، ولأن من أسباب الثورة ضد عثمان بن عفان _رضي الله عنه_ تقديم أقاربه على ثائر الصحابة، فقد بدأ علي بن أبي طالب بعزل ولاة عثمان بن عفان، وقد تسبب هذا الفعل في إثارة حفيظة الذين لم يرضوا بذلك الاستبعاد فقامت ثوراتهم التي انتهت بموقعة صفين، بينما قامت ثورة أخرى ضد علياً يتزعمها الصحابيان طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام.
أسباب الثورة
هناك اختلافاً كبيراً في الأقوال التي أرخت لفترة الثورة ضد علي بن أبي طالب، فهناك قول يرى أن بعض ولاة الأقاليم مثل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام محبين لجمع المال وتحقيق مصالح شخصية، وجاء عزلهم معارضاً لتلك المصالح، ما أثار حفيظتهم ضد علي بن أبي طالب. نبيه عاقل، تاريخ خلافة بني أمية، صفحة 27، بتصرف.
ولكن خروج الصحابيان على علياً كان بسبب تأجيله للأخذ بالثأر من قتلة عثمان بن عفان، ولم يقبلوا بالتأخير، وبعد أن مرت على حادثة مقتل عثمان أربعة أشهر قررا التوجه لعائشة _رضي الله عنها_ للتدخل في الأمر، فتوجها قاصدين مكة؛ وفي الطريق قابلوا عائشة أثناء عودتها من أداء الحج، واتفق الثلاثة فيما بينهم على ضرورة التوجه لعلياً لمطالبته بالأخذ بالثأر، وكان اتفاقهم على الخروج إلى البصرة والاجتماع برجالها وخيلها للأخذ بالثأر من قتلة عثمان.
دخول البصرة
توجه الثلاثة ومن معهم من الرجال والخيل إلى البصرة؛ ووصلوا بالقرب من البصرة وكان هدفهم التفاوض مع علي بن أبي طالب للوصول لقرار مشترك بشأن قتلة عثمان، وكان في البصرة آنذاك بعض دعاة الفتنة فأثاروا والي البصرة عثمان بن حنيف وحرضوه ضد طلحة والزبير وعائشة فمنع دخولهم، وأرسل إليهم حكيم بن جبلة العبدي ومعه أنصار والي البصرة، فخطب فيهم طلحة وعائشة؛ والتي استجاب لها من معها، وأيدها بعض أنصار والي البصرة، ودعا بن جبلة العبدي إلى القتال؛ بينما كان أصحاب الجمل رافضين له، وانتهى لقائهم بمقتل العبدي، وتصالح أصحاب الجمل مع والي البصرة على النزول في أي مكان يرغبون به بالبصرة. تاريخ الأمم والملوك للطبري، بتصرف.
التفاوض بين الطرفين
لما علم علي بن أبي طالب بدخول أصحاب الجمل البصرة توجه بأصحابه إليهم، وأرسل إليهم القعقاع بن عمرو التيمي للتفاوض وعدم الخوض في قتال بين الطرفين، والتقى القعقاع بعائشة وعرف مقصدها من لقاء علياً؛ وهو التجمع على الأخذ بالثأر من قتلة عثمان، وانتهى التفاوض بقرار الطرفين بعدم خوض قتال بينهم، وخطب علي بن أبي طالب في أصحابه، وقال فليرحل معي من يرغب، على ألا يكون له يداً في مقتل عثمان، وفي ذلك الوقت شعر السبئية المساهمون في قتل الخليفة بأن اجتماع علي وأصحاب الجمل على الأخذ بالثأر قريب، فقرروا إشعال الفتنة بين الطرفين. العواصم من القواصم، لأبي بكر بن العربي، بتحقيق محب الدين الخطيب.
أحداث معركة الجمل
بعد انتهاء المفاوضات بين الطرفين بات قتلة عثمان وهم يخططون للإيقاع بين الطرفين، ولما حل الليل انقسموا لفريقين، وذهب كل فريق باتجاه أحد المعسكرين، وضربوا منهم رجالاً، فلما حل الصباح وجد أصحاب الجمل الغدر من علياً، ولما حل الصباح بمعسكر علي بن أبي طالب وجدوا قتلى في فريقهم فاعتقدوا الغدر من أصحاب الجمل، وبذلك بدأت المعركة بين الطرفين في صباح يوم الأربعاء من جمادي الثاني سنة 36 هـ، وقد نادى علي بن أبي طالب بإيقاف القتال، ويقول يا ليتني مت قبل عشرين سنة، إلا أن الفريقين تلاحما في قتال. مصنف ابن ابي شيبة 15/ 282 ومجمع البحرين 9/150، بتصرف.
كما خرج الزبير بن العوام من دائرة القتال رافضاُ الاستمرار فيها، ويتجه مع أصحابه نحو مكة، وفي الطريق يتوقفوا لأداء الصلاة، وكان يتبعهم أحد السبئية وهو عمرو بن جرموز، فيقتل الزبير، ويتجه إلى علي بن أبي طالب ظناً منه أن ينال من كرمه بقتله للزبير، فلا يقبل علي بن أبي طالب برؤيته ويبشره بدخوله النار. طبقات ابن سعد 3/105، بتصرف.
نتائجها
- انتهت المعركة بانتصار جيش عليّ بن أبي طالب، وكانت الخسائر في جنده تقدر بخمسة آلاف، بينما قدرت الخسائر في جيش البصرة عشرة آلاف من جنده.
- قُتل طحلة بن عبد الله بسهمٍ أصابه، وقيل إصابته كانت في ركبته، وقيل أـنها كانت في نحره.
- وقعت عائشة أسيرة بعد انتهاء المعركة، وأرسلها عليّ بن أبي طالب مع أخيها محمد بن أبي بكر، وتصالح معها بعد المعركة؛ بعد انسحابها وعدم تدخلها في الأوضاع السياسية.
وبعد انتهاء معركة الجمل بدأ على بن أبي طالب في ترتيب صفوف جيشه استعداداً لمواجهة معاوية بن أبي سفيان، والذي كان قد أعد عدته لمواجهة علي، ووقعت بينهم موقعة صفين، والتي انتهت بخسارة علي في التحكيم الذي اقترحه عمرو بن العاص.