معركة القادسية

تعتبر من المعاركة الفاصلة في تاريخ الدولة الإسلامية، فكان لها الفضل في توسع الدولة باتجاه الدولة الفارسية، وكانت الضربة التي حطمت قلاع الفرس، وفتحت المعركة بلاد العراق أمام المسلمين، وقد خاض المسلمون معركة القادسية ضد الدولة الفارسية سنة 15هـ 636م، وقاد الجيش الإسلامي الصحابي سعد بن أبي وقاص، ضد رستم فرخزاد قائد الجيش الفارسي، تلك المعركة التي انتهت بمقتل رستم وانتصار الجيش الإسلامي.

أحوال الدولة الإسلامية قبل القادسية

بدأت حركة الفتوحات الإسلامية منذ عهد الخليفة الراشدي ، فما أن انتهى من محاربة المرتدين عن الإسلام؛ اتجه للتوسع في الجهات المحيطة بالدولة الإسلامية لنشر الإسلام، وقد بدأ الخليفة بنشره بالدعوة إلى الدخول في الإسلام، فأرسل على رأس جيشٍ لجنوب العراق، والتقى خالد بالملك الساساني هرمز في موقعة ذات السلاسل، والتي تمكن فيها خالد من هزيمة الجيش الساساني وقتل هرمز، ثم فتح بعدها الحيرة وأمن أهلها على أنفسهم وأموالهم وعلى دينهم، واتجه بن الوليد لنشر الدين الإسلامي بين أهالي الحيرة؛ فأسلم منهم كثيرون، حتى اتخذ من الحيرة مركزاً لانطلاق الجيوش الإسلامية في بلاد العراق.

وقد واجه خالد بن الوليد في العراق تحالف قوى الفرس والروم والنصارى من العرب، وتمكن من هزيمتهم سنة 12 هـ، وظل الوضع مستتب في ولايته على الأقاليم التي فتحها؛ حتى غادرها سنة 13هـ لمساعدة الجيوش الإسلامية في ، وبمجرد خروج بن الوليد من العراق بدأ القائد الفارسي رستم في إثارة القلاقل وحث أهالي الحيرة وجنوب العراق على نقض عهودهم مع المسلمين، ما دعا المثنى بن حارثة الشيباني قائد الجيوش الإسلامية في العراق إلى طلب المدد من الخليفة، وكان أبا بكر آنذاك على فراش الموت؛ فخلفه عمر بن الخطاب، والذي أرسل المدد للمثنى بن حارثة.

قد يهمك هذا المقال:   السياحة في الفلبين

وتمكن المثنى من الصمود في الكثير من المعارك، إلا أنه لم يتمكن من مواجهة الفرس في معركة الجسر والذي استعان فيها الفرس بالفيلة التي كانت من المكائد التي قام بها رستم في حربه مع المسلمين، وبعد صمود جنود الجيش الإسلامي تمكن بن حارثة من هزيمة الفرس في معركة البويب وقتل قائدهم.

أحوال الدولة الفارسية قبل القادسية

كانت الدولة الفارسية تعاني من ضعف وتفكك منذ مقتل حاكمها كسرى الثاني على يد ابنه قباذ الثاني سنة 628م، فمنذ ذلك الحين اعتلى عرش الإمبراطورية الساسانية ملوك صغار فكان عليهم أوصياء ما تسبب في وجود نزاع على تولي السلطة، فلم تستقر السياسة الداخلية للإمبراطورية إلا في عهد الإمبراطور يزدجرد الثالث، والذي كان عمره ثماني سنوات، وبذلك لم يكن المحرك الحقيقي للسياسة الداخلية والخارجية، فقد كان كلاً من فيروز خسرو ورستم فرخزاد هما المحركان لجميع الأمور الداخلية والخارجية بالإمبراطورية.

أسباب معركة القادسية

منذ بداية الزحف الإسلامي نحو بلاد العراق وقد حاول الفرس التصدي لهم بكل الطرق، فتارة يهزم المسلمين وتارة الفرس، وكانت جميع المواجهات محدودة، فلم تصل المواجهات بينهم إلى حد جمع الجيوش وإعدادها لخوض معركة فاصلة، ولأن الوجود الفارسي بالعراق يمنع تقدم المسلمين ويمنع نشر الدعوة، فكان لابد من خوض معركة تنهي على الوجود الفارسي بالعراق، ولذلك وقعت معركة القادسية.

الاستعداد للمعركة

من جانب المسلمين بدأ عمر بن الخطاب في إعداد الجيش من ناحية، ومن ناحية أخرى اتبع أسلوب الدعوة إلى الإسلام، فأرسل سعد بن أبي وقاص إلى ملك الفرس رسلاً يدعونه إلى الإسلام، فقابلهم الملك باستهزاء وتوقع أن أسلوب اللين ناتج عن ضعف ، فرفض مفاوضات الرسل، وهدد بقتلهم.
في الوقت ذاته كانت الجيوش الإسلامية بدأت في التجمع بعد تلبية دعوة الخليفة، ومن كثرة اهتمام الخليفة بتلك المواجهة فقد خرج بنفسه على رأس الجيش الإسلامي، إلا أن أهل الرأي أشاروا عليه بالعودة للمدينة وإسناد القيادة لأحد الصحابة المعروفين بالقوة والذكاء والحنكة، ونتج الاختيار عن إسناد القيادة للصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص.

قد يهمك هذا المقال:   قيام الدولة الاموية

أما من جانب الفرس فقد أنهو فترة التقلبات السياسية الداخلية بعد التوغل الإسلامي في العراق، فحسموا أمرهم ووحدوا قواتهم لملاقاة المسلمين، وأسند الملك يزدجرد بن شهريار قيادة الجيش الفارسي للقائد رستم فرخزاد، والذي بدأ خطته في مواجهة المسلمين بتشجيع أهل السواد ومن عاهد المسلمين على نقض المعاهدات، ووضع خطة لمواجهة المسلمين ترتكز على استخدام الأفيال لإخافة الإبل والجنود المسلمين، خاصة بعد نجاح استخدامها في مواجهة المسلمين من قبل.

خط سير الجيش

سار سعد بن أبي وقاص إلى العراق وكان متوجهاً للقاء جيش المثنى بن حارثة، إلا أن المثنى وافته المنية قبل وصول سعد، وكان أوصى بوصية لسعد؛ وفيها إلا يتقدم إلى بلاد الفرس، وأن يبقى على الحدود بين بلاد العرب وبلاد الفرس، وهذا ما أوصى به الخليفة عمر بن الخطاب أيضاً، فاستقر سعد في القادسية وانضمت إليه الكثير من كتائب جنود الجيش الإسلامي، إلى أن وصل عدد الجنود إلى 36 ألف جندي، من بينهم صحابة حضروا بدراً، و700 فارس من أبناء الصحابة رضوان الله عليهم، وطال بقاء سعد بالقادسية شهراً، ثم أرسل رسله ليزدجرد يدعوه للإسلام، ورفض يزدجرد وأرسل رستم لملاقاة المسلمين.
استقر جيش رستم قبالة المسلمين في القادسية، وأرسل رسله لسعد بن أبي وقاص طلباً في مناظرة المسلمين والفرس، وطالت بينهم المراسلات والتي لم تثمر عن شيء سوى ثورة رستم وغضبه وعزمه على القضاء على المسلمين وطردهم خارج أراضي العراق، ومنعهم من الاقتراب من الدولة الفارسية.

أحداث معركة القادسية

استعد الجيشان لخوض المعركة، واعتمد رستم على تعبئة صفوف الجيش بالفيلة من كل ناحية، وبدأت معركة القادسية في 13 شعبان من سنة 15 هـ، وكان اليوم الأول للمعركة حامي الوطيس، فاشتد فيه القتال والقتل، وسقط من جنود الفريقين الكثير، وكانت جنود الفرس على وشك التغلب على المسلمين بسب بتقدم الأفيال، إلا أن فكرة التركيز على ضرب القادة الراكبين على الأفيال وقطع أحزمة التوابيت ساعدت في تشتيت الفيلة وتشتيت اتجاهاتهم، ما ساعد على إنهاء اليوم الأول دون هزيمة.

قد يهمك هذا المقال:   السياحه في سريلانكا

بدأ اليوم الثاني بوصول القعقاع بن عمرو التيمي على رأس ألف جندي، ما زاد من عزيمة الجنود، وتوجه القعقاع لملاقاة الفرس، وطالب مبارزة قائد الجيش، فخرج له بهمن بن جاذويه على رأس 20 ألف مقاتل، وتمكن القعقاع من قتل بهمن ما أفقد جنود الفرس عزيمتهم في ذلك اليوم، وقد خرج قائدين لمبارزة القعقاع والحارث بن ظبيان، وقتل القائدين، واستمرت المبارزة في ذلك اليوم، وقد حقق فيها قواد المسلمين انتصاراً كبيراً.

في اليوم الثالث أعاد الفرس استخدام الأفيال، إلا أن سعد بن أبي وقاص سأل عن نقطة ضعف الفيلة وركز عليها إلى أن تمكن الجنود من القضاء على الفيلة؛ التي سقط بعضها وفر بعضها خارج دائرة القتال، وقد استمر القتال بين الفريقين حتى الليل، وأنهك الفريقين ولم ينال أحدهم من الأخر.
في اليوم الرابع من القتال أعد القعقاع بن عمرو خطة لمواجهة الفرس وإنهاء المعركة، وترتكز الخطة على الدخول لقلب الجيش وقتال القادة وخاصة رستم، فإذا ما قتل رستم انخفضت معنويات الجيش الفارسي، وبالتالي يتمكن المسلمون من الفتك بهم، وبحلول الليل هبت عاصفة ألقت بخيمة رستم في النهر، وتبعه هلال بن علقمة فقتله، وبمقتله حاول الفرس التراجع نحو النهر، فتمكن المسلمون من إلحاق الهزيمة بهم.

نتائج المعركة

ترتب على انتصار المسلمين بالقادسية الكثير من النتائج؛ من أهمها فتح بلاد العراق أمام المسلمين وسقوط مدنها واحدة تلو الأخرى، وكان من اهم المدن التي سقطت بعد القادسية مدينة المدائن، كما عادت جميع المدن التي خضعت للحكم الإسلامي إلى تبعيته مرة أخرى بعد خروجها عن التبعية بتشجيع من الفرس، كما غنم المسلمون الكثير من الغنائم من تلك المعركة، وأفضل النتائج إسلام 4 آلاف من جنود الفرس عقب انتهاء المعركة، كماأسلم أهل العراق والدهاقين، فأصبحت العراق خاضعة لحكم الدولة الإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *