معركة اليرموك
تعد واحدة من أبرز الأحداث التاريخية الإسلامية، ومن الأحداث التي غيرت مسار التاريخ بعد انتصار المسلمين على الروم وإلحاقهم الهزيمة بشكل ساحق بجيشهم المهلهل، فقد أعطى انتصار المسلمين على الروم بعداً آخراً في شبه الجزيرة العربية وما حولها من بلدان ودول وإمبراطوريات، فقد أضحى للمسلمين هيبة كبيرة، وقوة لا تقارن، وجيش عظيم تحت قيادة عسكرية وسياسية محنكة.
مكان معركة اليرموك
وقعت معركة اليرموك سنة 13 هجرية، في عهد الخليفة رضي الله عنه أول ، وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى المكان الذي وقعت به المعركة وهو وادي اليرموك، وفيه نهر ينبع من جبال حوران قرب الحدود السورية الفلسطينية، ويتجه جنوباً إلى غور الأردن في منطقة البحر الميت، وينتهي في جنوب الحولة، وقبل أن يلتقي نهر اليرموك بنهر الأردن بمسافة تقدر بحوالي 30 أو 40 كيلومتراً يوجد هنالك واد كبير، وتحيط به الجبال من ثلاثة جهات، وقد اختار الروم هذا المكان الفسيح ليتسع لجيشهم العظيم الذي بلغ تعداده قرابة 240 ألف مقاتل، في حين كان تعداد جيش المسلمين يقدر بأربعين ألف مقاتل فقط.
أما قوات المسلمين فقد اتخذوا الجهة اليمنى من النهر وأقاموا معسكرهم هناك، وبذلك يكونوا قد أغلقوا المنفذ الوحيد لجيش الروم للهرب منه أو وصول المساعدات إليهم، والسبب الوحيد لاتخاذ الروم هذا المكان وتركهم المنفذ الوحيد للمسلمين هو غرورهم واعتزازههم بجيشهم العظيم عدداً وعدة مقارنة بجيش المسلمين، ولكنهم لم يعلموا بأن قراراً من هذا النوع سيكون أحد الأسباب الرئيسية في هزيمتهم لاحقاً.
قادة المسلمين
كان القائد العام لجيش المسلمين هو المخزومي رضي الله عنه، والذي ظهرت قدراته العسكرية الفذة في هذه المعركة بشكل كبير، فقد كان هو أحد الأسباب الرئيسية في انتصار المسلمين في تلك المعركة، ودحر جيش الروم العظيم بسبب براعته في التخطيط والتنفيذ العسكري خلال المعركة وقبلها، وكان خالد بن الوليد قد قسم جيش المسلمين إلى أربعين كتبية، قوام كل كتبية منها هو ألف مقاتل، وفي كل كتيبة منها ميسرة وميمنة وقلب، ووولى على كل منها أميراً.
كما قام خالد بن الوليد رضي الله عنه بتعيين الصحابي الجليل أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه قائداً لكتائب القلب، وعمرو بن العاص رضي الله عنه لكتائب الميمنة، ويزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه كتائب الميسرة، كما قام بتعيين قادة كتائب آخرين أثناء المعركة مثل:
- القعقاع بن عمرو التميمي رضي الله عنه.
- زياد بن حنظلة رضي الله عنه.
- هاشم بن عتبة رضي الله عنه.
- عياض بن غنم رضي الله عنه.
- عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه.
- امرؤ القيس رضي الله عنه.
- صفوان بن أمية رضي الله عنه.
- حبيب بن سلمة رضي الله عنه.
- عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي.
- ضرار بن الأزور رضي الله عنه.
- الزبير بن العوام رضي الله عنه.
- عمرو بن عبسة رضي الله عنه.
- عبد الله بن قيس رضي الله عنه.
- صفوان بن أمية رضي الله عنه.
- شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه.
أحداث المعركة
بدء القتال
بعد استمرار المعارك والفتوحات الإسلامية في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه في ، وانتصار المسلمين في معركة أجنادين، خاف الروم من استمرار الزحف الإسلامي نحوهم، فقرر هرقل عظيم الروم التصدي لجيش المسلمين، فقام بجمع أكبر عدد ممكن من المقاتلين وأمر الجيش بالخروج لملاقاة جيش معلناً بداية حرب كبرى ستحدد بشكل كبير مصير بلاد الشام، كما ستحدد أيضاً مصير النفوذ والسيطرة الرومية عليها، وعند قدوم أخبار تقدم جيش الروم لقتال المسلمين أمر أبو بكر الصديق رضي الله عنه خالد بن الوليد رضي الله عنه بأن يتحرك من إلى بلاد الشام وتولي قيادة الجيش ويتصدى للروم، وكانت القوات الرومية موزعة على الساحل من جهة، وحمص وبعلبك من جهة أخرى، كان هدفهم من ذلك هو ملاقاة قوات عمرو بن العاص رضي الله عنه والقضاء عليها ثم الالتفاف حول جيش المسلمين وضربه، لكن خالد بن الوليد تفطن لهذه الخطة فأمر جيش المسلمين بالتجمع في سهل اليرموك وترك عمرو بن العاص رضي الله عنه في فلسطين لتصدي لتلك الخطة وإفشالها.
وعند التحام الجيشين وبدء القتال، كانت الأمور في بدايتها مائلة نحو كفة الروم الذين اخترقوا جيوش المسلمين من الميمنة والميسرة ووصلوا قلب جيش المسلمين عند خيمة قائدهم خالد بن الوليد، إلا أن التضحية، والبسالة، والثبات، والقتال الرهيب من المسلمين الذي كان هو السبب الرئيسي في الانتصار على الروم في معكرة اليرموك بعد التوفيق من الله تصدت للروم وأفشل تقدمهم، وكان عكرمة بن أبي جهل وضرار بن الأزور وعدد من المسلمين قد بايعوا على الموت في سبيل الله في معركة اليرموك.
براعة خالد بن الوليد
وكان خالد بن الوليد رضي الله عنه على رأس القوات المسلمة التي واجهت ميسرة جيش الروم التي واجهت ميمنة المسلمين، فقتل منهم ستة آلاف مقاتل، وعندما رأى خالد بن الوليد رضي الله عنه أن صبر الروم قد نفد، ورأى الخوف في أعينهم من قتال المسلمين الشديد في تلك المعركة، ترأس كتيبة قوامها ألف مقاتل واتجه نحو قوة أخرى من قوات الروم وقتل منه نحو مئة ألف مقاتل، ودحر قواتهم وألحق بهم هزيمة ساحقة، وكان الروم قد ربطوا كل مجموعة من المقاتلين بسلاسل حديدية حتى لا يفروا من أرض المعركة من شدة القتال وقوة المسلمين، لكن السملمين كانوا قد استغلوا هذه النقطة فقاموا باستدراج الروم إلى واد قريب من أرض المعركة، حتى إذا قاموا بقتل جندي رومي أو دفعه إلى الوادي يقوم بسحب بقية الجند معه إلى الوادي مما أدى إلى وقوع الآلاف من القتلى الروم نتيجة لهذه الخطة البسيطة والمحكمة. هذا واستمرت معركة اليرموك ستة أيام متتالية، لم يسمع فيها إلا صوت وتضارب السيوف، وصوت أبي سفيان الذي كان يصرخ ويدعوا الله بأن ينزل نصره في هذه المعركة، وكانت الكفة قد مالت لمصلحة المسلمين في اليوم الخامس والسادس وانتصر المسلمون في اليرموك ودحرت قوات الروم وهرب هرقل عظيم الروم إلى بعد أن تكبد جيشه هزيمة ساحقة، وأسر الكثير منه أيضاً.
مشاهد مضيئة من المعركة
وقد قاتلت نساء المسلمين في تلك المعركة ببسالة وشجاعة أيضاً، وقد سجلن صفحات مضيئة في التاريخ عن الشجاعة والتضحية في مثل هذه المعارك في سبيل نصرة الله تعالى وإعلاء راية الإسلام ضد المشركين، ومن الصحابة الكرام الذين قاموا بأعمال بطولية في معركة اليرموك أيضاً هو الصحابي الجليل الزبير بن العوام الذي اخترق الجيش الرومي من مقدمته إلى مؤخرته، كما بايع عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه على الموت في تلك المعركة وقاتل قتالاً شديداً على الروم، وعندما استشهد عكرمة وجد في جسده بضع وسبعون طعنة من رمح وسيف وضربات مختلفة، كما أسلم قائد من قادة الروم قبل بدء المعركة يدعى جرجة بن توذرا بعد أن خرج لمبارزة خالد بن الوليد، وقد دار بينهم حوار حول الإسلام وصدق دعوته، وكان جرجة قد صلى ركعتين فقط في واستشهد في معركة اليرموك.
تغيير القيادة
كانت وفاة أبو بكر الصديق رضي الله عنه خلال معركة اليرموك، وتولى الخلافة من بعده، ولما رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتنة الناس بقائد الجيوش الإسلامية خالد بن الوليد رضي الله عنه لأنه لم يدخل حرباً في الإسلام أو الجاهلية إلا وانتصر بها وقد سماه ا بسيف الله المسلول على المشركين، لذا كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الجيش الإسلامي في اليرموك معلناً تولي أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه قيادةالجيش عوضاً عن خالد بن الوليد، فوصل الكتاب إلى خالد بن الوليد وقرأه على الناس وانصاع لأمر الخليفة الفاروق، وأصبح جندياً تحت إمرة أبو عبيدة بن الجراح، بعد أن أظهر براعة عسكرية فائقة في إدارة معارك من هذا النوع وهذا الحجم، وتحت ظروف صعبة جداً، نظراً لقلة العدد والعدة من جهة المسلمين، وكثرة العدد وتنوع الأساليب من جهة جيش الروم.