عين جالوت
كثيرًا ما يُذكر اسم منطقة عين جالوت، مقرونًا بالمعركة الشهيرة التي حدثت على أرضها؛ لكن مكانها ذاته، غائب عن الذكر، وهو ما يستحقه سرده بشيء من التفصيل، فهي بلدة تقع في الشمال الغربي لمدينة بيسان الفلسطينية، ويفصلها ما يقرب من عشرة كيلو مترات عن نهر الجالود، وفي الجوار عين ماء، يطلقون عليها “عين ماء” هكذا دون تعريف أو تغيير للمسمى.
معركة عين جالوت
التاريخ الإسلامي حافل بالعديد من المعارك بالغة الأثر والعبرة، لكن في معركة عين جالوت الكثير من الآثار التي تُدرس إلى الآن للطلبة بمختلف أعمارهم، في غالب البلدان العربية، في مدارسهم المختلفة، لاستلهام القوة، واستعادة الترابط القوي ورباطة الجأش، التي يتبعها نصرًا مؤزرًا سيحكي عنه التاريخ كثيرًا وكثيرا.
أوضاع العرب والمغول قبل معركة عين جالوت
في مستهل القرن السابع الهجري، كان المغول يعيثون في فسادًا وسفكًا للدماء بقيادة جنكيز خان، بداية من دولة الخوارزميين ــ أول من دولة قابلها خان في طريقه لاجتياح العالم الإسلامي ــ في بلاد فارس، وحينها نهبوا الأخضر واليابس.
ثم عهد مونكو خان المغولي، تحديدًا عام 1251 ميلادية، اجتاح ، وبعدها زحف المغول بجيش يبلغ مئة وعشرين ألف مقاتل نحو الشام، تحت قيادة هولاكو، ومرافقيه من جورجيا وأرمينيا، واستهلوا معركتهم على أرضها بديار بكر، التي كان يحكمها الكامل محمد الأيوبي، الذي قاوم قدر استطاعته، لمدة عامين متواصلين؛ لكن نفاد الطعام وكل ما يخص أهل البلدة من مؤن، وتأخر دعم البلاد الاخرى من المسلمين، ساهمت في الاستسلام وسهل على المغول القبض على الأيوبي، ثم تقطيع جلده ورأسه الذي تم حمله على أسنة الرماح إمعانًا في التشفي وإبرازًا للانتقام السافر.
ويكمل المغول توغلهم السافر في حتى وصولوا ، وحاصروها لمدة سبعة أيام، ومن بعدها اتجهوا إلى دمشق جنوبًا، ثم يستفحل الأمر في ظل ضعف الدولة المملوكية التي كانت تقود العالم الإسلامي وقتئذ، ويرأسها فتى صغير لم يكمل عامه الخامس عشر، وهو المنصور نور الدين علي بن المعز أيبك، وكأنه تمهيد القادمة لا محالة.
قطر يستعد لمعركة عين جالوت
بفطنة القائد الحرب المحب لبلاده، والساعي لإعلاء شأن أمة الإسلام، استشف أن السلطان المظفر سيف الدين قطز، أن معركة ما ستدور بين والمغول عن قريب، فأقنع أمراء ووجهاء الدولة المملوكية بأهمية خلع أيبك عن الحكم، وبذكاء السياسي أقنع منافسيه في كل بلاد الشام للانضمام إلى معركته القادمة والتوحد، ونبذ الخلافات السياسية، وهو ما تحقق بانضمام القائد بيبرس البندقداري.
رسالة متعجرفة تُنذر بمعركة عين جالوت
بعد شبه القضاء على بلاد الشام من قِبل المغول، أرسل هولاكو برسل إلى قطز في مصر، وفي يدهم كتابًا مفاده رسالة واضحة، يقول فيها: “من ملك الملوك شرقًا وغربًا، الخان الأعظم، باسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء.. يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته أنّا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه وسلّطنا على من حل به غضبه، فلكم بجميع البلاد معتَبَر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم، وأسلموا إلينا أمركم قبل أن ينكشف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ.. وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد وطهرنا الأرض من الفساد وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب وعلينا الطلب. فأي أرض تأويكم؟ وأي طريق تنجيكم؟ وأي بلاد تحميكم؟ فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون لدينا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يُسمع.. فمن طلب حربنا ندم، ومن قصد أماننا سلم، فإن أنتم لشرطنا ولأمرنا أطعتم، فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن خالفتم هلكتم. فلا تهلكوا نفوسكم بأيديكم، فقد حذر من أنذر.. فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا برد الجواب قبل أن تضرب الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منا جاهاً ولا عزاً ولا كافياً ولا حرزاً، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، فقد أنصفناكم إذ راسلناكم، وأيقظناكم إذ حذّرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم”.
علماء مصر يدعمون قُطْز
قوبلت رسالة هولاكو في بتحفز بالغ، فالاجتماع الذي عُقد بين سيف الدين قطز، وعلماء مصر من بينهم العز بن عبد السلام، أسفر عن مواجهة حتمية للمغول، وقتها ألقى الكلمة الشهيرة مخاطبًا وجهاء مصر: “يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختَر ذلك يرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين”، وحينها أشار بيبرس على قطز بقتل الرسل المكلفين بحمل رساة هولاكو، وهو ما حدث تأكيدًا على قيام معركة عين جالوت.
أحداث المعركة
حدثت معركة عين جالوت بفلسطين في الخامس والعشرين من شهر رمضان لعام ستمائة وثمانية وخمسين هجرية، بما يوافق الثالث من سبتمبر لعام 1260 ميلادية، يقود الجيش الإسلامي سيف الدين قطز، ويقود المغول كتبغا.
بدأ قطز معركة عين جالوت بهجوم شديد، ثم مناورة وتظاهر بالانسحاب، وهو ما خُدع فيه المغول، لأن المسلمين وقتها كانوا يستعدون لهجوم بالخيالة والفرسان المصريين.
في إحدى لحظات معركة عين جالوت، استبسل كتبغا وجيشه، واستطاعوا دحر جناح ميسرة عسكر مصر، إلا أن قطز ألقى بخوذته على الأرض، صارخًا بأعلى صوته: “واإسلاماه”، تحفيزًا لرفاقه في الجيش المصري الإسلامي، فأصيب كتبغا ورفاقه بالتفكك.
معركة عين جالوت تمحي أثر المغول
خلال معركة عين جالوت، نُصح القائد المغولي كتبغا بالهرب، فرفض، فدارت بينه وبين مبارز عربي يدعى العرينان مبارزة انتهت بسقوط كتبغا على الأرض، ليعلن انتهاء هيمنة المغول، الذي لم يكونوا قد غلبوا في أي معركة قبل عين جالوت.