آلة العود
«كل خشبةٍ دقيقة أو غليظة، رطبة أو يابسة، فهي عود».. من ذلك التعريف في اللغة العربية لكلمة عود، أتت تسمية الفريدة من نوعها، وواحدة من أقدم الآلات الموسيقية العربية على مرِّ التاريخ، فهي كمثرية الشكل، تحوي اثني عشر وترًا مجمعةً على ستة مسارات، ويمكن أن يضيف العازف وترين آخرين، لتُصبح مسارات آلة العود سبعة.
تاريخ العود
أقدم أثرٍ له موجود بشمال ، إذ يعود إلى خمسة آلاف عام، ووُجِد في ذلك الأثر بعض النسوة يعزفن على آلة العود، لكنه كان يمتاز في ذلك الزمن بصغر حجمه، وطول رقبته، بالإضافة إلى خلوِّه من المفاتيح التي توجد به في شكله الحديث وهو وبكل تأكيد من أشهر .
ويتشابه تركيب آلة العود مع آلة اللوت الأوروبية، فكلاهما انحدر من أصلٍ واحد كما يرجح، لكن اختلف كل منهما وفقًا لعادات المجتمعات التي تستخدمهما وتقاليدها، ويعتقد أن أصلهما هو آلة الباربات.
ويرجح مؤرخو الموسيقى الأكاديميون أن أقدم عودٍ سليم حتى الآن موجود في مدينة بروكسل البلجيكية، بمتحف الآلات الموسيقية. ويمر الزمن وتأخذ آلة العود مكانها الأصيل في التخت الشرقي، حتى أن عددًا من الدول العربية تتبارى بالحديث عن تفوقها في صناعة تلك الآلة، من بينها ، وتحديدًا بغداد، التي تضم أكثر من صانع ماهر، حتى أصبح كبار العازفين والمحلنين يفضلون ما تصنعه بغداد عن غيرها.
مكوِّنات آلة العود
آلة العود تحتوي على مكوناتٍ عدة، هي:
- الصندوق المصوت: وكذلك يسميه البعض بظهر العود، ويطلق عليه آخرون القصعة.
- الصدر أو الوجه: وفيه تُفتَح عدة فتحاتٍ تُسمَّى قمرية، إذ تساعد على زيادة رنين الصوت وقوته.
- الفرس: وهو ما يستخدم لربط الأوتار قرب مضرب الريشة.
- الرقبة: ويسميها البعض زند العود، وهي المنطقة التي يضغط العازف عليها لاحتوائها على الأوتار.
- الأنف أو العضمة: ومكانها في رأس زند آلة العود من ناحية المفاتيح، ومن خلالها تُسنَد الأوتار وتُرفَع عن الزند.
- المفاتيح أو الملاوي: وعددها اثنا عشر مفتاحًا، ومن خلالها تُشَد أوتار العود.
- الأوتار الخمسة المزدوجة: ويتاح لبعض العازفين ربط وترٍ سادس.
- الريشة: يمسك بها العازف لتساعد على الرنين، والتي بدونها لا تُصدر آلة العود أي صوت، ويُفضِّل أكثر الملمين بتلك الآلة استخدام ريشةٍ مصنوعة من العاج؛ لأنها أفضل وتسهم في تقوية الصوت.
صنَّاعها ومطوروها
يُعدُّ أبو الحسن علي بن نافع الموصلي، الشهير بـ«زرياب»، أحد أبرز الأسماء اللامعة التي أسهمت في وضع لمساتٍ مطورة على آلة العود، فالرجل المنتمي إلى كان متعدد المواهب؛ يغني بصوتٍ عذب، ويبتكر فنَّ الذوق العام (المعروف حاليًّا بالإتيكيت)، لكن أبرز ما فعله زرياب موسيقيًّا هو أن جعل أوتار آلة العود خمسة بدلًا من أربعة، وحوَّل الريشة التي يضرب بها على الآلة من الخشب إلى مخلب النسر، كذلك إدخاله عدة مقاماتٍ موسيقية لم تكُن موجودةً قبله.
على الجانب الآخر، حفل الوطن العربي بالكثير من الصناع المهرة لآلة العود، منهم محمد فاضل المولود ببغداد عام 1910، الذي شرب الصنعة من خاله، وافتتح ورشةً خاصة به بشارع الرشيد ببغداد سنة 1932.
هناك أيضًا خليل إبراهيم الجوهري، صاحب النشأة لعائلةٍ ذات أصولٍ تركية، واشتهر بحرفته في صناعة آلة العود، ويُذكَر أنه أهدى الملك فاروق عودًا مطعمًا بالذهب من صناعته. ومن سوريا وُجِدت عائلة النحات، المتمثلة في عبده جورج وإخوته روفان وأنطون وحنا، وكلهم مهرة في صناعة العود، ومن نسلهم جاء أبناؤهم ليكملوا مسيرتهم، فمن أبناء عبده كان توفيق وجورجي، وإلياس الذي كان آخر صناع آلة العود من تلك العائلة العريقة.
أنواع آلة العود
- العود العربي: وهو أحد أهم الأنواع المنتشرة في شمال إفريقيا وبلاد الشام والعراق والخليج العربي وإيران، ويدخل في صناعته أنواع عدة من الأخشاب، من أشهرها: الزان والليمون والجوز والسمسم.
- العود التركي: يشتهر استعماله في تركيا واليونان، ويمتاز بخفة وزنه وصوته الحاد وصِغر حجمه مقارنةً بالعود العربي.
- العود العراقي: بالرغم من كون آلة العود العراقية الأجدر بها أن تتبع العود العربي، لكن التغييرات التي أجراها عليه محمد فاضل من عذوبة الصوت والذبذبات الطويلة، جعل منه لونًا ونوعًا خاصًّا به، شأنه في ذلك شأن العربي والتركي والإيراني.
- العود الإيراني: آلة العود الإيرانية نوعان، الأول: وهو الشبيه بالعود العربي إلى حدٍّ بعيد من ناحية الشكل والمضمون وما يصدر منه من أصواتٍ وذبذبات إلى حدٍّ ما؛ أما الثاني فهو بربت، وهو أصغر من العود العربي والعود التركي، ويتميز بصوته العميق.
أشهر عازفيها
حفل الوطن العربي بالكثير من الملحنين والعازفين المهرة الذين امتازوا بقدرتهم البارعة على العزف على آلة العود، ومن أشهرهم:
محمد القصبجي، وفريد الأطرش، ومحمد عبدالوهاب، ورياض السنباطي، وسيد مكاوي، ورابح صقر، وطلال مداح، ومارسيل خليفة، ونصير شمة، وعمار الشريعي، ومحمد عبده، وعبادي الجوهر، والثلاثي جبران.
أغنيات تصدرتها آلة العود
قديمًا كان الملحن من هؤلاء يذهب إلى المطرب حاملًا آلة العود الخاصة به ليُحفِّظه اللحن قبل طرحه على الجمهور، ومن أشهر تلك الحالات ما كان يحدث مع السيدة أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، بأغنيات مثل: دارت الأيام، وإنت عمري، وليلة حب، وفكروني؛ وبليغ حمدي، كما في أغنيات: الحب كله، وألف ليلة وليلة، وأنا وإنت ظلمنا الحب، وسيرة الحب؛ والسنباطي في رائعته الأطلال.
وبعيدًا عن ألحانه لأم كلثوم، كانت أغاني محمد عبد الوهاب منفردًا تتميز داخلها آلة العود، حتى في بداياته، في أغنيات: جفنه علم الغزل، ويا مسافر وحدك، وأهون عليك، وبالك مع مين.
وفي فترتَي الوسط والنهاية، حفلت أغنياته الشهيرة بجُملٍ موسيقية لا تُنسى من آلة العود، مثل: قالولي هان الود، وكل ده كان ليه، ومن غير ليه.