حياته قبل الإسلام
– هو أخر الرسل المبعوثين لدعوة بني آدم لعبادة الله عز وجل، وقد أرسله الله للبشر كافة، فدعا قومه إلى عبادة الله، وشرع في نشر في أرجاءٍ شتى، وقامت على يديه الحضارة الإسلامية التي لازالت قائمة إلى اليوم وحتى يوم البعث.
أما نسبه فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الذي يصل نسبه إلى إسماعيل عليه السلام، ولد محمداً عليه الصلاة والسلام- يوم 12 من سنة 53 ق.هـ، الموافق يوم 22 من سنة 571هـ؛ وهو من أشهر الأعوام التي عاشتها شبه الجزيرة العربية، فيعرف بعام الفيل، وهو العام الذي هاجم فيه أبرهة الحبشي الكعبة، وهي من الحوادث الشهيرة في تاريخ العرب قبل الإسلام.
وفاة أمه
ولد الرسول الكريم بعد وفاة والده، وقد نشأ على التربية الصحيحة، فقضى طفولته في الصحراء، وقد أرضعته وربته في طفولته السيدة حليمة السعدية، وظل في رعايتها حتى سن الرابعة أو الخامسة حتى حدثت له معجزة شق الصدر، فبعدها عاد إلى كنف أمه التي ودعته في السادسة من عمره، عندما وافتها المنية وهي عائدة من زيارة أقاربها من بني عدي بن النجار، لينتقل بعدها لبيت جده عبد المطلب الذي قام على رعايته حتى الثامنة من عمره؛ فيشاء الله أن ينتقل لرعاية عمه أبو طالب الذي كان الأب والحامي بعد نزول الوحي عليه، ومعه رعى الأغنام وعرف التجارة وطرقها.
زواجه من خديجة
كانت السيدة -رضي الله عنها- من سيدات قريش وكانت ذات مالٍ وتجارة كبيرة، وقد استأجرت الرسول الكريم ليقوم على تجارتها، وقد ربحت أضعاف ربحها، وقد أشاد لها غلامها ميسرة بأخلاق محمدٍ، حتى رغبت في الزواج منه فطلبته لنفسها، وكانت في الأربعين من عمرها، ووافق -صلى الله عليه وسلم- وكان في الخامسة والعشرين من عمره، وقد طلبها له عمه حمزة بن عبد المطلب، وقيل أبو طالب، وقد استأنس الرسول الكريم بزواجه منها فلم يتزوج غيرها في حياتها، وعاش معها خمسة وعشرين عاماً حتى وافتها المنية، وقد أنجبت له كل أبناءه ما عدا إبراهيم.
نزول الوحي والدعوة
عُرف سيدنا محمد بين قومه بعزوفه عن عبادة الأصنام، وكان محباً للتأمل في الكون الواسع من حوله، وعندما بلغ الأربعين من عمره أحب التوجه للتأمل والتعبد منفرداً، وكان مكان التعبد غار حراء، فيرتحل إليه في كل عام ليمكث به قرابة الشهر، وكان الغار هو مكان نزول الوحي عليه؛ والذي نزل عليه يوم 17 أو 21 أو 24 رمضان، على اختلاف الأقوال، والذي يوافق شهر أغسطس من سنة 610 م، حيث جاءه جبريل بالوحي وبدأ بقول اقرأ وكررها ثلاثاً على النبي الذي هرول مسرعاً لزوجته التي هدأت من روعه، وكان له عظيم الأثر في نفسه آنذاك، فخرجت به إلى بن عمها ورقة بن نوفل وهو على علم بالكتب السماوية، فحكى له الرسول الكريم ما جاءه بالغار؛ فبشره بنبوته، وقد انقطع الوحي عن الرسول الكريم لمدة أربعين يوماً، ثم عاد ليتتابع عليه حتى وفاته؛ فاستمر الوحي ثلاثة وعشرين عاماً.
الدعوة السرية
بُعث الرسول الكريم للناس كافة، ولكن خوفاً من بطش قريش بأتباعه فإن الدعوة كانت سرية في مراحلها الأولى، حيث استمرت الدعوة السرية لمدة ثلاثة سنين، كان لقاء المسلمين وقتها خفية، وكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم مكان التجمع، وقد ساند الرسول –عليه الصلاة والسلام- في بداية دعوته من آمن به من أصحابه، فكان أكبر مسانداً له في مواجهة قريش، كما آمن به ، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، وزيد بن حارثة، وطلحة بن عبيد الله وغيرهم الكثير.
الدعوة الجهرية
بعد ثلاثة سنوات من نزول الوحي نزل أمر الله عز وجل بالجهر بالدعوة، فجاء قوله تعالى “وأنذر عشيرتك الأقربين” ليبدأ محمد – صلَ الله عليه وسلم- بالدعوة الجهرية، حيث صعد على جبل الصفا ونادى في قومه وبشرهم بأنه رسول الله إليهم، ودعاهم إلى ترك عبادة الأصنام وعبادة الله لا شريك له، وما كان من قومه إلا معاداته، وقد اتهمه البعض بالجنون، وبعضهم اتهمه بالسحر، وغيرها من التهم التي حاولوا بها الدفاع عن أصنامهم.
تبع محمداً الكثير من المستضعفين والعبيد، فما كان من سادة قريش إلى إذاقتهم مر العذاب، وعندما زاد توجه النساء والصبيان والغلمان إلى محمداً واتباعه طلباً في معرفة الدين، فقد اتخذ سادات قريش مسلك التفاوض مع محمد لترك دعوته، واسلوا رسولاً منهم ليثني محمداً عن الاستمرار في الدعوة، إلا أن رسولهم عاد يدعوهم لتركه فيما يدعوا إليه، فما كان من سادات قريش إلا التوجه لعمه أبو طالب، والذي كان سنداً للرسول الكريم رغم أنه لم يسلم له.
الهجرة للمدينة
لما منع أبو طالب الأذى عن محمد –صلَ الله عليه وسلم- زادت قريش من البطش بأتباعه، فما كان منه إلا إبعاد اتباعه عن الأذى فأمرهم بالهجرة إلى الحبشة، لما عرف عن ملكها بعدله وأنه لا يظلم أحداً عنده، وكان المهاجرين للحبشة آنذاك 11 رجلاً و 4 نساء، وقد أعقب الهجرة الأولى إلى الحبشة هجرة ثانية، وبلغ عدد المهاجرين جميعهم 83 رجلاً، وحاول سادة قريش إخراج المسلمين من الحبشة فأرسلوا إلى النجاشي الهدايا وطالبوا برد المسلمين، إلا أن النجاشي حفظ وعده ولم يسلم إليهم أحدا.
اشتد غيظ سادة قريش بعد رفض النجاشي، فقرروا مقاطعة بنو هاشم حتى يسلموا إليهم محمد، فقاطعوا بنو هاشم فلم يناكحوهم ولم يبايعوهم ولم يجلسوا بمجالسهم ولم يخالطوهم، وقد سعى بعض سادة قريش لإنهاء الحصار، فما وجدوا من الصحيفة إلا ما ذكره لهم محمد وهو “باسمك اللهم”، وقد أعقب حادثة الحصار وفاة أبو طالب ومن بعده خديجة بنت خويلد في العام نفسه، وقد حزن النبي لوفاتهما؛ واشتد عليه أذى قريش، فخرج إلى الطائف ليدعوهم لعبادة الله فلم يستجب منهم أحدا.
حزن الرسول الكريم حزناً شديداً بعد عودته من الطائف، إلا أن الله عز وجل عوضه بقبائل الحجاج القادمة من يثرب عام 11 من البعثة فكانت بيعة العبقة الأولى، واليت أسلم فيها 12 رجلاً، جاءت بعدها البيعة الثانية والتي أسلم بها سبعون رجلاً وامرأتان، ليعودوا ليثرب ليدعوا قومهم لدين محمد.
وقد زاد بطش قريش بالمسلمين في بعد البيعة الثانية، فما كان من الرسول –عليه الصلاة والسلام- إلا أن أمرهم بالهجرة للمدينة هرباً من بطش قريش، وبعد زيادة هجرة المسلمين للمدينة خشى سادة قريش هجرة محمد إلى المدنية، فهي تعني انتشار الإسلام وعدم القدرة على مواجهته خارج ديارهم، ولذا فقد اجتمعوا في دار الندوة واتفقوا على قتل محمد، على أن يقوم بقتله فرسان القبائل يتفرق دمه بين القبائل فلا تتمكن بنو هاشم من الأخذ بالثأر.
ولأن الله قد شاء لدعوة محمد أن تجوب الأرض فقد أنجاه الله من آل قريش، وهاجر محمدٌ إلى المدينة ورحب به أهلها، ويبدأ مع هجرته التاريخ الهجري، وتبدأ معها أمجاد الأمة الإسلامية، فقد خاض المسلمين حروباً وغزوات وفتوحات حتى تمكنوا من نشر الدعوة التي أراد لها المولى عز وجل الانتشار في الأرض.