ظاهرة التدخين
هي الظاهرة غير الصحية الأكثر انتشارًا في العالم. حيث تُظْهِرُ آخر الدراسات أن عدد المدخنين في العالم يتجاوز مليار شخص، مما يعني أن واحدًا من كل سبعة أشخاص في العالم مدمن للتدخين. وظاهرة التدخين ليست حديثة البتة، فاستهلاك مادة التبغ يعود لقرون عديدة سابقة. وتشير أقدم التسجيلات التاريخية إلى أن الهنود الحمر كانوا من أوائل من قام بتدخين التبغ، لكن الانتشار الهائل للسجائر والتدخين بدأ بشكل فعلي في القرن الثامن عشر، مع الثورة الصناعية الكبرى وبدء ظهور مصانع التبغ والسجائر.
أسباب التدخين
اليوم، مع وجود أكثر من مليار مدخن في العالم، فإن أسباب التدخين تتعدد وتختلف من شخص إلى آخر، لكن هناك العديد من الأسباب الأكثر تكرارًا وانتشارًا بين المدخنين في مختلف أنحاء العالم.
ضغط الأقران والمجتمع
ينطبقُ هذا السبب بشكل صارخ على الذين بدؤوا التدخين في مرحلة المراهقة أو بداية الشباب، حيث أن ضغط الأقران في المدرسة أو الجامعة يلعب دورًا كبيرًا في دفع الشخص للبدء بالتدخين أو على الأقل تجربة السجائر، ومع تكرار هذه التجربة فإن المواد الموجودة في السجائر ستتكفل بجعل الشخص مدمنًا للتدخين.
لكن دور الأقران لا يتلخَّصُ فقط في دفع الأشخاص للتدخين، بل تكون له مسؤولية كبيرة كذلك في منعهم من الإقلاع عن التدخين والسقوط أكثر في . حيث أن الكثير من المدخنين يتراجعون عن محاولات الإقلاع عن السجائر بسبب ضغط المحيط الاجتماعي من الأصدقاء أو زملاء ، الذي يكونون غالبًا من المدخنين، حيث يُصَعِّبُ الاختلاط بهم إمكانية الإقلاع عن التدخين.
التأثير العائلي
أظهرت العديد من الدراسات أن إدمان أحد الوالدين للتدخين يرفع إمكانية إدمان أطفالهم للتدخين بشكل كبير، إذ يصبِحُ مظهر السجائر ورائحتها وتدخينها مظهرًا عاديًا بالنسبة لهم. وينطبقُ هذا خصوصًا بالنسبة للأبناء الذكور في مرحلة المراهقة، الذين يعتبرون والدهم الشخص الذي يودُّون تقليده في العديد من المظاهر، والتدخين من ضمنها.
كما أن الكثير من الآباء المُدَخِّنين يلجؤون للتشدد اتجاه أبنائهم في موضوع التدخين وتحذيرهم بشكل مبالغ به (بسبب وقوعهم هم أنفسهم في تلك العادة)، ممَّا قد يسبب للأبناء أحيانًا لردة فعل عكسية تدفعهم لتجربة السجائر من منطلق أن “كُلَّ ممنوع مرغوب”.
تأثير التبغ والنيكوتين
تملكُ نبتة التبغ، التي تعتبر المكون الرئيسي للسجائر، تأثيرًا مخدرًا على الجسم يشبهُ تأثيرات الخفيفة. حيث أكدت الدراسات العلمية أن مادة التبغ تملك تأثيرًا مخدرًا على الجسم، ويُسَبِّبُ هذا التأثيرُ تخفيف الآلام الجسدية والشعور بالهدوء والاسترخاء، وهو ما يدفع الكثير من المدخنين لشرب السجائر.
تتواجد كذلك في جميع أنواع السجائر الصناعية مادة النيكتونين، وهي السَّببُ الذي يدفعُ ما بين 80–90% من المدخنين للاستمرار بإدمانهم وليس لأجل التبغ. حيث أن هذه المادة تملك تأثيرًا مخدرًا يمكنه الوصول إلى الدماغ خلال فترة لا تتجاوز عشرة ثوان من دخول الجسم عند التدخين، وهذا يسبب ردة فعل دماغية من خلال إفراز هرمون الأدرينالين الذي ينتجُ عنهُ الشعور بالسعادة والمتعة وزيادة الطاقة. لكن هذا الشعور يختفي بسرعة، ممَّا يدفعُ بالجسم لطلب مادة النيكوتين مرة أخرى نظرًا للاعتياد عليها، وهو ما يُسَبِّبُ تأثيرات سلبية، مثل آلام الرأس وصعوبة النوم وتباطؤ ضربات القلب، ومن ثمَّ الإدمان.
وسائل الإعلام
تلعب من جانبها دورًا كبيرًا جدًا في الترويج للتدخين والسجائر عبر عدة أساليب ووسائل. أول هذه الوسائل هو الإعلان والترويج الصريح والمباشر لشركات السجائر، سواء في وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة أو المقروءة، حيث تستعمل تلك الشركات العديد من وسائل الجذب البصرية لدفع غير المدخنين نحو تجريب التدخين. حيث تُظْهِرُ التدخين وكأنه عمل جذاب أو يستحق الإعجاب، وبلا شك تملك هذه الإعلانات تأثيرًا كبيرًا على من يشاهدها.
من جانب آخر فإن وسائل الإعلام المرئية بشكل خاص لها دور كبير في الترويج للتدخين، خصوصًا من خلال المسلسلات والأفلام ذات الشعبية الكبيرة، إذ يُعْرَضُ فيها التدخين وكأنَّه مظهر اعتيادي جدًا، بل وفي كثير من الأحيان يترافُقُ مع شخصية البطل أو الرجل القوي والمثير للإعجاب. وقد أُجْرِيَت العديد من الدراسات حول تأثير متابعة مثل هذه الأفلام على المراهقين ودفعهم نحو التدخين لتقليد الشخصيات المشهورة التي يشاهدونها في تلك الأفلام والمسلسلات.
الأسباب النفسية
في الفترة الحديثة، وخصوصًا مع الضغط النفسي الكبير الموجود في الكثير من المجتمعات نتيجة نمط الحياة السريع، وكذلك الضغط الاجتماعي الكبير المفروض على الشباب للنجاح في الحياة، فإن التدخين يعتبر مهربًا يلجأ إليه الكثيرون للتخفيف من الضغوط النفسية الشديدة التي يتعرضون لها. وفي هذا المجال لا يمكنُ إنكار التأثير الذي يفرضهُ التدخين على هذه الناحية، حيث أثبت العلم بالفعل أن تأثيرات التدخين المخدرة تسبب للمُدخِّنين شعورًا بوهم التخلص من الضغوط النفسية، بينما هم في الواقع يضعون أنفسهم تحت ضغط أكبر نتيجة إدمان التدخين والحاجة المستمرة له مع الوقت.
الجهل بأضرار التدخين
إن للكثير من المدخّنين معلوماتٍ ناقصة عن أضرار التدخين، فلا يدركُ جميعهم بشكل واضح مدى خطورة التدخين على أجسامهم وكمية المشاكل الصحية الخطيرة والمُهَدِّدة للحياة التي يمكن أن يسببها لهم. كما أن الكثيرين منهم يستخفون ويشككون بالدراسات العلمية حول أضرار التدخين، وقد يتذرعون بحجج مختلفة لرفضها، مثل أن آبائهم وأجدادهم كانوا مدمنين للتدخين وعاشوا لفترات طويلة متجاهلين كمية المشاكل الصحية التي يمكن أن يعاني منها الشخص بسبب التدخين حتى لو عاش لفترة طويلة.