فنُّ النحت
فنُّ النحت من أقدم الفنون في التاريخ، فهو صانع الحضارات والآشورية والسومرية و، وهو فنٌّ راقٍ لا يُتقنه إلا المبدعون، غير أنه أُهمِل بالوطن العربي في الفترة الأخيرة، فلم يحظَ بالحفاوة والشهرة التي حظى بهما و و. وفي هذا التقرير نحاول التذكير بأشهر النحاتين العرب وأهمهم، الذين أبدعوا أجمل وأرقى ما عبَّر عن هويتنا وحضارتنا العربية من التماثيل المبدعة.
شيخ النحاتين محمد غني حكمت
“من المحتمل أن أكون نسخةً أخرى من نحاتٍ سومري، أو بابلي، أو آشوري، أو كان يحب بلده”. هكذا قال شيخ النحاتين محمد غني حكمت عن نفسه، فهو النحات الذي تأثر في فنِّه وإبداعه بالنحت السومري، والنبرة التعبيرية التي تُذكِّر الناظر إلى فنِّه بالتماثيل الآشورية أو البابلية القديمة.
ظهر حبُّه للنحت منذ صغره عندما كان يصنع من الطين على نهر دجلة أشكالًا للحيوانات وقببًا، فأثرى تلك الموهبة بالدراسة الأكاديمية في معهد الفنون الجميلة بالعراق، والذي تخرج فيه عام 1953، لينال بعدها بسنتين دبلومة النحت من المعهد نفسه، وكان أستاذه الفنان الكبير جواد سليم.
حصل شيخ النحاتين على جائزة أحسن نحاتٍ في العالم من مؤسسة كولبنكايم، إذ أُعجَب الغرب بأعماله في المعارض الوطنية التي أقامها محليًّا ودوليًّا، والمعارض الشخصية في روما وبغداد وبيروت.
من أشهر أعماله تمثال شهريار وشهرزاد، ونصب بغداد بساحة الأندلس في بغداد، بالإضافة إلى نصب كهرمانة، وعلي بابا والأربعين حرامي، كما أبدع تمثال عشتار الذي يُزيِّن أشهر فنادق بغداد فندق عشتار شيراتون.
وُلِد حكمت في الكاظمية ببغداد عام 1929 وتُوفِّي في عمان عام 2011، ليُنهي بذلك مسيرته الفنية المبدعة، التي امتدت لأكثر من 60 عامًا.
الأستاذ ونحات العرب الأشهر جواد سليم
يُعدُّ جواد سليم من أشهر النحاتين في تاريخ العراق الحديث، فهو من أسَّس قسم النحت في معهد الفنون الجميلة ببغداد، وأحد مؤسسي جمعية التشكيليين العراقيين.
اشتهرت أسرته بالفنِّ التشكيلي، فكان والده وإخوته جميعهم فنانين تشكيليين، وكان هو منذ صغره نحاتًا يصنع من الطين أشكالًا تُشبه لعب الأطفال، ثم كبر ليكون النحات الأشهر للعرب.
في أول معرضٍ للفنون في بغداد حصل على الجائزة الفضية عام 1931، ونتيجةً لموهبته البارزة ذهب في بعثةٍ لدراسة النحت في وبعدها روما ثم لندن.
من أشهر أعماله نصب السجين السياسي المجهول، وفاز عنه بالجائزة الثانية في مسابقة نحتٍ عالمية، ومن روعته وقيمته التي يُجسِّدها لا تزال الأمم المتحدة تحتفظ بنموذجٍ مُصغَّر من هذا النصب.
كما شارك مع المعماري رفعت الجادرجي والنحات محمد غني حكمت لنحت نصب الحرية في ساحة التحرير ببغداد، والذي يُعدُّ من أهم الأعمال الفنية في الشرق الأوسط التي تشهد على عظمة النحاتين العرب، وقد تُوفِّي جواد سليم بعدها، إثر أزمةٍ قلبية من شدة المجهود المبذول في العمل عليه، ودُفِن بمقبرة الأعظمية في بغداد.
محمود مختار.. النحات الفرعوني الحديث
كان محمود مختار نحاتًا مصريًّا عبقريًّا، وهو يُعدُّ من روَّاد فنِّ النحت الحديث، ليس في مصر وحدها، بل على مستوى البلاد العربية، وفي مصر متحف باسمه يُعدُّ قبلةً لدارسي الفن والنحت.
ظهرت موهبته في الصغر من خلال صنعه تماثيل من الطين عندما كان يلعب بجوار الترعة في قريته الصغيرة، وعندما انتقل إلى القاهرة التحق بمدرسة الفنون الجميلة، وهناك ظهرت عبقريته وطاقته الفذة، فخصَّص له أساتذته الأجانب مرسمًا خاصًّا في المدرسة، يعمل فيه على منحوتاته وتماثيله الرائعة.
ورعايةً لموهبته النادرة أُرسِل في بعثةٍ إلى باريس ليُتمَّ دراسته في فنِّ النحت هناك، ومن بعدها رجع إلى مصر ليُسهم في إنشاء مدرسة الفنون الجميلة العليا.
وكان للنحات الراحل محمود مختار أثرًا كبيرًا في تعريف الغرب بالمدرسة المصرية الحديثة في الفن، وذلك بمُشاركته في معارض باريس الدولية عام 1930.
ولكن هذه المشاركة لم تكُن الأولى، فقد كانت أولى خطوات الفنان المصري إلى العالمية عام 1913 بتمثاله (عايدة) الذي عرضه في صالون باريس، وبعدها بسبع سنواتٍ عرض نموذجًا مُصغَّرًا لتمثال نهضة مصر الشهير، الذي لا يزال حتى الآن قابعًا وشاهدًا على فنِّه وإبداعه في ميدان النهضة بالجيزة في مصر، وبعدها عرض تمثالَي (الطاقية) و(كاتمة الأسرار).
تميَّزت أعمال الفنان محمود مختار بالتعبير عن حياة الريف المصري وصور الحياة اليومية. وعلى الرغم من دراسته في باريس واطَّلاعه على النهضة الغربية، إلا أنه آثر التعبير بفنِّه عن بلاده، بالإضافة إلى صناعته لعددٍ من التماثيل الشخصية، وتماثيل الزعماء الوطنيين، فقد صنع تمثالَي الزعيم سعد زغلول بالقاهرة والإسكندرية في الفترة ما بين عامَي 1930 و1932.
تُوفِّي النحات الكبير محمود مختار في عام 1934، فنادى المثقفون المصريون -وعلى رأسهم هدى شعراوي- بحماية أعمال الفنان وجمعها خوفًا عليها من الاندثار والضياع، وبالفعل أنشأت وزارة المعارف متحف محمود مختار عام 1938 للحفاظ على أعماله القيِّمة من التخريب والضياع، وتخليدًا لذكرى واحدٍ من أشهر النحاتين العرب.