علاج البطالة
في هذه المقالة سيتم التطرق إلى موضوع علاج البطالة، التي تعد من بين المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الدول والمجتمعات المعاصرة، وتهدد توازنها واستقرارها. البطالة في مفهومها البسيط هي حالة عدم نشاط الشخص الذي يرغب في العمل على الرغم من قدرته على ذلك. هذا التعريف للبطالة له العديد من أوجه الاختلاف ويؤدي مفهومه دائمًا إلى إثارة الخلافات النظرية والإحصائية.
وتعرف أيضا بأنها التوقف الإجباري لجزء من القوة العاملة برغم قدرة ورغبة هذه القوة العاملة في والانتاج. وتمثل القوة العاملة جميع السكان القادرين والراغبين في العمل، بدون الفئات غير المعنية بهذا الأمر مثل الأطفال دون الخامسة عشر، الطلاب، كبار السن، العاجزين وربات البيوت.
تطور البطالة كظاهرة عالمية
غالباً ما اعتبرت البطالة أمراً ثانوياً وطوعياً حتى بداية القرن العشرين، وبالتحديد مع فترة الكساد الكبير في الثلاثينيات من ذلك القرن، إذ أصبحت البطالة بحجمها المتزايد تشكل أحد أكثر المشكلات الاجتماعية والاقتصادية المركزية في الدول المتقدمة. ومن هنا، أصبحت قضية علاج البطالة أحد الانشغالات الكبرى على المستوى العالمي. حيث أصبح تحديد مستوى التوظيف مع هذه الأزمة الاقتصادية الجارفة أحد أهم المسائل الأساسية في التفكير الاقتصادي. وفي هذا الصدد، أكد الخبراء في الاقتصاد مثل كينيز وآخرون أن توازن العمالة أو اليد العاملة الكاملة غير مضمون بشكل تلقائي، ولكن على الدولة أن توظف الطرق اللازمة لاستعادة التوظيف الكامل، ومن ثم علاج البطالة كظاهرة سلبية تتطلب وضع المخططات والتدابير اللازمة لمعالجتها في أعلى هرم اتخاذ القرار.
ومع نهاية فترة الرخاء الاقتصادي والاجتماعي، شهدت تنامي مستويات العمالة الناقصة، والتي ارتبطت بظهور مؤشرات جديدة للفقر والإقصاء الثقافي والاجتماعي. وقد أدت هذه المستويات المرتفعة للبطالة إلى تحويل النسيج الاجتماعي للمجتمع، وإثارة قلق الفئات العمالية الواسعة التي باتت مناصبها مهددة بالزوال. مما أدى إلى إعادة موضوع علاج البطالة إلى الواجهة في النقاش السياسي.
أشكال وأنواع البطالة
تتطلب الجهود الرامية لعلاج البطالة معرفة أهم أشكالها وأنواعها، ليتسنى وضع السياسات والحلول اللازمة لمعالجتها والحد منها، من بين أهم أنواع البطالة:
- البطالة الطوعية أو الإرادية، تنبع من رفض العمل الناتج عن مستوى الأجور المنخفضة للغاية أو لظروف العمل غير المقبولة.
- البطالة غير المقصودة أو اللاإرادية، هي الأكثر شيوعاً وتكون ناتجة عن عدم توفر مقارنة بالطلب الذي عادة ما يكون مرتفعاً.
- البطالة المؤقتة أو البطالة البحث أو التنقيب، هي شكل من أشكال البطالة الطوعية الناتجة البحث عن المعلومات أو التدريب للعثور على أفضل وظيفة ممكنة، مع العلم أعن ن العاطلين عن العمل قد يستفيدون خلال هذه الفترة من دخل بديل في انتظار حصولهم على مناصب عملهم بشكل نهائي.
- البطالة الاحتكاكية، مرتبطة بالوقت اللازم للعثور على وظيفة أخرى. هذا النوع من البطالة يمكن من قياس النقص في سوق العمل مثل غياب الشفافية أو المعلومات السيئة.
- البطالة الناتجة عن التنقل، في هذه الحالة تكون العمالة في حركية دائمة، بحثا عن فرص عمل أخرى أكثر جاذبية، بدافع تغيير الشركة، المنطقة، الحصول على راتب أعلى، أو منصب أحسن، أو لظروف عمل أحسن.
- البطالة الدورية أو الظرفية، تقوم على فكرة أن العمالة تعتمد على مستوى النشاط الاقتصادي وحالته في فترات بذاتها دون الأخرى. يمكن أن تنتج عن تباطؤ في ونموه السلبي، والذي يمكن أن يكون بشكل دوري ومنتظم خلال فترات زمنية معينة.
- البطالة الموسمية المرتبطة بتغيرات النشاط خلال العام في قطاعات اقتصادية معينة مثل السياحة والزراعة.
- البطالة المتبقية، تشير إلى الجزء غير الدوري أو الخفي من البطالة، تمثل الحد الفارق بين البطالة الكلية والبطالة الدورية.
- البطالة المزمنة أو البطالة المستديمة، تشير إلى حقيقة أن بعض الأنشطة أو فئات معينة من الناس قد يواجهون حالة دائمة من البطالة التي تتطلب معالجتها إعادة نظر شبه كلية في مؤهلاتهم وخلفياتهم المهارية تماشياً مع تطور الاحتياجات والمتطلبات.
آليات وسياسات علاج البطالة
عادة ما يتم علاج البطالة من خلال وضع سياسات التوظيف واعتمادها بشكل رسمي لدى الدول والحكومات، على اعتبار أنها تعبر عن السياسات التنموية الشاملة التي تحدد سياسات ومستويات التوظيف المطلوبة لتحقيق الأهداف التنموية المنشودة. وتشير سياسات التوظيف إلى جميع المقاييس التي تضعها الدولة لسياساتها الاقتصادية التي تهدف إلى التأثير على العمالة بشكل إيجابي ودائم بقصد الحد من البطالة والبحث عن تحقيق مبدأ العمالة الكاملة.
يوجد عموماً نوعان رئيسيان من السياسات المتعلقة بالتوظيف، التي تسعى لعلاج البطالة:
- السياسات النشطة التي تسعى إلى تغيير مستوى العمالة في الاقتصاد.
- والسياسات السلبية التي تهدف إلى الحد من البطالة دون زيادة الطلب على العمالة في الاقتصاد، وجعله أكثر استقرارا واستمرارية.
وقد أدى ذلك إلى وجود معارضة كبيرة بين هذين الطرحين:
- فهناك من يرى بضرورة تخفيض اللوائح المتعلقة بالعمالة وجعلها أكثر مرونة مع متطلبات سوق العمل كوسيلة لعلاج البطالة. إذ يرى أصحاب هذا الرأي بأن الدولة لديها طرف مهم من المسؤولية في تنامي بسبب القوانين والتنظيمات الصارمة التي تعتمدها للوصول إلى المناصب المطلوبة، على الرغم من تغطية هذه اللوائح لحقوق العمالة بشكل كبير، ويدافع هؤلاء على مبدأ السياسات النشطة.
- وهناك من يرى بضرورة اعتماد نظرية كينز، التي تركز على تدخل الجهات والإدارات العمومية بشكل مباشر في تنظيم العمالة، كحافز لتحريك النشاط الاقتصادي وضمان استقراره واستمراره، كوسيلة لعلاج البطالة والحد من التسريحات التي تتعرض لها نسبة كبيرة من العمالة بطرق جائرة وغير مشروعة. وينطوي أصحاب هذا الرأي ضمن المدافعين عن مبدأ السياسات السلبية.
أهمية علاج البطالة وتأثيرها على استقرار العالم
استنادا إلى ما سبق، يتضح جلياً بأن علاج البطالة بات من الأولويات والقضايا التي تحظى بالاهتمام الأكبر على المستويات الفردية والجماعية والحكومية، لما لها من تأثير مباشر على التوازنات الاجتماعية والاقتصادية العالمية. حيث تؤكد المنظمة العالمية للعمل بأن الجهود الرامية لتحقيق مجتمع عالمي آمن ومتكامل لا يمكن أن تكلل بالنجاح ما لم تضع علاج البطالة على رأس أولوياتها.
المراجع
- Chômage. Wikipedia.
- Walter Block, Labor Economics from a Free Market Perspective: Employing the Unemployable, Hackensack, World Scientific, 2008
- Jacques Freyssinet, Le Chômage, Paris, La Découverte, coll. « Repères », 2004, 11e éd.