أولو العزم من الرسل

أولو العزم من الرسل

من الرسل هم الذين ذكرهم الله في كتابه الكريم في قوله: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)،سورة الأحقاف، آية 35 وهم الرُّسل المُتصفون بالحزم والصبر، وقد تعددت أقوال العلماء في تحديد أولي العزم من الرسل، فمنهم من فسّر جملة (مِنَ الرُّسُلِ) الواردة في الآية بأنها لبيان الجنس وليس للتبعيض، وهكذا يكون جميع الرسل من أولي العزم، واستندوا إلى أن الله -سبحانه وتعالى- لم يتخذ رسولاً إلّا وكان يتصف بالعزم ولذلك تأمر الآية ب كما صبر الرسل من قبل، وهذا ما أخرجه ابن جرير عن ابن زيد في تفسيره للآية، ومنهم من ذهب أنها للتبعيض، وإن كانت للتبعيض فأولي العزم هم عدد محدد من الرسل، وذهب جمهور العلماء إلى أن المقصود هو التبعيض، واستدلوا على ذلك بأن خروج بعض الرسل من أولى العزم ثابت في ، حيث إن الله في الآية السابقة أمر الرسول أن يكون مثل أولى العزم ويصبر كصبرهم، وفي مواضع أخرى نهاه أن يكون مثل بعض الرسل في مواقف محددة، ومن الأمثلة قوله تعالى: (وَلا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ)،سورة القلم، آية 48 فنهاه أن يكون مثل يونس عليه السلام.

كما أن الله نفى العزم عن آدم عليه السلام في قوله: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا)،سورة طه، آية 115، وهذا لا يعني أن الرسل الذين استثناهم الله ليسوا ذو عزم، فكل الرسل اتصفوا بالعزم والجد في طاعة الله وتبليغ رسالته، إلّا أن هناك منهم من خصّهم الله لأن لهم عزم أعظم من غيرهم، واختيار أولي العزم من الرسل كان بالاستناد على العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، وهم نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى ومحمد -عليهم السلام- وقد ذُكروا في القرآن الكريم في آية واحدة في قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا)،سورة الأحزاب، آية 7 وقد ورد عن بعض المفسرين مثل الألوسي أن الله خصّهم لأنهم أصحاب الشرائع المشهورة، وورد عن مُجاهد بأنهم وُصفوا بأولي العزم لأنهم أصحاب الشرائع والكتب، كما أخرج البزار عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال بأنهم الخمسة وُصفوا بأولي العزم لأنهم خِيار ولد سيدنا آدم -عليه السلام- أما مواضع ذكر أولي العزم في القرآن الكريم فكانت في سورتي الشورى والأحزاب.

قد يهمك هذا المقال:   حكم تارك الصلاة عمدا

تفضيل أولي العزم من الرسل

ذكر الله -سبحانه وتعالى- أولي العزم من الرسل في سورة الأحزاب في الآية السابعة مبتدئاً بخاتم الأنبياء ومن ثم ذكر أول الخمسة في البعثة وهو نوح عليه السلام ومن ثم ذكر إبراهيم وعيسى وموسى -عليهم السلام- وفي سورة الشورى ذكر الله أولي العزم بأن بدأ بنوح عليه السلام، فقال تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا)،سورة الشورى، آية 13 حيث جاءت الآية على ذكر دين الإسلام، وفي هذا بيان أن أول الرسالات أوصت بالدين الذي شرعه الله لأمه الرسول محمد -عليه الصلاة والسلام- ومن ثم أتت على ذكر من توسطوا بين نوح ومحمد -عليهما السلام- وهم الرسل أصحاب أفضل الشرائع.

واتفق العلماء على أن الرسول محمد -عليه الصلاة والسلام- هو أفضل أولي العزم، واعتمدوا في ذلك على الحديث الشريف الذي رواه أبو هريرة عن الرسول أنه قال: (أنا سيِّدُ ولدِ آدمَ يومَ القيامةِ، وأوَّل من ينشقُّ عنه القبرُ، وأوَّل شافعٍ وأوَّلُ مُشفَّعٍ)،الراوي: أبو هريرة، المحدث: مسلم، المصدر: صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 2278، خلاصة حكم المحدث : صحيح واختلفوا على من يليه بالفضل، وفما اختاره ابن حجر في شرح البخاري أن إبراهيم -عليه السلام- هو ثاني أفضلهم لأنه خليل الله ولما ذُكر بأنه خير البرية، ويليه الثلاثة الباقون، وهم أفضل من الرسل الباقين، وكذلك أخبر السيوطي أن إجماع كان على هذا الأمر، ولم يتفق العلماء على ترتيب أولي العزم الباقين ترتيباً دقيقاً.

أهم خصائص أولي العزم من الرسل

فيما يأتي خصائص أولي العزم من الرسل تبعاً لترتيب بعثتهم:

  • نوح عليه السلام: ذُكر نوح 43 مرة في 28 سورة من القرآن الكريم، ووردت قصته كاملة في 14 سورة فقط، أما بقية المواضع فلم يرد فيها ذكر قصته تفصيلاً وركزت على تكذيب قومه له وهلاكهم، كما أن المواضع التي ذُكر فيها لم تعرض سوى مرحلة واحدة من حياته وهي مرحلة الدعوة، وأما ما خصه الله به أنه كان أول رسول يبعثه الله بعد أن اختلف الناس في الديانات، ولبث يدعو قومه ألف سنة تنقص خمسين عاماً، ودعاهم سراً وجهراً، وليلاً ونهاراً، واستخدم مختلف الأساليب في الدعوة، وصبر هلى أذاهم وجاهد في الله حق الجهاد.
  • إبراهيم عليه السلام: وهو أبو الأنبياء، وذُكر في القرآن 67 مرة، في 25 سورة، ولم تذكر الآيات ذكراً لمكان وزمان ولادته، ولم تصف طفولته أو نشأته، وإبراهيم عليه السلام خليل الرحمن، وقد جعله الله إماماً للناس لكي يقتدون به ويهتدون بهديه، وهو الذي بنى البيت الحرام الذي جعله الله قياماً للناس وأمنا، وعهد الله له ولولده إسماعيل تطهير البيت ليطوف به الناس ويعبدو الله، وأمر الله باتخاذ مقام إبراهيم مُصلى، أما عن كونه أبو الأنبياء فذلك لأنه لم يأت نبي من بعده إلّا وكان من ذريته، وقد أعطاه الله صفة الصديقيّة والنبوة، والعديد من الفضائل، ومما خصه به أنه أول من يُكسى يوم القيامة.
  • موسى عليه السلام: ذُكر في القرآن الكريم 133 مرة في 33 سورة، ولم يُذكر أحد من الرسل بمثل هذا العدد في القرآن الكريم، الأمر الذي يدل على مكانته العالية، فقد أرسله الله إلى أحد ملوك الأرض الجبارين، وجاهد في الله حق جهاده وهو يدعو إلى دينه، ومن خصائصه أنه كليم الله، وقد ورد تكليم الله له في مواضع في القرآن الكريم، ومن فضائله أيضاً أنه عندما كان في السماء السادسة أنزل الله عليه تسع آيات بينات أثبتت حجته أمام فرعون وقومه.
  • عيسى عليه السلام: وهو آخر أنبياء بني إسرائيل، وقد ورد ذكر اسم عيسى لوحده في القرآن 9 مرات، وذكر مقترناً باسم أمه مريم 13 مرة، وذُكر باسمه كاملاً وهو المسيح عيسى ابن مريم 3 مرات، وذُكر بلقبه وهو المسيح 3 مرات أيضاً، وذُكر بنسبته إلى أمه أي ابن مريم مرتين، وتتضمن الآيات التي ذُكر فيها قصة ولادته، ورسالته، ووفاته، وولادة أمه ونشأتها، أما ما خصة الله به فهو أنه وُلد لأم دون أب، حيث نفخ جبريل في درع مريم فحملت به، كما أنه تكلم وهو في المهد رضيعاً، وقد رفعه الله إلى السماء وهو حي فيها.
  • محمد عليه الصلاة والسلام: شارك الرسول محمد إبراهيم عليه السلام في الخِّلة والقرب من الله عز وجل، وقد ذهب بعض العلماء والمفسرون إلى أن الله كلّم محمد ليلة الإسراء والمعراج، كما ذهب بعضهم إلى أنه أُوحى إليه بواسطة جبريل فذلك لا يكون تكليماً، وقد ورد عن ابن كثير أن كلاهما صحيح وكأنه يقول أن كلا الأمرين قد وقع، والرسول عليه الصلاة والسلام هو أفضل أولي العزم كما ذُكر سابقاً وهو سيد ولد آدم، وفد ختم الله به الأنبياء.
قد يهمك هذا المقال:   حنظلة بن أبي عامر

المراجع

  1. المكتبة الشاملة الحديثة: من هم أولو العزم من الرسل؟
  2. الألوكة الشرعية: الإيمان بالرسل جميعًا
  3. الدرر السنية: تعيين أولي العزم
  4. الدرر السنية: تفاضل أولي العزم
  5. أولو العزم من الرسل: عمر أحمد عمر، صفحة: 15-16، 67، 159-160، 307
  6. الدرر السنية: بعض خصائص أولي العزم

الهوامش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *