نشأة الدولة العباسية
جاءت وقيامها كخطوةٍ ثانية لبني العباس بعد بدايتهم بالدعوة العباسية، والتي صدَّرت فكرة عودة الخلافة إلى آل البيت أصحاب الحق في الخلافة، بينما أرسى قواعد الدولة وأعلن تأسيسها سنة 132 هـ أبو العباس السفاح، الذي تمكن من القضاء على آخر الأمويين في وهو الخليفة الأخير مروان بن محمد، وبالقضاء عليه تبدأ ثالث خلافة إسلامية، والتي استمرت ما يقرب من 1400 سنة، فقد انتهت الخلافة سنة 1517م.
العصور العباسية
قسَّم المؤرخون العصر العباسي إلى مجموعة من العصور، وذلك لتيسير دراسة العصر العباسي من ناحية، والفصل بين فترات قوة الدولة وضعفها من ناحية أخرى، وقُسِّمت الدولة إلى أربعة عصور، انتهى كل عصر بضعف خليفة وبداية سيطرة قوى أخرى على زمام الأمور بالدولة، وكان العصر الوحيد الذي لم تتمكن قوى أخرى من السيطرة على الدولة فيه هو العصر العباسي الأول، الذي عُرِف بالعصر الذهبي للدولة العباسية.
أبرز خلفاء الدولة العباسية
تعاقب على خلافة الدولة العباسية 37 خليفة، كان أول خلفائها ومؤسسها أبو العباس السفاح، وكان المستعصم بالله . وقد تنوعت فترات الخلافة من ناحية القوة والضعف تبعًا لقدرة الخليفة على الإمساك بزمام الأمور في الدولة، وبتمكُّنه من السيطرة على مقاليد الحكم؛ فالفترات التي يضعف فيها الخلفاء تتصاعد فيها قوى أخرى كالوزراء أو قادة الجيوش، ممَّا يتسبب في ظهور الخلافات بين الطامعين في السلطة، وخروج الثورات ضد الخليفة بسبب اضطراب أمور الرعية.
وعل الرغم من فترات الضعف التي شهدتها ، إلا أن بعض خلفائها تمكنوا من إثبات قدرتهم على الارتقاء بالدولة طوال فترة توليهم الخلافة، وكان لهؤلاء الخلفاء الفضل في توسيع الدولة الإسلامية وبسط سلطانها على كل أرجائها.
أبو العباس السفاح
أبو العباس هو أول خلفاء العباسيين، وقد اتخذ من الكوفة مقرًّا لحكمه؛ فكانت أولى عواصم الدولة العباسية، وبدأت خلافته سنة 132 هـ، وانتهت الخلافة بوفاته سنة 136 هـ.
وبسبب قصر مدة خلافته فلا يوجد له الكثير من الأعمال، ولكن كان أهم أدواره بالنسبة إلى الدولة العباسية هو القضاء على آخر خلفاء الدولة الأموية، والقضاء على الثورات التي خرجت ضد بني العباس، مثل ثورة أهالي قنسرين، وأهالي دمشق، وأهالي حمص والجزيرة، كما خرج ضده الخوارج، ولكنه تمكن من إرسال قادةٍ موثوقين تمكنوا من إخماد تلك الثورات، مثل: أبو مسلم الخراساني، وعمه عبد الله بن علي، وخازم بن خزيمة.
أبو جعفر المنصور
تولى خلفًا لأخيه أبي العباس، فبدأت خلافته من سنة 136 هـ، واستمرت حتى سنة 158 هـ. وقد طالت فترة خلافته لمدة 22 سنة، ما جعل عهده مليئًا بالأعمال والإنجازات. ومن أهم ما قام به أبو جعفر المنصور:
- أخمد بعض الثورات التي خرجت بعد وفاة أبي العباس، مثل ثورة أهالي المدينة الذين بايعوا محمد بن عبد الله بن الحسن “النفس الذكية” على الخلافة، كما قضى على ثورات أخرى خرجت بالبصرة والأهواز.
- سجن عمه عبد الله بن علي حتى تُوفِّي في سجنه، وذلك بعد خروجه عليه بعد وفاة أبي العباس السفاح؛ فقد أراد عمه البيعة لنفسه.
- قضى على أبي مسلم الخراساني الذي كان من أهم القادة التي قامت على أكتافهم الدولة العباسية؛ خوفًا من ازدياد نفوذه.
- جعل ابنه المهدي خليفةً له في ولاية عهده، وخلع أخاه عيسى بن موسى.
- كان مهتمًّا بالنشاطين الزراعي والصناعي، وأمَّن الطرق التجارية البحرية من هجمات القراصنة.
- في عهده أُعيد فتح مدينة طبرستان من مدن بلاد ما وراء النهر.
- أمَّن الحدود الشمالية من جهة الروم، فأرسل إليهم الكثير من الحملات العسكرية، والتي كبَّدت الروم خسائر فادحة، ما جعل حاكم الروم يطلب عقد الصلح سنة 155 هـ.
- أمر ببناء مدينة بغداد لتكون مقرًّا للخلافة العباسية بدلًا من الكوفة، ويُعدُّ ذلك أهم ما قام به؛ فقد شُيِّدت المدينة على أيدي أفضل المهندسين والعمال، فكانت مدينةً متكاملة، وبنى بها قصرًا مواجهًا لنهر دجلة وأطلق عليه اسم قصر الخلد، وأقام بالقصر حتى وفاته.
- أنشأ بقصر الخلافة بيت الحكمة، وكان مركزًا للترجمة للعربية، واعتنى فيه بالعلم والعلماء.
كان هارون الرشيد خامس خلفاء الدولة العباسية، وتولَّي الخلافة سنة 170 هـ، وكان عمره آنذاك 22 سنة، وعُرِف عصر الرشيد بالعصر الذهبي للدولة، وذلك لأنه كان من أكثر العصور العباسية ازدهارًا من ككل النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفنية والثقافية؛ فقد كان الخليفة مهتمًّا بكل شؤون الدولة.
يُعدُّ من أكثر الخلفاء العباسيين اهتمامًا بالإصلاحات الداخلية بالدولة، ومن أهم أعماله الإصلاحية:
- أنشأ بيت الحكمة الذي خُصِّص لجمع أمهات الكتب من شتى أرجاء العالم؛ فكان أكبر مكتبةٍ علمية إسلامية، وكان أبو جعفر المنصور قد أنشأ المكتبة ذاتها بقصره، ولكنها ضاقت بالكتب، ما جعل الرشيد ينشئ بيت الحكمة، وأضاف إليه المزيد من الكتب، وعيَّن المترجمين والناسخين ووفَّر لهم جميع الاحتياجات لعمليات النقل والترجمة.
- أنشأ مصنعًا للورق كان الأول من نوعه في الدولة الإسلامية، وهو ما منح العاصمة شهرةً كبيرة في العصور التالية له بفضل سوق الورَّاقين.
- شيَّد قصورًا ومساجد كبيرة، وكانت تلك المساجد جامعةً لطلاب العلم من مختلف الدول الإسلامية.
- اهتم بتمهيد الطرق للرعية، وأنار الشوارع والمساجد بالقناديل التي استُخدِمت في عهده لأول مرة.
- اهتم بالعلوم والفلك والفيزياء، وشجَّع العلماء، وظهرت في عهده الساعة المائية.
- أولى الزراعة اهتمامًا كبيرًا؛ فبُنِيت في عهده الجسور والقناطر، وحُفِرت الترع لتوصيل المياه من الأنهار.
- قضى على ثورات الخوارج التي خرجت في الموصل والجزيرة وسواد العراق.
- قضى على الفتن الداخلية التي تمثلت في الحركات الاستقلالية التي خرجت في مصر والشام.
- قضى على البرامكة بعد أن كان معتمدًا عليهم في إدارة أمور الدولة الإسلامية.
- أمَّن حدوده مع الدولة البيزنطية وأنشأ مدينة العواصم، لتكون مركزًا يعسكر فيه أحد الجيوش بشكلٍ دائم، وأقام حصونًا منيعة على الحدود بين سورية وآسيا الصغرى.
- اتخذ من شارلمان إمبراطور الدولة الرومانية حليفًا له ضد الدولة البيزنطية، وكان في عهده تبادل للبعثات بين البلدين.
- ومن ناحية بلاد المغرب، أقام دولةً تحمي حدود الدولة الإسلامية من ذلك الطرف، وهي دولة الأغالبة، لحماية الحدود من الأدارسة والأمويين.
وهو ابن الخليفة هارون الرشيد وسادس . تولى الخلافة بعد القضاء على أخيه الأمين سنة 198 هـ وحتى سنة 218 هـ، ويُعدُّ عصره آخر عصور الازدهار الذي شهدته الدولة العباسية؛ فمع نهاية العصر العباسي الأول تبدأ الدولة تدريجيًّا في الانهيار مع ضعف خلفائها.
اهتم المأمون بكل الأمور الداخلية والخارجية بالدولة على نهج أبيه، ومن أهم أعماله:
- عمل على إيقاف جميع النزاعات الداخلية؛ فحاول التقرُّب إلى جميع العرقيات دون تقديم أحدهما على الآخر.
- واجه ثورةً قوية عربية خرجت بالكوفة في بداية حكمه، واستمر أتباع الثورة في الزحف نحو عاصمة الخلافة، واستولوا على القادسية والبصرة، ولكن قُضِي على الثورة سنة 201 هـ.
- خرجت ضده ثورات في الأقاليم من مصر والجزيرة وبلاد الشام، وحاول القضاء عليها بالحرب تارةً وبالسلم تارة، حتى تمكن من إخماد الثورات.
- حافظ المأمون على علاقات التحالف بينه وبين الدولة الرومانية.
- استمر عداؤه للدولة البيزنطية، وحاول إثارة الفتن الداخلية بين الحكام والقساوسة.
- فُتِحت في عهده جزيرة صقلية.
- اهتم المأمون بجميع العلوم وخصوصًا الحضارات القديمة، فأرسل البعثات إلى القسطنطينية لجمع أمهات الكتب التراثية.
- أرسل بعثةً عليمة لقياس محيط الأرض، والذي يتقارب مع المحيط المعروف اليوم.
- أنشأ جامعة بيت الحكمة.