ابغض الحلال عند الله الطلاق

الطّلاق

إنّ عقد ميثاق الزوجية الغليظ، وقد وُجِد ليدوم ويستمرّ، ضماناً لنجاح الأسرة واستقرارها، وحمايتها من التفكّك والنّزاع العنيف مع توفير أسباب تنشئة الأطفال تنشئة سليمة، ومن أجل هذا وُجب عدم اللّجوء إلى حَلّ هذا الميثاق بأهون الأسباب وأتفهها إلاّ استثناءً، وعند الضرورة القصوى؛ لأنّ آثار حلّه لا يقتصر على الزوجيْن فقط، وإنّمّا يؤثر سلباً على المُجتمع والأبناء أيضاً؛ لأنّه يُعيق حركة النموّ والتطوّر بالشّكل المثالي، ولمّا كان الطلاق إنهاءً لزواجٍ ينعدم فيه الرضى بين الزوجين، وقد وردت عليه قيود نصّت عليها الشّريعة الإسلاميّة، حتى لا يكون تعسُّفيًا اتجاه أحد الطرفين والتي سيتمّ توضيحها في هذا المقال إن شاء الله، فما ، وما مشروعيّته، ومن يملك حقّ الطّلاق، وهل فعلاً أبغض الحلال عند الله الطلاق؟، وما هي الأحكام المُتعلّقة به، وما آثاره، وما هي أهمّ المسائل التي تتعلق فيه؟؟

معنى الطّلاق

  • الطّلاق لغةً: يأتي بمعنى الحلُّ، كما يرد بمعنى رفع القيد. تعريف الطّلاق لغةً: الألوكة.
  • الطّلاق اصطلاحاً: هو حَلّ العصمة المُنعقدة بين الزوجين، وقد وصفها الله تعالى في كتابه العزيز “بالميثاق الغليظ” حيث قال عزَّ من قائل: (وكيف تأخُذونه وقد أفضى بعضُكُم إلى بعضٍ وأخذنَ منكم ميثاقاً غليظاً)النساء: 21./عبده عيسى، فقه الطّلاق: 13، بتصرُّف..

حكمة مشروعيّة الطلاق

إنْ لم يكن هناك مصلحةٌ في البقاء على الزوجية، أو حدث أذىً عقيماً على الزوجة في البقاء مع الرجل، أو كان أحدهما فاسد الأخلاق، ففي هذه الحالات يكون الطّلاق أفضل خيارٍ يتّخذه الرّجل والمرأة، أمّا الإكثار من الطّلاق على الصّغيرة والكبيرة، وعدم المبالاة به، ففيه مفاسد كثيرة، وهذا يُظهر أنّ في بعض الحالات التي يقع فيها الطلاق بشكل متكرر، تكون نيّة الزواج عندهم لتحقيق شهوة الفرج، وليس إقامة تدابير الحياة كما شرعها الله، ولا التعاون في اتفاقاتهم الماديّة والنّفسيّة، وإنما هدفهم يكون مجرَّد التَّلذُّذ، فيثيرهم ذلك إلى أن يُكثروا الطلاق والنكاح.

وهناك مُجتمعات تمنع الطلاق مما يؤدي إلى الكثير من المفاسد، وحالات العنف، عدا عن فساد الأسر؛ فالإسلام العظيم أباح الطّلاق ووضع له ضوابط تتحقَّق بها مصلحة الرجل والمرأة وتندفع بها المفسدة العقيمة التي تنشأ عن استمرار الحياة الزوجية، كما أنّه، وَضّح مشروعيّة الطّلاق توضيحاً جليّا وفي ما يلي بيان أدلة مشروعية الطلاق من الكتاب والسنة والإجماع:الألباني، الدّرر البهيّة: 2/238، بتصرُّف.

  • القرآن: ودليل مشروعية الطلاق من القرآن الكريم واضحٌ في قوله تعالى: (وإن يتفرّقا يغنِ الله كُلّاً من سعته وكان الله واسعاً حكيماً).النّساء:130.
  • السُّنّة: أمّا من السنّة: قد طلق ابنُ عمرَ امرأتَه وهي حائضٌ على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فسأل عمرُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-؟ فقال: إنَّ عبدَاللهِ بنَ عمرَ طلق امرأتَه وهي حائضٌ. فقال له النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: ليراجعها.رواه عبدالله بن عمر، صحيح مُسلم: 1471.
  • الإجماع: أجمع العلماء على جواز الطلاق، حيث أنّه كان موجوداً في زمن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إلى هذا الزّمان، إلا أنه لا يكون جائزاً إلا عند الحاجة له، أمّا إذا كانت الزّوجة مُطيعة لزوجها، ومؤدية لحقوقه على أكمل وجه، فالزوج هُنا يأثم إذا طلقها دون سبب.
قد يهمك هذا المقال:   الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

مَنْ يوقع الطّلاق

الطّلاق ليس أمراً عبثاً، لذلك ليس لأيّ أحد أنْ يمتلك هذا حقّ إلا بأمر الله سبحانه وتعالى، فمن يملك ؟ ومن الذي تكون بيده عصمة الطلاق شرعاً. مسائل في الطّلاق: موقع الإيمان.
الطلاق مِنْ حق الرجل وحده؛ لأنّه حريصٌ على أن تبقى الزوجيّة قائمةً وهو الذي أنفَق في سبيلها المال كوْنه يعمل ويبذل جهداً لتيسير سُبُل العيْش، وهو غالباً يصبر ويُفكِّر في عقله لا بعواطفه بعكس المرأة، أما المرأة فهي أسرع غضباً كما أنها في الغالب تلجأ إلى تحكيم عاطفتها، وهي أقل احتمالاً للضغوط، ورؤيتها محدودة، كما أنّها لا تنظر إلى تبعات الطّلاق المادية لعدم التزامها بها مثل ما على الزّوج، ولو كانَ الطّلاق بيد كلّ من الزوجيْن، لتفاقمت حالات الطّلاق على أتفه الأسباب، ولا يقع الطلاق من الزوج على زوجته إلا من بالغٍ عاقلٍ مُختار للطلاق، واعياً ما يقول ويفعل، حيث لا يقع الطّلاق من مُكرَه، ولا مجنون، ولا غضبان لا يدري ما يقول، كما أنّه لا يقع من المُخطئ، والغافل، والناسي، والمجنون ونحوهم.

إنّ أبغضَ الحلالِ عند الله الطّلاق

ورد أنّ هذا الحديث مرويٌ عن النبيّ-صلّى الله عليه وسلّم- ومتداول على أنه صحيح، كما يستشهد الكثير من الناس به ويستدلون به على منع الطلاق وربما تحريمه، وبعد تدقيق العلماء في سند الحديث تبين أنه حديثٌ ضعيف، ولا يصلح للاستدلال به فقهاً، وقد ورد بروايات عدة كلُّها ضعيفة، وتخريجه هو كالآتي:سنن أبي داود، كتاب كراهيّة الطّلاق: 2/238، بتصرّف.

  • رواه جماعة من الرّواة عن معرف عن محارب عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مُرسلاً، والمرسل يعني فيه ضعف.
  • رواه أحدهم عن معرف عن محارب عن ابن عمر عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- مُتصلاً.
  • رجّح الأئمّة “إرساله”؛ لأنّ الذين أرسلوه ثقاته أكثر من الذين جعلوه متصلاً، أو قد وصله واحد فقط، وهذا يعني أنه غريبٌ وضعيف، هذا بالنّسبة للسند الموصل إلى المتن.
  • أمّا من حيث المتن فإن كان الحديث صحيحاً على وجه الافتراض، فيُحمل حينئذٍ على المعنى المجازي أيْ ليس المراد بغض الطّلاق بعيْنه، وإنّما بغض ما يترتب عليه من سلبيّات، وأولها دمار الأسرة، رغم أنّه مباحٌ شرعاً إلّا أنّه لا يكون إلا للضرورة القصوى، وأن يكون من آخر القرارات التي يلجئ إليها الزوج بعد الزجر والتأنيب والهجر في المضجع والضرب غير المبرح إن لزم الأمر، أما إن ظن الزوج أنّ الحياة ستصبح أفضل بعد الطلاق بوجود قرائن دالة على ذلك، كضعف الوازع الديني والأخلاقي، يكون الطّلاق من حقّه حينها.
قد يهمك هذا المقال:   أجمل دعاء

حُكْم الطّلاق

الطّلاق وإن كان في أصله جائزاً، إلّا أنّه يتغيّر بتغيّر الأحوال، وذلك بحسب حال الزوج أو الزوجة وقت إيقاع الطلاق والسبب المُلجئ له، وبيان ذلك فيما يلي:عمرو سليم، الجامع في أحكام الطّلاق: 17، بتصرُّف.

  1. الطلاق يكون محرماً: إن كان في فترة الحيض أيْ الطّلاق البدعيّ، أو بدون وجود شهود ونحوه، ولكن هذا الطلاق بالرغم من أنه مُحرَّم إلا أنه يقع، ويُنقِص من عدد الطلقات.
  2. الطلاق يكون مكروهاً: إن كان بدون سببٍ أو مبررٍ شرعي.
  3. الطلاق يكون واجباً: الطلاق الواقع في التفريق بين الزوجين للشّقاق والنزاع، أو إن خيف على المرأة الفتنة، أو خيفت الفتنة بسبب المرأة، أو إن فسدت المرأة فساداً دينيّاً بيّناً.
  4. الطلاق يكون جائزاً: إذا كان استمرار الحياة الزوجية يؤدي إلى مفسدةٍ راجحةٍ للزوجين، وكان الطلاق حلاّ لتلك المفاسد.

آثار الطّلاق

سلبيّة على المرأة، والرّجل، والأبناء، ومن هذه الآثار:عربي عيسى، بحث: ، بتصرّف.

  • آثار الطّلاق على الرّجل: الضّرر الواقع عليه من كثرة التبعات الماليّة، كمؤخر المهر، ونفقة العدّة، ونفقة الأبناء، عدا عن الضّرر النّفسي الذي سيلحق به من ، وانعزال، والخضوع للأوهام والشّك والريبة، مما يجعله أقل إنتاجاً في المجتمع.
  • آثار الطّلاق على المرأة: المرأة المطلقة تصبح مُدانةً للمجتمعات التقليديّة، كوْنها الجنس الأضعف، والجميع تصبح نظراته نحوها مُريبة، كما أنّ معاناتها تكون أكثر من الرجل، وألمها يدوم، لأن عاطفتها أقوى، وغير ذلك قد تزيد الأعباء الماليّة عليها، مما يجعلها من أكثر الأطراف تضرراً من الناحية الاقتصاديّة، مما يؤدي إلى انخفاض المستوى المعيشي لها.
  • أثر الطّلاق على الأبناء: إن الأسرة تتفكك بعد الطلاق، مما يجعل الطفل فاقدًا للحنان والأمان، ويصيبه شعورٌ بانعدام الثقة، مما يؤدّي إلى تصرّفات غير سليمة، ومما يجعله أيضاً أكثر انهزاماً، وأقلّ تطوّراً، وعدم الإشراف المباشر على الأولاد من قبل الوالديْن يعطي مجالاً لهم للتشرُّد، واحتراف مهن مُحرّمة أو الوصول للانحراف والجريمة.
قد يهمك هذا المقال:   كم عدد الأنبياء

مسائل في الطّلاق

من المسائل التي يسأل عنها الكثير من الناس في الطلاق ما يلي:

  1. الطلاق المكرر في نفس المجلس: إن طلَّق الرجل زوجته ثلاث طلقات في نفس الجلسة فإنّها تقع ثلاثاً عند المذاهب الأربعة، وشذّ ابن تيمية في ذلك فاشترط تعدُّدَ الجلسات، لذلك تقع عنده الطلقة بلفظ الثلاث طلقةً واحدة بخلاف ما ذهب إليه الفقهاء الأربعة.
  2. طلاق الحائض: يقع عند الجمهور، ولا يقع عند ابن تيمية. مسائل في الطّلاق: فقه ويب.
  3. إذا طلّق رجل امرأته بدون شهود: لا يُشترط وجود شهودٍ على الطلاق، وإن أوقع الزوج الطّلاق ثم أنكر، فهنا يقع في الكذب وحسابه على الله.
  4. لا يقع الطلاق بمجرد النيّة: أيْ نوى أن يُطلّق زوجته ولكن لم يتلفّظ به. مسائل في الطّلاق: ابن باز.

المراجع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *