اثار الطلاق على الاطفال
عندما تتفاقم المشاكل بين الوالدين، فإنّ أكثر سؤال يتكرّر في أذهانهم: هل يجب أن نبقى معًا من أجل الاطفال؟ أم أنّ الطلاق أفضل؟ بالإضافة إلى أنّ الوالدين يكون لديهما الكثير من المخاوف حول المستقبل، والوضع المعيشيّ، ومع من سيكون الاطفال، يكون أكثر خوفهم على تأثير هذا الطلاق على الاطفال، وكيف سيتعاملون معه؟
يقول الباحثون إنّ جميع الاطفال يتأثّرون بالطلاق، ولكنّ بعض الاطفال يتأقلمون بشكل أسرع من غيرهم مع الانفصال، ويُمكن للآباء اتّخاذ خطوات لتقليل الآثار النّفسيّة للطّلاق على الاطفال، واتّباع بعض الاستراتيجيّات التي تُخفّف من عبء هذه المشكلة عليهم.
السّنة الأولى بعد الطلاق هي الأصعب
ارتفعت معدلّات الطلاق في جميع أنحاء العالم على مدى العقود القليلة الماضية. ووجد الباحثون أنّ مُعظم الاطفال يُعانون خلال السّنة الأولى والثّانية أكثر من غيرها، ويعاني الاطفال من الضّيق، والقلق، والغضب، ولكنّ بعض الاطفال لا يمرّون بهذه الأعراض، ويعتادون على حياتهم الجديدة من دون تعقيدات تُذكر، ولكنّ بعض الاطفال لا يتأقلمون أبدًا مع حياتهم الجديدة، وتواجه هذه النّسبة من الاطفال مشاكل مدى الحياة بسبب طلاق والديهم.
تأثير الطلاق على عواطف الاطفال
يخلق الطلاق اضطرابًا عاطفيًّا لجميع أفراد العائلة، ولكن بالنّسبة للأطفال يمكن أن يكون الوضع مخيفًا إلى حدٍّ كبير، ومربكًا ومحبطًا أكثر من غيرهم، فقد لا يتفهّم الاطفال سبب غياب أحد والديهم عن البيت، أو قد يشعرون بالقلق لأنّ والديهم توقّفوا عن حبّ بعضهم، وقد يتوقّفون عن حبّهم في يوم من الأيّام. بالنّسبة للأطفال الأصغر سنًّا قد يعتقدون أنّ الطلاق كان بسببهم، وقد يخشون من سوء التّصرّف، أو قد يفترضون أنّهم فعلوا شيئًا خاطئًا. أمّا المراهقون سيكونوا غاضبين جدًّا من الطلاق، والتّغيّرات التي تأتي بعده، وربّما يضعون اللّوم في الانفصال على أحد الوالدين أو كليهما. ولكن في حالات نادرة يكون الطلاق مريحًا بالنّسبة للوالدين وللأطفال فقط إذا يُخفّف من المشاكل والصّراعات اليوميّة.
التّغييرات المرتبطة بالطلاق
غالبًا ما يفقد الاطفال بعد الطلاق الاتّصال اليوميّ مع أحد الوالدين، وغالبًا ما يكون الأب، وهذا يجعل الاطفال أقلّ قربًا من الأب، كما أنّ انضباط الاطفال بعد الطلاق يُصبح أقلّ ثباتًا وأقلّ فاعليّة. بالنّسبة للأمّ فإنّها تتحمّل العبء الأكبر وهو النفصال وتربية الاطفال، وغالبًا ما تُصبح الأمُّ أقلّ حنانًا، وأقلّ دعمًا للأطفال بعد الطلاق.
- العائلة الجديدة بعد الطلاق: إنّ العديد من الآباء والأمّهات يتزوّجون بعد الطلاق، وهذا يعني أنّ على الاطفال تحمُّل الاعتياد على التّغيّرات العائليّة الجديدة، إمّا مع زوجة الأب، أو زوجة الأمِّ، والاطفال الجُدد بعد ذلك، وقد لا يعني الزّواج الثّاني الاستقرار؛ لأنّه غالبًا ما ينتهي بالانفصال ولا يكون ناجحًا، ويعود الاطفال لصدمة الانفصال مرّة أخرى.
- الطلاق يُسبّب مشاكل عقليّة ويزيد من الاضطرابات السّلوكيّة: من المُحتمل أن يزيد الطلاق من فرصة الإصابة بمشاكل الصّحّة العقليّة عند الاطفال والمراهقين، بغضّ النّظر عن العُمر، والجنس، ومستوى التّعليم، وأكّدت دراسات مُتعدّدة أنّ الاطفال يُعانون من مشاكل عقليّة بعد الطلاق، مثل الاكتئاب والقلق المتزايد.
عندما ينتمي الاطفال إلى عائلتين مختلفتين بعد الطلاق، فإنّ مشاكلهم تتزايد مع المحيطين حولهم بشكل ملحوظ. قد يُعاني الاطفال بعد الانفصال من السّلوك الاندفاعيّ، أو الجنوح مثل إدمان المخدّرات، أو التّدخين، أو الهرب من المدرسة، بالإضافة إلى الصّراع المُتزايد مع أقرانهم. كما يؤثّر الطلاق على المستوى الدّراسيّ لأطفال العائلات المُطلّقة؛ إذ لا يكون أداؤهم جيّدًا في المدرسة، ويُسجّلون مُعدّلات متدنيّة مقارنة بأطفال غير المُطلّقين، كما يرتبط الطلاق بارتفاع معدّلات التّغيُّب عن المدرسة، والتّسرُّب منها. وهذه المشاكل بالنّسبة لعدد قليل من الاطفال قد تمتدُّ معهم حتّى مرحلة البلوغ، ولا يتخلّصوا من آثارها أبدًا.
نصائح لتقليل الأثر النّفسيّ للطّلاق على الاطفال
لعلّ تجنُّب الطلاق والعيش بسلام، هو أفضل طريقة لتجنُّب المشاكل النّفسيّة المترتّبة عليه بالنّسبة للأطفال، ولكن إذا استحالت الحياة معًا من الأفضل اتّباع نصائح وإرشادات للتّخفيف من آثاره السّلبية قدر الإمكان:
- عدم إبقاء الطلاق سرًّا: إنّ الكشف عن الطلاق في اللّحظة الأخيرة يمكن أن يربك لأطفال ويصدمهم، لذلك يجب الحديث معهم حول الموضوع بهدوء، وإخبار الطّفل بأنّ الوالدين قرّرا العيش منفصلين، وأنّه ليس مذنبًا في هذا، ولا يجب إلقاء اللّوم في هذا على أحد الوالدين، وعند إخبار الطّفل يجب أن تكون الكلمات صادقة، واختيار أسلوب لطيف للحديث.
- الاستمرار في التّشاركيّة: أكّدت الأكاديميّة الأمريكيّة للطّبِّ النّفسيّ للأطفال والمراهقين، إنّ الاطفال يكونون بحال أفضل عندما يستمرُّ الوالدان في المشاركة في تربيتهم بعد الطلاق، بدل استمرار إلقاء اللّوم على الآخر في كُلِّ مرّة، مثلًا يجب إخبار الاطفال بأنّ الطلاق لا ينبغي أن يؤثّر على حياتهم، وعليهم الاستمرار في ممارسة أنشطتهم المعتادة، مثل الذّهاب إلى المدرسة والنّوادي، واللّعب مع أقرانهم، وحضور الحفلات العائليّة المعتادة.
- تجنب النّزاعات بشأن الحضانة: إنّ النّزاع بشأن حضانة الاطفال بعد الطلاق خلاف قانونيٌّ يستغرق وقتًا طويلًا، ويعتبر الاطفال هذه المدّة مرهقة ومُتعبة وخاصّة عندما يُطلب منهم اختيار مع من سيبقون بعد الطلاق، ولمنع هذا الألم النّفسيّ يجب إبعاد الطّفل عن هذه النّزاعات قدر الإمكان، وقبل الطلاق يجب مناقشته مع من سيبقى، ومتى سيزور الطّرف الآخر، من دون أيّ ضغوط أو التّعرّض لمشاكل الحضانة القانونيّة.
- عدم منع الطّفل من زيارة الطّرف الآخر: عندما يقع الطلاق، وينفصل الوالدين ويبقى الاطفال مع أحدهم، لا يجب على الآخر منعهم من زيارته، ويجب الحفاظ على الرّوابط الأسريّة مهما كان حجم المشاكل قبل الطلاق، لأنّ الطّرف الآخر هو أيضًا والد الطّفل وله نفس الحقِّ في رؤية الطّفل، وتربيته، وللأطفال حقٌّ في الحصول على الحبِّ والتّربية من الوالدين بنفس المقدار حتّى لو لم يكونوا جميعًا تحت سقف واحد.
- تعلّم مهارات جديدة: على الوالدين تعلُّم مهارات جديدة لمساعدة الطّفل على التأقلم مع الوضع الجديد بعد الطلاق، مثل مهارات حلّ المشاكل، ومهارات إدارة الأفكار والمشاعر، وتقويم السّلوكات بطريقة صحيحة، واستخدام انضباط مُتشابه في البيتين؛ لأنّ وضع قواعد مناسبة بحسب مرحلة الطّفل العمريّة تُقلّل من انحراف الطّفل، وتحسّنُ من أدائه الأكاديميّ.