أشهر علماء الفيزياء العرب
برع الكثير من قديمًا في مجالات الفيزياء المختلفة؛ فقد بنوا على عدد من النظريات والمعارف القديمة، وقدَّموا معارف جديدة لم تكن معروفةً من قبل، على سبيل المثال: قدَّم تيارات جديدة في علم السكون (الاستاتيكا) وتتبعوا تيارات قديمة في العلم نفسه. وقد وصل إلينا أكثر من ستِّين مؤلفًا في علم السكون من الشرق في القرون الوسطى معظمها مكتوب باللغتين العربية والفارسية.
تدور الكثير من هذه المؤلفات حول “علم السكون التطبيقي” أو ما عُرِف بـ(علم الحِيَل)، منها كتاب الحيل لأبناء موسى من القرن التاسع الميلادي، ومنها كتاب (في معرفة الحيل الهندسية) للجزري من القرن الثاني عشر الميلادي.
ومن روائع الكتب، التي تناولت علومًا فيزيائية، كتاب (معيار العقل) لابن سينا، إذ كتب فيه فصولًا عن الميكانيكا، وموسوعة الخوارزمي (مفاتيح العلوم)، إذ شملت فصلًا كاملًا مكرَّسًا للميكانيكا.
ثمة أعمال أخرى ذات طبيعة نظرية لكنها كانت أقل عددًا، منها كتاب (ميزان الحكمة) للخازني، الذي عُدَّ في علم السكون بالشرق في العصور الوسطى.
ومن العلوم الفيزيائية التي برع بها المسلمون أيضًا تحديد الوزن النوعي للمعادن؛ إذ وضعوا حلولًا نظرية وتطبيقية لهذه المسائل، ونظريات الرافعة ومركز الثقل والتوازن وثباته والهيدروستاتيكا والبصريات.
تتضمن الأقسام التالية من المقالة بعض المعلومات عن أشهر علماء الفيزياء العرب بإيجاز، إذ لا نستطيع إيفاءهم حقَّهم وتقديرهم في سطور قليلة.
موسى بن شاكر وأبناؤه
عاش موسى بن شاكر في عصر الخليفة المأمون، وفي بلاطه كان مسؤولًا عن شؤون الفلك. تمكَّن من قياس محيط الأرض بدقَّة بتكليفٍ من المأمون. نشأ أبناؤه بعد وفاته في بلاط المأمون أيضًا، وتعلَّموا في بيت الحكمة ببغداد، فنشأوا علماء عُرِفوا عبر التاريخ ببني موسى بن شاكر؛ فبرع أبو جعفر محمد في الهندسة والنجوم، أما أحمد فكان متخصصًا في الهندسة الميكانيكية (أو ما كان يُعرَف بصناعة الحِيَل) وله عدَّة اختراعات في هذا المجال، وأخيرًا برع الحسن في الهندسة.
تمكَّن الإخوة من تطوير عدة أدوات وآلات متحركة، واخترعوا آلات زراعية، وطوَّروا أنظمة نوافير، وآلات منزلية وألعاب، ورافعات للأثقال، كما أبدعوا في علم الحساب وعلم الفلك، وتمكنوا من وضع طريقة لرسم الأشكال الإهليلجية وحساب السنة الفلكية الفارسية، ورصدوا الكواكب السيارة.
شرحوا تجاربهم في أحد أشهر كتب الميكانيكا عبر التاريخ وهو (كتاب الحيل).
الجزري
الجزري عالمٌ مسلم من القرن الثاني عشر الميلادي، يُعدُّ من أعظم المخترعين والمهندسين في التاريخ.
اسمه بديع الزمان أبو العز بن إسماعيل بن الرزاز ولقبه الجزري؛ وُلِد في جزيرة ابن عمر عام 1206، وعمل لدى بلاط حكَّام ديار بكر الواقعة شمال الجزيرة الفراتية؛ إذ أُتيحت له الفرصة ليُصبح كبير المهندسين لديهم؛ فأبدع في تصميم آلاتٍ ميكانيكية عملية مهمة لم تكن معروفةً من قبل، كآلات رفع الماء والساعة المائية وأنظمة تحكم ذاتي دقيقة جدًّا، كما وضع كتابًا بعنوان (كتاب في معرفة الحيل الهندسية) ضمَّنه الكثير من الرسومات التوضيحية لآلاته مع شروحات عن كيفية عملها، كما ألَّف كتابًا آخر على النمط نفسه وعنوانه (الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل)، وتُعدُّ ساعة الفيل إحدى أعظم اختراعاته.
الحسن بن الهيثم
يُعدُّ ابن الهيثم “أبا علم البصريات”، وإسهاماته العلمية في الرياضيات والفيزياء التجريبية والهندسة وطب العيون مهمة جدًّا، ولم يسبقه إليها أحد؛ فقد كان ابن الهيثم أول من شرَّح العين البشرية، وشَرَح وظائف أعضائها، كما صحَّح المفاهيم المتعلقة بالبصريات والضوء التي توارثتها الأجيال عن العلوم ، إذ كان الاعتقاد قديمًا بأنَّ العين تُصدر ضوءًا يسقط على الأشياء فنراها، لكنه دحض هذه النظرية وأثبت أن الضوء يسقط على الأشياء فتنعكس إلى العين فنراها.
وضع نظريات انعكاس الضوء وانكساره، والتي مهَّدت لاختراع الكاميرا؛ فهو من اخترع الكاميرا ذات الثقب التي يقوم مبدأها على الانعكاس والانكسار، وقد شرح نظرياته العلمية هذه في كتابه (المناظر)، الذي لا يزال مرجعًا علميًّا إلى الآن.
ابن سينا
على الرغم من أن ابن سينا يُعدُّ طبيبًا في المقام الأول، إلا أن إسهاماته العلمية الأخرى لا تزال تُذكَر؛ فقد ألَّف في الرياضيات الكتب التالية: مختصر إقليدس، مختصر المجسطي، مختصر علم الهيئة، مختصر الأرتماطيقي، رسالة الزاوية، رسالة في بيان علَّة قيام الأرض في وسط السماء. كما ألَّف في الطبيعيات: رسالة في إبطال أحكام النجوم، رسالة في الأجرام العلوية، أسباب البرق والرعد، رسالة في الفضاء، رسالة في النبات والحيوان. ويُقال إنه وضع قانون الحركة الأول الذي يُشتهَر بقانون نيوتن الأول نسبةً إلى إسحاق نيوتن.
الخوارزمي
الخوارزمي و من مدينة خوارزم في أوزباكستان حاليًّا، عمل في بيت الحكمة ببغداد في عهد الخليفة المأمون، الذي عهد إليه برسم خريطة الأرض.
ألف كتبًا عديدة تُعدُّ مراجع مهمة في الرياضيات والجغرافيا والفلك، وتُرجِمت إلى اللغة اللاتينية ودُرِّست في جامعات أوروبا، أهمها كتاب صورة الأرض، وكتاب الجبر والمقابلة، وكتاب مفاتيح العلوم الذي ضمَّنه الخوارزمي فصلًا كاملًا عن الميكانيكا؛ فقد كتب عن الساعات الشمسية وعن استخدام الاسطرلاب.
الخازني
الخازني عالم فيزيائي وأحيائي وكيميائي، اسمه عبد الرحمن الخازني ولقبه “أبو الفتح”، وهو من مدينة مرو الواقعة حاليًّا في تركمانستان.
كان الخازني بارعًا في صناعة الآلات العلمية اعتمادًا على “قانون اتِّزان الموائع”، وأجرى العديد من الدراسات في قوى اتِّزان الموائع الساكنة وتركيبها، كما وضع نظريات فيزيائية أخرى في موضوع قوى الاحتكاك. لخَّص نظرياته في كتابه المهم هو (ميزان الحكمة) في القرن الثاني عشر الميلادي، ووصف فيه أيضًا الآلات التي اخترعها من سبقوه (كالدورق المكثَّف الذي اخترعه البيروني) والآلات التي طوَّرها بنفسه كموازين القياس وآلات الموائع.
تمكَّن الخازني من تحديد الأوزان النوعية لـ50 مادةً بطريقةٍ تجرييبة وبدقةٍ كبيرة، منها المعادن والأملاح والصخور والصلصال وغيرها، كما اكتشف أن كثافة الماء تزيد كلما كان أقرب إلى مركز الأرض.
البيروني
أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني، عالم مسلم من مدينة خوارزم في أوزباكستان حاليًّا. كان عالمًا رياضيًّا وفيزيائيًّا في المقام الأول، إضافةً إلى كونه كاتبًا موسوعيًّا ومؤرخًا وعالم فلك وصيدلة.
له مؤلفات عديدة علمية وتاريخية وفلكية، وقد أسهم في حساب الفرق بين سرعتي الضوء والصوت، وبحث في حسابات خطوط الطول والعرض ودوران الأرض، كما حدَّد الكثافة النسبية لبعض المعادن بدقِّةٍ كبيرة، كالحديد والزئبق، وغيرهما.