البندقية
هي واحدة من أشهر المدن السياحية في العالم عمومًا، وفي دولة إيطاليا بشكل خاص. ينجذب إليها السياح من كل حدبٍ وصوب، ويقصدها الكتاب والشعراء الذين وصفوها بمدينة السحر والجمال، وبعضهم أكد أنها تشع بالرومانسية، وهو ما أسهم في شهرتها عالميًّا، كونها تتميز بالفن المعماري ذي الطراز الرفيع، منذ بنائها في القرن الخامس.
البندقية.. أين تقع؟
تقع البندقية تحديدًا في شمال إيطاليا، وهي أكبر المدن داخل إقليم فينيتو، كما أنها عاصمته الكبرى؛ إذ تبلغ مساحتها الكلية 414 ألف كيلومتر مربع.
ترتفع البندقية عن سطح البحر نحو خمسة أمتار، وتتمركز تلك المدينة الخلابة في الجزء الشمالي الغربي للبحر الأدرياتيكي، الموجود بمنطقة غرب شبه جزيرة ، وشمال البحر الأبيض المتوسط، وتقع أيضًا البندقية على بحيرة فينيسيا، التي تبعد عن مستنقعات جيسولو الشمالية بما يقرب من 51 كيلومترًا.
ومن التي تقترب كثيرًا في موقعها من البندقية، سلوفاكيا وكرواتيا والنمسا. وفيما يخص إحداثيات الموقع الخاص بالبندقية في خط العرض خمسة وأربعين، فاصل أربعة وأربعين في المئة، أما خط الطول فبنسبة اثني عشر، فاصل ثلاثة وثلاثين في المئة.
نظرة على تاريخ البندقية وتأثير الدوق إنريكو
أُسِّست البندقية عام 800 قبل الميلاد، داخل بيئة نهرية تعج بالمستنقعات، وبعض المؤرخين يشيرون إلى احتمالية وجود تجمعات بشرية بها وقت عصور ما قبل التاريخ، عاشوا هم ومن جاء بعدهم على الصيد البري والبحري، والذي كان منتشرًا في وقت ما قبل الحضارة الرومانية – عهد الفينيقيين القدماء.
إبان العصور الوسطى، كانت البندقية من المدن التي تتمتع بحكم ذاتي، حتى أنها كانت معروفةً باسم جمهورية البندقية، كما أنها كانت أحد أهم المرافئ التجارية لقارة أوروبا، لما بها في ذلك العصر من قوة بحرية مشهود لها بالكفاءة.
وفي عام 1189، عقد حاكم البندقية الدوق إنريكو داندلو صفقةً مع بابا الفاتيكان أنوسنت الثالث، الذي شنَّ الحملة الصليبية الرابعة، تقضي بتدبير سفن للصليبيين في حالة توفير المساعدة للبندقية في احتلال بلدة زارا الموجودة بإقليم دالماتيا الكرواتي، وهو ما تم بالفعل بعدها بثلاث سنوات.
مساعدات الصليبيين التي تلقاها الدوق إنريكو حاكم البندقية أهلته للسيطرة على كل المواقع التجارية المجاورة لبلاده، وأيضًا الجزر المهمة في بحر إيجة ومضيق البوسفور، وكذا مضيق الدردنيل، ومع الوقت أصبحت البندقية واحدةً من أقوى البلدان الأوربية من ناحية العتاد البحري والاقتصاد.
نالت مدينة البندقية استقلالها -أو بالأحرى استقلالها سياسيًّا واقتصاديًّا- بفضل دورها البارز في التجارة العالمية، كل هذا على الرغم من كونها معزولةً بحكم موقعها البحري شرق إيطاليا، لكن بالعلاقات الموسعة مع دول ومناطق الجوار استطاعت أن تمد أطرافها وتضم الكثير من قطع الأراضي المجاورة إلى حيازتها، وهي المعروفة إنجليزيًّا باسم “تيرافيرما” وعربيًّا بـ”الأرض الجافة”، الممتدة من شبه جزيرة إستربان من ناحية الشرق، حتى حدود ميلانو من الجهة الغربية، ومن نهر بو جنوبًا، وصولًا إلى جبال الألب من جهة الشمال.
وفي بداية القرن السادس عشر، شرعت البندقية في إقامة نهضة شاملة على أراضيها من خلال استصلاح الأراضي الجافة التي كانت تعوق الأمور السياحية والمعيشية أيضًا، حتى استقرت الأمور في البندقية تباعًا، تمهيدًا لتكون إحدى أشهر البلدان على مستوى السياحة العالمية.
العرب والبندقية
أطلق العرب قديمًا على مدينة فينيسيا خلال حكمهم اسم البندقية، نسبةً إلى لقب بونودوتشيا الدوقية الجميلة، أما في السابق فكان اسم فينيسيا يُستخدَم للدلالة على كل الأراضي التابعة للإقليم، وذلك قبل خضوع المنطقة بكاملها للحكم الروماني.
مناخ البندقية
تتمتع البندقية بمناخٍ رطب شبه مداري، شتاؤها بارد، وصيفها به الكثير من الدفء، في حالةٍ أقرب كثيرًا إلى مناخ سهل بادانا، ذلك المناخ تستمده البندقية من قربها إلى البحر؛ إذ إن أدنى دراجات الحرارة بها في فصل الشتاء هو ثلاث درجاتٍ مئوية، أما درجة الحرارة القصوى في فصل الصيف فمتوسطها هو 24 درجةً مئوية.
وفيما يخص الأمطار في البندقية، فتصل إلى ذروتها في فصلي الربيع والخريف، بالإضافة إلى العواصف الصيفية المتكررة، وبالنسبة إلى الثلوج فإنها سرعان ما تذوب، كما أنها لا تهطل كثيرًا أو بشكل منتظم.
السياحة في البندقية
المناخ الساحر، والطبيعة الخلابة التي تتمتع بها البندقية، ليسا أهم ما يميزانها سياحيًّا؛ فهناك الكثير من المزارات المهمة التي يقصدها السياح من شتى بقاع الأرض، نذكر منها التالي:
- متحف الفنون الجميلة
متحف مهم في البندقية، يضم عددًا من اللوحات الفينيسية قديمة الأثر، والتي يعود أصل بعضها إلى القرنين الخامس عشر والسادس عشر، مثل لوحة سانت جيروم، وأيضًا الأعمال التي تحمل توقيع الفنانين الكبار، منهم جيامباتيستا تيبولو.
- جسر التنهدات
جسر شهير بالبندقية ويسهل الوصول إليه سيرًا على الأقدام، يقع في آخر الواجهة الخاصة بالقصر إلى جوار القناة الكبرى.
- كاتدرائية القديس مارك
تشتهر تلك الكنيسة باحتوائها على المجوهرات البيزنطية التي أتى بها حكام البندقية بعد سقوط القسطنطينية، وتضم الكاتدرائية أيضًا الفسيفساء المطعمة بالذهب الخالص، والذي يغطي جدران الكنيسة من الداخل والخارج.
- قصر دوجي
يُعدُّ قصر دوجي واحدًا من أهم مباني البندقية وأجملها، بل مباني أوروبا عمومًا. كان هذا القصر في السابق مركزًا للحكومة، خلال الفترة التي سُمِّيت فيها مدينة البندقية بجمهورية البندقية، وقتها كان قصر دوجي عبارةً عن حصنٍ خشبي تعلوه أبراج دفاعية تمتاز بالقوة، وبمرور الوقت، وبعد أن حُرِق الحصن، تحول إلى قصر يحمل الطابع البيزنطي، أما الآن فهو متحف من أجمل المتاحف، وأحد عناصر الجذب السياحي المهمة التي تعتمد عليها مدينة البندقية.