الثورة الفرنسية

الثورة الفرنسية

تُعدُّ خلال القرن الثامن عشر الميلادي، من الأحداث التي شكلت معالم التاريخ الحديث في أوروبا والعالم ككل، فقد أسهمت في إبراز مفاهيم جديدة كمفهومَي الديمقراطية وحقوق الإنسان، كما أنها تُعدُّ ثورةً سياسية وفكرية واقتصادية، واجتماعية، فمن الزاوية السياسية؛ غيرت الثورة الفرنسية نظام الحكم في ، وشكلت طفرةً وتطورًا في الفكر السياسي بالقارة ككل، ومن الناحية الفكرية، تُعدُّ الثورة الفرنسية بلورةً لأفكار عصر الأنوار التحررية خلال القرن الثامن عشر الميلادي، وتطبيقًا عمليًّا للتنظير الفكري التحرري لمفكرين كُثر، من بينهم:

  • “جون جاك روسو” الذي دعا في كتاباته إلى التحرر من القيود الفيودالية وإلى المساواة أمام القانون في إطار حكومة ديمقراطية، كما انتقد أشكال الاستغلال الذي كانت تتعرض له الكثير من الفئات الشعبية.
  • “فولتير” الذي دعا الى المساواة بين جميع فئات المجتمع الفرنسي، منتقدًا التراتبية والهرمية الاجتماعية في فرنسا قبل الثورة.
  • “مونتسكيو” الذي طالب في كتابه (روح القوانين) بفصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية)؛ إذ كانت فرنسا تقبع تحت نظام ملكية مطلقة.

أما إذا نُظِر إلى الأمر بعينٍ اقتصادية؛ فمن البديهي أن تُستنتَج أهمية المحرك الاقتصادي في كتابة سيناريو الثورة الفرنسية، إذ إن الأزمات التي تعرضت لها فرنسا ما قبل الثورة، من جرَّاء إغلاق المصانع، وإثقال كاهل الفئة الثالثة بالضرائب (البرجوازية، العمال، الفلاحين، الحرفيين) مقابل إعفاء فئتي النبلاء والإكليروس (رجال الدين المسيحيين) من الواجبات الضريبية، أدى إلى إعلان اندلاع الثورة الفرنسية.
كما أن الجانب الاجتماعي للثورة الفرنسية يتجلى في ظهور طبقات اجتماعية جديدة، واستحواذ فئات دون أخرى على الحكم وعلى الموارد الاقتصادية للبلاد، مما أدى إلى إفقار طبقات مقابل تكديس الثروة لصالح أخرى.

قد يهمك هذا المقال:   حدد الهرمونات النباتية وصنفها بناء على تأثيراتها في النباتات؟

ظروف اندلاع الثورة الفرنسية

كان المجتمع الفرنسي مجتمعًا هرميًّا يتشكل من ثلاث فئات اجتماعية في ظل نظام إقطاعي، وكان محكومًا بشكل مطلق من قبل الملك الذي يستند في حكمه المطلق إلى “الحق الإلهي” (بمعنى أن للملك الحق في الحكم المطلق بتفويض من الإله)، تليه فئة النبلاء والإكليروس، ليقبع بعدهم في أسفل الهرم بقية أفراد الشعب الفرنسي من الفئة الثالثة.
عرفت فرنسا أزمةً اقتصادية انطلقت من البوادي والقرى فيما بين 1778م و1789م، وكان ذلك نتيجةً لتراجع الإنتاج الفلاحي بسبب ندرة الأمطار خلال هذه الفترة، مما تسبب في ارتفاع أسعار المنتجات الفلاحية، الأمر الذي أدى إلى حدوث المجاعات، وقد انتقل تأثير هذه الأوضاع المزرية في البوادي إلى المدن الفرنسية؛ إذ تدهورت الحرف والتجارة وانتشرت البطالة، فالمواد الصناعية الأولية التي ترد من البوادي أضحت قليلة، وبذلك عجز السكان عن ، فتراجعت مداخيل الدولة وتضررت ماليتها.
في ظل هذه الظروف الاقتصادية والاجتماعية المزرية، قرر الملك لويس السادس عشر تعميم الضرائب على كل الفئات الاجتماعية، فاستدعى مجلس الهيئات العامة (البرلمان الفرنسي آنذاك، وكان يضم الفئات الثلاث التي ذُكِرَت)، غير أن القرارات التي خرجت بها فئة النبلاء والإكليروس قوبلت بالرفض، وقد تمثلت هذه القرارات في إسقاط الضرائب عنهم، وتعميمها فقط على مكونات الفئة الثالثة، مما أدى إلى انتفاضةٍ قادتها هذه الفئة انطلقت شرارتها من البوادي، وكونت أعضاءالهيئة الثالثة (الجمعية الوطنية) التي ستصبح برلمانًا للشعب الفرنسي، لتصل في نهاية المطاف الثورة إلى في الرابع عشر من يوليو لسنة 1789م.

مراحل الثورة الفرنسية

امتدت الثورة الفرنسية لعشر سنوات، لتعلن القطيعة مع نظام الملكية المطلقة، وقد مرَّت عبر ثلاث مراحل أساسية، وهي:

  1. مرحلة الملكية الدستورية (نظام يقوم على حكمٍ ملكي استنادًا إلى الدستور الذي يشرعه البرلمان): تبتدئ منذ سيطرة الثوار على حصن سجن الباستي بمدينة باريس في يوليو سنة 1789م، ليُعلَن بعد نجاح الثورة أول دستورٍ لفرنسا، ويُصدَر قانون القضاء على الامتيازات الفيودالية القديمة، وأيضًا إصدار بيان حقوق الإنسان والمواطن من قبل الجمعية الوطنية.
  2. مرحلة الجمهورية الثورية (نظام يقوم على حكم جمهوري، غالبًا يتميز بإعدام بقايا النظام القديم وتصفيتهم): تبتدئ منذ 1792م، وقد سُمِّيت هذه المرحلة بهذا الاسم نظرًا إلى بروز التيار الثوري، ومن بين أبرز قادته نجد المحامي الفرنسي ماكسيميليان روبسبير، الذي اشتغل في منصب رئيس بلدية باريس. وقد أعدم أتباع هذا التيار الملك لويس السادس عشر مع عائلته وكل المتورطين في استنزاف ثروات البلاد في ظل الإقطاعية القديمة. إلا أنه خلال هذه المرحلة لُوحِظ أن التيار الثوري المتصاعد كان متشدِّدًا حتى مع الفئات الأخرى التي شاركت في الثورة (خصوصًا البرجوازية).
  3. مرحلة الجمهورية المعتدلة (نظام يقوم على حكم جمهوري، يتميز بإعلان المصالحات الوطنية، وذلك للمضي قُدُمًا في بناء الدولة): ابتدأ منذ 1794م، وتميز بإسقاط التيار الثوري المتشدد من قبل البرجوازية التي سيطرت على الحكم ووضعت دستورًا جديدًا للبلاد، وأعدمت الكثير من قادة التيار الثوري، وعلى رأسهم روبسبير، وقد استطاعت البرجوازية أن تسيطر على الحكم بتحالفها مع الجيش ومساعدته لها. وبتحالف البرجوازية مع الجيش، أصبح هذا الأخير مقربًا من السلطة ومراكز القرار في البلاد، الأمر الذي أسهم في سطوع نجم ضابط في الجيش الفرنسي، سيقوم بانقلابٍ عسكري على الحكم سنة 1799م، واضعًا حدًّا لثورةٍ دامت لعشر سنوات، ألا وهو نابليون بونابرت.
قد يهمك هذا المقال:   تعداد سكان مصر

ما بعد الثورة الفرنسية

بعد قيام نابليون بونابرت بالانقلاب على الحكم البرجوازي، أُعْلِنت نهاية الثورة الفرنسية. وهكذا شهدت فرنسا أشكالًا متعددةً من أنظمة الحكم، فبعد الملكية المطلقة التي جمعت بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، أُنشئ أول دستور فرنسي معلنًا بدء نظام ملكي دستوري. وبإعدام الملك لويس السادس عشر، دخلت البلاد تحت حكم جمهوري ثوري، سيتمخض عنه حكم جمهوري معتدل بقيادة البرجوازية، إلا أن انقلاب نابليون بونابرت على الحكم أدخل البلاد مرحلة نظام حكم جديد تميَّز بكونه نظامًا إمبراطوريًّا توسعيًّا؛ إذ سيسعى إلى توسيع رقعة نفوذه التي ستصل إلى إيطاليا شرقًا، وأيضًا الكثير من البلدان العربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *