سُئل حاتم الأصم -رحمه الله- عن صلاته كيف يخشع فيها؟ فقال: “إذا أقبلتُ على صلاتي أقوم فأكبر للصلاة، فأرى الكعبة أمامي، والصراط تحت قدمي، والجنة عن يميني، والنار عن شمالي، وملك الموت ورائي، وأظنها آخر صلاة، فأكبر الله بتعظيمٍ، وأقرأ وأتدبر وأركع بخضوع وأسجد بخضوع، وأجعل في صلاتي الخوفَ من الله والرجاءَ في رحمته، ثم أسلم ولا أدري أُقِبلت صلاتي أم لا”. وقد عرَّف علماءُ اللغة الخشوعَ بأنه الركون والاستكانة، بينما رأى علماءُ الفقه أن الخشوع في هو الخضوع والتواضع، ورمي البصر إلى الأرض، وخفض الصوت، وسكون الأعضاء، وحضور القلب.
فضل الخشوع في الصلاة
امتدح اللهُ عبادَه الخاشعين المتذللين في العبادة لربهم في العديد من الآيات، وكذلك حدثنا صلى الله عليه وسلم عن فضل الخشوع في الصلاة، وأهميته للمسلم في تحصيل الأجر والثواب، ولما كان الخشوعُ دليلًا على وقار القلب وحضوره وخضوعه بين يدي المعز المذل كان له أعظم فضل ومنة من الله، ومنها:
- الخشوع سبب في استجابة الدعاء: قال الله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)} الأنبياء: 90 فالإسراع في الخير والخشوع كان سببًا في استجابة الدعاء له وتحقق المعجزة.
- الخشوع سبب للفلاح: الخشوع من صفات المؤمنين، يجلب الفلاح في الدنيا والآخرة، كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} المؤمنون: 1-2.
- الخاشع من السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله –وذكر منهم- ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه» عليه.
- الخشوع دليل على الاستعانة بالصبر والصلاة على قضاء الحوائج: قال الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} البقرة: 45.
كيف تخشع في صلاتك
ذكر العلماءُ العديدَ من الوسائل والأسباب التي تُعين العبدَ على الخشوع في صلاته؛ مما يثمر في القلب الورعَ والتقوى والخوفَ من الله واليقين والرجاء فيه، ومن هذه الوسائل:
- استحضار عظمة الله: وذلك بأن يشعر المصلي أنه يقف بين يدي الله يراقبه ويسمع منه كل ما يقول، وكل ما يفعل في صلاته، من خلال استحضار المعنى المقصود من الحديث: «إذا صليتم فلا تتلفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في الصلاة ما لم يلتفت»، وكذلك الآية الكريمة: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} الحديد: 4، فكيف يشاهده ملكُ الملوك وينصب وجهه تجاهه، ولا يخشع العبد أمامه ويخضع في تذلل أمام عظمته.
- حب الصلاة: وذلك عن طريق الانتقال من فكرة الواجب والفرض إلى فكرة “أنت على موعد مع الله”، مما يثمر في القلب حب الصلاة؛ فالمصلي على موعد مع الخالق مع رب العزة؛ مما يوقر في القلب حبها، وتجعل النفس سكونها وراحتها في الصلاة، كان صلى الله عليه وسلم يقول: «أرحنا بها يا بلال» احمد.