ندرك جيدًا أن هي فريضة فرضها الله على عباده من المسلمين، وأن الإنسان ينقطع عنه العمل بعد وفاته، فهل يجوز لأحدٍ من أهل المُتَوفَّى مثل ابنه أو زوجته أو أحد أقاربه أن يصليَ بعض الصلوات ويهديَ ثوابها للميت؟، وهل يُعدُّ هذا من الصدقة عليه؟ وما المقصود من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو ولد صالح يدعو له»؟ وما الذي يجوز إهداؤه للميت؟.
حكم الصلاة للميت
أجمع علماءُ الأمة على أن الصلاة هي فرضُ عينٍ على كل مسلم ومسلمة، لا يؤديها أحدٌ عن أحد، ولا يقوم بها غيرُ صاحبها، لأنها فرض عليه {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} 39؛ وأما ما ورد عن الصلاة عن الميت من أحد أقاربه بأن يصليَ أحدُهم ويهديَ ثواب صلاته للميت فهو بدعة محدثة في الدين لا أصل لها في الكتاب ولا السنّة، ولم تَرِد عن أحد من الصالحين، قال صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» البخاري ومسلم. هبة ثواب الصلاة للميت – كتاب: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
ما يجوز إهداؤه إلى الميت
- الصيام: وفيه أنه يجوز لمن مات وعليه صيام كأن كان مريضًا أو لا يقدر عليه؛ أن يؤدي عنه هذا الصيامَ وليُّه، والولي هنا من يرثه وذلك لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} الأنفال: 75، وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» عليه.
- الصدقة: وذلك بأن يتصدق أهل المتوفى عنه وهو جائز؛ لما ورد في صحيح البخاري من حديث أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ». افتلتت نفسها أي ماتت فجأة بدون مرض أو علة.
- الدعاء: وذلك بأن يدعوَ له ويستغفرَ عنه حتى يتجاوز اللهُ عن سيئاته، وهو مشروع بالكتاب والسنة قال الله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} 19، وما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» مسلم، والمعنى أنه يجوز الدعاء و للميت وينتفع به إن شاء الله تعالى.
- الحج: ينبغي لمن مات أبوه أو أمه وهو قادر على نفقة الحج أن يقضيَ الحج عنهما؛ ولكن بشرط أن يحج عن نفسه أولًا، لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس: أن امرأة من جهينة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: «نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء» البخاري. كذلك يجوز للمسلم الحج عن أخيه المسلم المتوفَّى وذلك لما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقول: لبيك عن شبرمة، قال: «من شبرمة؟» قال: أخ لي أو قريب لي، قال: «حججت عن نفسك؟» قال: لا، قال: «حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة» ابن ماجة.
معنى “أو ولد صالح يدعو له”
المعنى هنا أن يكون للميت ولدٌ مشهود له بالالتزام والاستقامة يؤدي الفرائض ويجتنب الكبائر حتى يعدّ من الصالحين، يدعو لأبيه ويستغفر له ويتصدق عنه كما ورد في الآية الكريمة: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} الإسراء: 24، وقال بعض العلماء ومنهم ابن ماجة والسيوطي: إن كل ما يقوم به هذا الولد من أعمال صالحة تعود بالثواب على الأبوين حتى وإن لم يدعُ لهما، لأن أعمال الولد هي ثمرة البذرة الصالحة التي زرعها الأبوان فيه.