الطهارة وأحكامها
اعتنى بطهارة المسلم الحسية، فقد ألزمه بأن يبقى على طهارةٍ من الحدثين الأكبر والأصغر ما أمكن، والطهارة من الحدث الأكبر أن يكون المسلم خالياً مما يمنعه من مباشرة العبادات، كأن يكون جُنباً أو للمرأة أن تكون حائضاً أو نُفَساء، أما الطهارة من الحدث الأصغر فيُقصد بها أن يكون المسلم قادراً على مباشرة الصلاة فيكون على وضوء، وليس كل وضوءٍ يعتبر مقبولاً بل إن المقبول بذلك هو الوضوء الصحيح فقط، والوضوء الصحيح هو ما كان على الكيفية التي أشار إليها الفقهاء بناءً على فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو موضوع بحث هذه المقالة.
معنى الوضوء الصحيح
- تعريف الوُضوء لغةً: الوَضُوءُ مصدر وضأ وضاءةً يتوضأ فهو متوضئ، و هو اسمٌ يقوم مَقَامَ التوضّؤ،
- اصطلاحاً: عرَّف فقهاء الإسلام الوضوء بعدة تعريفات بناءً على المذاهب السنية الأربعة، وهي ما يلي: تعريف الوضوء وفضله وحكمه، شبكه الألوكة
:#عند علماء المالكية: يرى علماء المالكية أن المراد بالوضوء اصطلاحاً هو: غسلٌ ومسحٌ في أعضاء مخصوصة لرفع الحدث، فقد اتفق المالكية بهذا التعريف مع فقهاء المالكية إلا أنهم أضافوا إليه كون المراد به رفع الحدث وهو ما لم يُشر إليه الحنفية.
:#عند علماء الشافعية: أما الشافعية فيُعرفون الوضوء بأنه: (استعمال الماء في أعضاء مخصوصة مفتتحاً بنية)، فالشافعية انتهجوا بهذا التعريف مسلكاً مختلفاً حيث اشترطوا في الوضوء الصحيح توافر النية له، مع كونهم متفقين مع باقي الفقهاء بأن الوضوء هو غسل أعضاء مخصوصة ومسح أخرى باستعمال الماء.
:#عند علماء الحنابلة: هو (استعمال ماءٍ طهور في الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة)، فقد أضاف الحنابلة قيد هو كون الماء طاهراً، وهو شرطٌ آخر في ، وستُعرِّج المقالة على تلك الشروط تفصيلاً في الفقرة التالية.
الوضوء الصحيح
حتى يكون الوضوء صحيحاً ويوافق سنّة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فإنّه ينبغي أن تتوفر فيه مجموعةٌ من الشروط لا يصحّ الوضوء إلا به، وفيما يلي بيان تلك وآراء الفقهاء فيها تفصيلاً: شروط الوضوء، شبكة الألوكة
- الإسلام: فيُشترط لكي يكون الوضوء صحيحاً أن يكون المتوضئ مسلماً، فلا يصحُّ الوضوء من غير المسلم، وقد اختلف الفقهاء في هذا الشرط فقال الحنفية أن الوضوء من الكافر جائز، وخالفه بذلك جمهور الفقهاء.
- التكليف: فيُشترط في المتوضئ أن يكون بالغاً عاقلاً، فلا يجب الوضوء على الصغير ولا يجب على المجنون والمعتوه وإن توضأ مثل هؤلاء فإن وضوءهم غير صحيح، أما الصغير الذي بلغ سن التمييز فإن توضئ صحَّ منه ذلك ولكن لا يُكلَّف به ولا يجب عليه، وذلك لأن التكاليف الشرعية لا يُخاطب بها إلا البالغ العاقل، أما المجنون والصغير الذي لم يبلغ سن التمييز فلا اعتبار لأفعاله أو أقواله، وجميع ما يصدر عنه يكون لغواً لا قيمة له.
- ارتفاع دم الحيض والنفاس: فمن الشروط المعتبرة في الوضوء الصحيح عند الفقهاء أن يرتفع دم النفاس والحيض عن الحائض والنفساء، فلو توضأت امرأة وهي لا تزال في حيضتها أو نفاسها فإن وضوؤها غير صحيح، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، ويرى بعض الفقهاء كابن نجيم من علماء الحنفية وغيرهم أنه يُستحب للحائض أن تتوضأ عند دخول وقت كل ثم تجلس في مكان صلاتها المعتاد وتذكر الله وتسبِّحه، وتهلِّل وتكبِّر.
- أن يكون الماء طاهراً: فمن أهم الشروط المعتبرة لكي يكون الوضوء صحيحاً أن يكون ماء الوضوء طاهراً طهارةً مطلقة، فلا يجوز الوضوء بماءٍ نجس باتفاق الفقهاء.
- إزالة ما يمنع وصول الماء إلى أعضاء الوضوء، فيُشترط لصحة الوضوء أن يُزيل المتوضئ ما على مواضع الوضوء من موانع حسية تمنع وصول الماء إلى تلك الأعضاء كطلاء الأظافر والطلاء المستخدم في المنازل وغير ذلك مما يُستخدم لغايات تجميلية أو غير ذلك، وإلى ذلك ذهب الفقهاء الأربعة بالاتفاق.
- دخول وقت الصلاة على من به حدث دائم، وهذا الشرط اشترطه جمهور الفقهاء فيُشترط عندهم دخول وقت الصلاة ليكون وضوء من به حدثٌ دائم صحيحاً؛ كالمستحاضة التي لا ينقطع دم استحاضتها فترات طويلة، أو من به سلس بول لا يزول أو نحو ذلك من الأمراض التي ، فلو تطهر مثل هؤلاء قبل دخول الوقت لا يصح وضوءه، لأن المطلوب منه أن يتوضئ ويُصلي ولو فقد وضوءه فلا بأس، فإن توضئ قبل وقت الصلاة ثم فسد وضوءه قبل دخول الوقت يكون كأنه لم يتوضئ أصلاً فلا يعتبر وضوءه.
- أن يكون الماء المستعمل في الوضوء مباحاً، فقد ذهب جمهور الفقهاء أنه لا يجوز الوضوء بماءٍ مغصوب لحرمة ذلك، ويرى الحنفية أنه لو توضأ به جاز وارتفع به الحدث.
- وجود الحدث: فيشترط لوجوب الوضوء أن يكون المتوضئ محدثاً لأن الوضوء إنما جاء لرفع الحدث فإن لم يكن محدثاً لم يجب عليه الوضوء وهذا الشرط هو محلُّ خلافٍ بين الفقهاء فمنهم من يرى جواز الوضوء ولو لم يكن محدثاً.
هذه الشروط هي الشروط المعتبرة في الوضوء الصحيح، فمنها ما هو شرط وجوب، ومنها ما هو شرط صحة، وقد أشار المقال إلى المختلف فيها بين الفقهاء وما هو محطُّ اتفاق، أما الشروط التي كان الغالب فيها الاختلاف فإن المقالة لم تلتفت إليها لعدم تشتيت القارئ.
أركان الوضوء
للوضوء عدة أركان منها ما اتفق عليه الفقهاء ومنها ما اختلفوا فيه، وفيما يلي بيانُ تلك الأركان بشكلٍ موجز:عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، 1/51، بتصرف
- اتفق الفقهاء على أربعة أمور من أركان الوضوء هي: غسل الوجه وغسل اليدين إلى المرفقين ومسح الرأس وغسل القدمين إلى الكعبين.
- اختلف الفقهاء بمقدار المسح المجزئ للرأس، فمنهم من قال يجب مسحه جميعه كالحنابلة، ومنهم من قال يجب مسح بعضه لا جميعه، وهو رأي الجمهور والشافعية بالأخص.
- أضاف المالكية والشافعية ركناً آخر للوضوء وهو النية، في حين أن الحنفية والحنابلة لم يجعلوه من الأركان إنما من شرائط الصحة.
- أضاف الشافعية ركناً آخر للوضوء وهو الترتيب، فلا يجوز عندهم تقديم ركنٍ على آخر، بينما لم يشترط أحدٌ من الفقهاء ذلك الركن.