بحث عن الوضوء
يُعتَبَرُ عبادةٌَ عظيمةٌ، وشعيرةٌ من شعائر الإسلام، وهو وقبولها، فقد قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )سورة المائدة، آية رقم، 6. وقد أوضحت الآية الكريمة أركان الوضوء، وبينت السنة صفةَ الوضوءِ الصحيحةِ، فحرص الإسلام بدايةَ على طهارة المؤمن المعنوية، والحسية، وفَصَلَ الفقهاءُ شروط الطهارة، وأوردوا أحكام الغُسل وموجباته، فكان أول ما يحرص عليه المؤمن هو الطهارة، فالطهارة تشمل الوضوء والغسل وإزالة النجاسة والتيمم وما يتعلق بها، وحرص الفقهاء على إفراد الوضوء ببابٍ منفردٍ في مؤلفاتِهم، لأن الوضوء شرطٌ لقبول الصلاة، وسائرِ الأعمال، وقد خَص الله سبحانه وتعالى أمة محمد بأنهم يدعون غراً محجلين من آثار الوضوء. وما يلي بحث عن الوضوء، وذلك بالحديث عن تعريفه وأركانه وسننه ونواقضه.
تعريف الوضوء
- الوضوءُ لُغَةَ: (الوُضوء من الوَضاءة، وهي: الحُسن، والبَهجة، والنَّظافة، والوُضوء بالضمِّ: فِعل الوُضوء، وبالفَتْح: الماء المُعَدُّ له.)ابن منظور، لسان العرب، 1/194.
- الوضوءْ اصطلاحاً: هو غسلُ أعضاءِ مخصوصةٍ، بصفةٍ مخصوصةٍ، تقرباً لله سبحانه وتعالى.ابن عثيمين، الشرحُ الممتع على زادِ المستنقع، 1/183.
أركان الوضوء
والركن هو ما لا يصح الوضوء بدونه، أما السنن فهي التي يثابُ فاعلها ولا يعاقب تاركها، وهناك متفقٌ عليها ومختلفٌ فيها بين الفقهاء، أما ما اتفقوا عليه، فهو ما نصت عليه الآية الكريمة، وهي غسل الوجه، واليدين إلى المرفقين، والرجلين إلى الكعبين، ومسح الرأس، وأما الأركان المختلف فيها بين الفقهاء هي:
- النية: والنيةُ هي عملٌ قلبيٌ محض لا علاقة للسان به، وهي أن ينوي المتطهر رفع الحدث، أو استباحة ما تجب له الطهارة، فقد ذهب الحنفيةُ إلى أنها سنة، وذهب المالكيةُ والشافعيةُ إلى أنها فرض، أما الحنابلة فقد قالوا بانها .
- الترتيب: وهو غسل أعضاء الوضوء واحداً تلوَ الآخر كما ورد في الآية وعلى الترتيب، ذهب الحنفية والمالكية إلى أنها سنة مؤكدة، فيبدأ المتطهر بما بدأت به الآية ويبدأ بالميامن، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنها فرض.
- الموالاة: وهي التتابع في أفعال الوضوء، ذهب الحنفية والشافعية إلى أنها سنة في الوضوء، وذهب المالكية والحنابلة إلى أنها فرضٌ في الوضوء.
- الدلك الخفيف باليد: وهو إمرار باطن الكف على أعضاء الوضوء بعد صَبِ الماء، وقال الجمهور غير المالكية، أنه سنه لا واجب لأن آية الوضوء لم تأمر به، ولم يذكر في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، 1/379.
سنن الوضوء
- التسمية: وهي قول بسم الله الرحمن الرحيم في بداية الوضوء، فقد قال الجمهور بأنها سنة، وذهب المالكية إلى القول بأنها مستحبة.
- غسل اليدين إلى الرُّسغَين: ذهب الفقهاء إلى أن غسل اليدين إلى الرُّسغَين سُنة، لما ورد في حديثِ صفةِ وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.
- المضمضة: وهي إدخال الماء في الفم واستيعاب جميع الفم بالماء وطرحه، اختلف الفقهاء في حُكم المضمضة في الوضوء، فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ المَضمَضَة في الوضوء سُنَّة، وذهب الحنابلة إلى أنَّ المضمضة في الوضوء واجبة.
- الاستنشاق: وهو إدخال الماء في الأنف وجذبه بنفسه إلى داخل أنفه،وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، 1/395. اختلف الفُقهاء في حكم الاستنشاق في الوضوء، فذهب الجمهور إلى أنّ الاستنشاق في الوضوء سُنّة، وذهب الحنابلة إلى أنّ الاستنشاق في الوضوء واجب.
- الاستنثار: هو طرح الماء من الأنفِ بعد الاستنشاق، وقد اتفق الفقهاء على أنه سنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (استنشقت فانتثر).الترمذي، سنن الترمذي، حديث رقم27. والطبراني، 7/37، واللفظ له.
- السواك سنة باتفاق الفقهاء ما عدا المالكية.
- تخليل اللحية الكثيفة وتخليل الأصابع: يجب تخليل اللحية وأصابعِ اليدين والرجلين باتفاق الفقهاء، لما روي أنه صلّى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته، وأنه صلّى الله عليه وسلم كان إذا توضأ، أخذ كفاً من ماء، فأدخله تحت حنكه، فخلل به لحيته، وقال: (هكذا أمرني ربي).أبو داود، سنن أبو داود، رقم الحديث 145. أما اللحية الخفيفة، والكثيفة في حد الوجه والتي يصل الماء إلى منابتها، فيجب إيصال الماء إلى ظاهره وباطنه ومنابته بتخليل أو غيره.الشربيني، مغني المحتاج، 1/60.
- تثليث الغسل: اتفق الفقهاء على أن المتطهر يغسل أعضاء الوضوء ثلاثاً واعتبره المالكية من فضائل الوضوء، وأما المسح فلا يسن تكراره عند الجمهور وأكثر أهل العلم من الصحابة، لحديث عبد الله بن زيد في وصف وضوء رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: (ومسح برأسه مرة واحدة).أبو داود، سنن أبو داود، حديث رقم، 111. والنسائي في سننه، برقم، 92، واللفظ له.
- استيعاب كل الرأس بالمسح: واستيعابه بالمسحِ سنةٌ عند الحنفية والشافعية، وواجبٌ عند المالكيةِ والحنابلةِ.وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، 1/400
- مسح الأذنين: وهو سنة عند جمهورِ الفقهاء، واشترطوا أن يُكون المسحُ بماءٍ جديد، وقال الحنابلةُ بوجوبِ مسح الأُذن لاعتبارها من الرأس.
- التيامن: هو البدء بالعضو الأيمن في الوضوء، ويكون لليدينِ والرجلين.
- إطالة الغُرَّةِ: وهي أن يزيد المتطهر في غسل أعضاء الوضوء على محل الفرض.
نواقض الوضوء
ما يلي هي :
- خُرُوجَ شَيْءٍ مِنَ السَّبِيلَيْنِ: لقوله تعالى (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ)سورة النساء، آية، 43.، والخارج قد يكونُ مني أو بول أو غائط أو رياح أو مذي أو غيره من النجاسات، سواءً قلَ أم كَثُر، واختلف الفقهاء في النجاسة التي تخرجُ من غيرِ السبيلين.
- زوالُ العقلِ: بنومٍ أو جنونٍ، أو إغماءٍ أو بغيره، وقد اختلف الفقهاء في نقضِ الوضوءِ بالنوم، وعلى الراجح من أقوالهم أنه من ينقض وضوئه هو النائمُ المستغرق في نومه، ولا يحس بمن حوله من الناس، ولا يعي ما يحدث حوله من شدة استغراقهِ في النوم.
- مس الفرج باليد: قبلًا كان أو دبرًا من غير حائل.
- أكل لحم الإبل: وهو قولٌ للحنابلة، واستدلوا عليه بأحاديث صحيحة، واختاره الإمام البيهقي والنووي وابن تيمية.عبد الله الطيار، عبد الله المطلق، محمد الموسى، الفقه الميسر، 1/76
- الردة عن الإسلام: وهو قولٌ للحنابلةِ والمالكية، لقوله تعالى (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ)سورة المائدة، آية رقم، 5.، ولأن الوضوء عمل فيبطل بالردة.عبد الله الطيار، عبد الله المطلق، محمد الموسى، الفقه الميسر، 1/77.
- ما هو موجبٌ للغسلِ: من حيضٍ وجماع.