الدولة الموحدية
قامت دولة الموحدين كحركةٍ مناهضة في بادئ الأمر من منطقة “تينمل” معقل قبيلة “هرغة” المصمودية على يد “محمد بن تومرت” المعروف تاريخيا باسم “المهدي بن تومرت”، وكان ذلك سنة 1121م.
السند العقدي للموحدين
تأسست الحركة الموحدية على “محمد بن تومرت” الذي ادعى أنه هو “المهدي المنتظر” في عقيدة أهل السنة والجماعة، وكذا الطوائف الشيعية، وقد أطلقوا على أتباعه اسم “الموحدين” لأنهم كانوا يدعون إلى توحيد الله سبحانه توحيداً قاطعاً، الأمر الذي دعاهم إلى إنكار أسماء الله الحسنى باعتبارها أسماءً لصفات مادية، و الله سبحانه و تعالى ليس كمثله شيء، فكان ذكرهم للمولى عز وجل باسمه المُفردِ {الله}، و هو ما أنكروه على أعدائهم “المرابطين”، حيث كانوا يلقبونهم بالمُجَسِّمِينَ.
نسب و سيرة محمد بن تومرت
ولد “محمد بن تومرت بن نيطاوس بن ساولا بن سفيون بن الكلديس بن خالد”أبو بكر بن علي الصنهاجي (البيذق) ـ المقتبس من كتاب الأنساب في معرفة الأصحاب سنة 471هـ بمنطقة تقع بسلسلة جبال الأطلس الصغير المغربية، وبالضبط في “تينمل” موطن قبيلة “هرغة” التي تعد إحدى البطون الكبرى لقبيلة “هرغة” “المصمودية” بمنطقة “سوس”.
اشتهر بن تومرت منذ صباه بالتقوى و الورع، و امتاز بحفاظه على أوقات الدراسة و الصلاة، إلى درجة أنه اشتهر في قبيلته باسم “أسفو” (كلمة أمازيغية تعني بالعربية “المِشْعَلَ”)، و قد رحل إلى المشرق العربي لكي يدرس بأهم المراكز العلمية هناك.
كما رحَل “محمد بن تومرت” سنة 501هـ إلى ، حيث أخذ العلم من كبار علماء قرطبة، لكنه عاود الرحيل مرة أخرى بحراً في اتجاه مكة من أجل أداء فريضة الحج، ثم أكمل طريقه شرقاً إلى “بغداد” في لكي يُحصل العلم ويُعمق معارفه على يد شيوخٍ كبار وعلماء فطاحل من أمثال الإمام ” أبي حامد الغزالي” رحمه الله مجهول ـ الحلل الموشية في أخبار الدولة المراكشية عبد الواحد المراكشي ـ المعجب، في تلخيص أخبار المغرب، وهناك أخبره بأن دولة المرابطين قد منعت كتابه الشهير “إحياء علوم الدين” ومزقوه في بلاطهم، فدعا الله عليهم بقوله: “اللهم مزق ملكهم كما مزقوه، وأذهب دولتهم كما حرقوه”ابن القطان المراكشي ـ “نظم الجمان”، تحقيق: د.محمود علي مكي.
و ما إن أطلت سنة 510هـ يوسف أشباخ ـ تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين حتى قرر العودة إلى “وقد أصبح بحرا متفجرا من العلم وشهاباً في الدين”عبد الرحمان بن خلدون ـ العبر، وأثناء رحلته التي دامت حوالي أربع سنواتٍ توقف خلالها بمحطات متعددة، حيث حط الرحال بمدينة “الإسكندرية” التي استفاد طلبتها من علمه، كما عَمِل فيها بنهج “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، هذا النهج الذي حاول أن ينفذه كذلك بمدينة “المهدية” بتونس، إلا أنه أحدث بها فوضى بسبب أسلوبه الجامد، وكان قبل ذلك قد مر بمدينة “طرابلس” الليبية فنشر بها العقيدة الأشعرية. وفي طريقه نحو المغرب الأقصى انضم إليه بعض تلامذته متوجهين ناحية “بجاية”، وهناك سيلتقي بأول سلاطين الدولة الموحدية “عبد المؤمن بن علي الكومي” الذي كان مشهوراً بطموحه الكبير إلى الخلافة والحكم.
توجه بن تومرت و من معه إلى “مراكش” عاصمة الدولة المرابطية سنة 514هـ، فقرر مع طلبته أن يخرجوا إلى شوارعها و أسواقها للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، إلا أن الأمير المرابطي في مراكش “علي بن يوسف بن تاشفين” قام بطرده، إذ تتعدد الروايات التاريخية التي تنقل أشكال أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، ومنها قصة نقلها ابن خلدون في تاريخه وكذا ابن كثير في البداية والنهاية، فَيُروى أن بن تومرت رأى أثناء تجوله بأسواق مراكش أُخت الأمير علي بن يوسف كاشفةً وجهها ورأسها، وهي في موكبٍ يعج بالحرس، فأنكر عليها ذلك بشدة، واعتدى مع أصحابه على ذلك الموكبابن كثير ـ البداية والنهاية تاريخ بن خلدون (العلامة عبد الرحمان بن خلدون).
توجه “محمد بن تومرت” إلى مدينة “أغمات”، حيث أخذ البيعة من أقرب تابعيه اللذين لُقبوا فيما بعد باسم “مجلس العشرة” الذي سيضم الأشخاص العشرة الأوائل اللذين بايعوا محمداً بن تومرت، ولا غرو في هكذا أمر، فقد ادعى وَ أَصحابه أنه “المهدي المنتظر” و بأنه من سلالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم توجه بعد ذلك إلى “تلمسان” و “فاس”، و هناك كون قاعدة كبيرة من الطلبة اللذين أخذوا على يديه علم الأصول، فأصبحوا أتباعاً مخلصين لابن تومرت.
الأوضاع والسياسية للمغرب قُبيل تأسيس الدولة الموحدية
عانت الدولة المرابطية منذ عهد الأمير “علي بن يوسف بن تاشفين” من أوضاع سياسية واقتصادية خطيرة ستزيد حدتها و تتفاقم في أيام الدولة الأخيرة بعد وفاة بن يوسف:
الأوضاع السياسية
تعرضت الثغور المرابطية بالأندلس للعديد من الهجمات و الحملات العسكرية من طرف الصليبيينسيمون بارتون ـ كاتالونيا الثانية في محاكم كلوك ليون، و بعدما قرر الأمير “علي بن يوسف” تنصيب ابنه “تاشفين بن علي” في ولاية العهد، و جاء ذلك خلال فترة عصيبة جدا في التاريخ المرابطي، فقد اشتد خناق الدعوة الموحدية ببلاد المغرب، وأصبحت القبائل تنسلخ شيئاً فشيئا من سلطة و طاعة المرابطين، مقابل ميولهم إلى الدعوة “المصمودية” (الموحدية) الجديدة، و من أمثلة ذلك: اتجاه عدد من قادة الجيش المرابطي البارزين و اللذين ينحدرون من قبيلة “مسوفة” الصنهاجية إلى “وهران” ثم أعلنوا بيعتهم لقائد الدعوة الموحدية “عبد المؤمن بن علي الكومي” (تولى قيادة الدعوة بعد وفاة محمد بن تومرت) ،فاضطربت الدولة و اختلت موازينها، وذلك بسبب انشغالها بصد هجمات الصليبيين المتكررة في الأندلس، فقرر الأمير الجديد أن يُعيد ترتيب أوراقه، حيث جعل من الخطر الموحدي أولى أولوياته، إلا أن الدعوة الموحدين بقيادة محمد بن تومرت أصبحت ذات قوة ونفوذ، إذ صارت على مشارف مدينة سبتة و وتطوان سنة 1141م، و قد استخدم تاشفين بن علي كل الوسائل لرد الخطر الموحدي، لكنه فشل بشكل ذريع خصوصا بعدما استطاع الجند الموحدي السيطرة على كل من مدينة “المزمة”، “الواط”، “مليلة”، و “وهران”.
الأوضاع الاقتصادية
عرفت الدولة المرابطية العديد من الكوارث الطبيعية التي انعكست سلبا على الأوضاع الاقتصادية للبلاد، فقد هجم الجراد على الحقول الأندلسية ما بين سنتي 526هـ و 531هـ، فانتشرت المجاعة والأوبئة وغلت الأسعارابن القطان المراكشي ـ نظم الجمان، كما شب حريق كبير بسوق مدينة “فاس” سنة 535هـ، فهاجر العديد من سكان المغرب نحو العدوة الأندلسية كانت بمثابة “انجلاء عظيم إلى الأندلس”ابن عذارى المراكشي ـ البيان المُغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب، بسبب تفاقم الأخطار السياسية المتمثلة في زحف الحصار الموحدي وكذا انعدام الأمن وغلاء المعيشة.
قيام الدولة الموحدية
استمر الموحدون في زحفهم للسيطرة على أهم المدن المرابطية، إلى أن دخلوا مدينة “مراكش” سنة 1146م التي تعتبر أهم معاقل المرابطين، فهي “دارُ دولتهم” (عاصمتها)، وبذلك انتهت دولة المرابطين بشكل نهائي، هذه الدولة التي جاهدت ونصرت كلمة التوحيد، وخضعت في النهاية لسنة الله في الكون، حيث يقول سبحانه عز وجل في محكم التنزيل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا(16)}القرآن الكريم ـ سورة الإسراء، الآية 16، ليتم إعلان قيام دولة الموحدين، ثم استمر “عبد المؤمن بن علي الكومي” في تطويع وضم الشمال الإفريقي (سنة 1160م)، ليَصب كامل اهتمامه ناحية الأندلس لتقويتها وصد الهجمات الصليبية عليهاأبو بكر بن علي الصنهاجي (البيذق) ـ المقتبس من كتاب الأنساب في معرفة الأصحاب.