الهجرة النبوية
الهجرة النبوية يقصد بها الهجرة التي توجه فيها النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة إلى المدينة، ففي التاريخ الإسلامي حدثت ثلاث هجرات متتاليات، كان لكل هجرة أسبابها واتجاهها، ولم يطلق على أيًا منها نبوية لأن الرسول الكريم لم يكن ضمن المهاجرين، ففي الأولى والثانية كان المهاجرين من صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام من المسلمين الأوائل، أما الهجرة الثالثة فهي الوحيدة التي خرج بها ، وهي أيضًا الهجرة الأخيرة للمسلمين، ومنها تم التأريخ للتاريخ الإسلامي الهجرة، فاعتبارًا من وصول الرسول عليه الصلاة والسلام المدينة تبدأ الأيام الهجرية، وإن كان التاريخ الهجري لم يوضع إلا في عهد الخليفة الراشدي الثاني رضي الله عنه.
أسباب الهجرة النبوية
كانت الأسباب الداعية لكل هجرة متشابهة، فبخلاف السبب المباشر لكل هجرة فإن الأسباب كانت واحدة وهي الهروب بالنفس والدين من بطش مشركي قريش، فكان سادة قريش يواجهون المسلمون بكل قوتهم وبطشهم، فمن لديه ابن أو زوجة أسلمت يحبسهم في المنزل لا يسمح لهم بالخروج، ومن كان له عبد أسلم فيذيقه العذاب بشتى ألوانه، ومن رحمة الله عز وجل إنزاله لأمر الهجرة للهروب من البطش والفرار بدين الله.
كذلك كان سبب الهجرة النبوية الهروب من بطش المشركين، أما السبب المباشر لهجرة الرسول عليه الصلاة والسلام للمدينة فهو إقدام المشركين على قتله بعد وفاة عمه أبي طالب، البداية والنهاية/الجزء الثالث/فصل اجتراء قريش على رسول الله بعد وفاة عمه أبي طالب، ويكي مصدر. فقد تجمع المشركون وعقدوا العزم على قتله بأن أخذوا من كل قبيلة أمهر فرسانها، فإذا ما اجتمعوا على النبي عليه الصلاة والسلام وقتلوه؛ لن يتمكن آل النبي من الأخذ بالثأر، ولما علم الله مكرهم أمر رسوله بالهجرة.
الاستعداد للهجرة النبوية
بعد وفاة أبي طالب عم النبي عليه الصلاة والسلام بالغ المشركين في إيذاءه، فخرج النبي عليه الصلاة والسلام للقبائل المجاورة عله يجد فيهم من ينصره على قريش، فخرج إلى الطائف حيث قبيلة ثقيف التي رفضته وأغرت به السفهاء،فقه السيرة النبوية، محمد سعيد رمضان البوطي، ص100-101، دار الفكر المعاصر، ط2006. ثم رحل إلى الكثير من القبائل؛ فعرض نفسه عليها فرفضوه وأخرجوه، فخرج عليه الصلاة والسلام لعرض نفسه على القبائل الوافدة للحج في العقبة، وكانت نقطة البداية لنشر الإسلام خارج .
- بيعة العقبة الأولى: أثناء تواجد النبي عليه الصلاة والسلام في العقبة مر عليه 6 أشخاص من أهل المدينة، فعرض عليهم الإسلام فأسلموا؛ وعادوا لديارهم فبلغوا عن الرسول الكريم رسالته، وفي العام المقبل وفد على النبي اثنا عشر رجلًا من المدينة ولاقوه عند العقبة وأسلموا فكانت بيعة العقبة الأولى. البداية والنهاية/الجزء الثالث/باب بدء إسلام الأنصار رضي الله عنهم، ويكي مصدر.
- بيعة العقبة الثانية: كان الإسلام قد انتشر بين أهل المدينة بعدما وصلهم الصحابي مصعب بن عمير مع من أسلم في البيعة الأولى، وفي العام المقبل في موسم الحج وفد إلى العقبة ثلاثة وسبعون رجلًا وامرأتان، البداية والنهاية/الجزء الثالث/قصة بيعة العقبة الثانية، ويكي مصدر. وكان اللقاء هو بيعة العقبة الثانية، والتي تمت قبل الهجرة النبوية بثلاثة أشهر.السيرة النبوية، ابن حبان، ص118.
جاء الإذن للمسلمين بترك مكة والهجرة إلى المدينة بعد بيعة العقبة الثانية، فكان أذى المشركين قد اشتد وزادت وطأته، فأمر الرسول عليه الصلاة والسلام أتباعه بالهجرة إلى المدينة واللحاق بالأنصار الذين بايعوه، وبدأ المهاجرين في الخروج سرًا، إلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد تقلد سيفه وخرج لأهل قريش يعلن هجرته للمدينة،سيرة حضرة عمر فاروق، محمد إلياس عادل، صفحة: 119. وكان أول المهاجرين وصولًا للمدينة أبو سلمة بن عبد الأسد، وتبعه الصحابة فلم يبقى في المدينة إلا الرسول عليه الصلاة والسلام وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما.الطبقات الكبرى، ابن سعد البغدادي، ج1، ص224-238، دار صادر، بيروت.
خروج النبي للمدينة
حينما علمت قريش بأمر الهجرة لم يقبلوا بخروج محمد خارج مكة، فكانوا على يقين أن خروجه سيكون مخرجًا لدعوته؛ ولن يتمكنوا من حجب دعوته، فاتفقوا فيما بينهم على قتله، فأوحى الله لرسوله بالهجرة، فنزل جبريل عليه السلام يخبر النبي بنية قومه، مرسلًا له أمر ربه بالهجرة، على ألا ينام فيه بيته، ويرسل عليًا مكانه ليضلل المشركين.
وهي القصة المألوفة عن الهجرة النبوية بأن أمسى المشركون أمام بيته يترقبون خروجه لصلاة الفجر، ولكن الله عز وجل أنزل على أعينهم غشاوة فخرج النبي وصاحبه، ولما دخل المشركون على محمدًا وجدوا عليًا فخرجوا في كل اتجاه بحثًا عنه، غلا أن الرسول وصاحبه كانا قد وصلا غار ثور، وكان خروجه صلى الله عليه وسلم من داره في شهر صفر في العام الرابع عشر من البعثة فتاريخ الهجرة النبوية 27 صفر سنة 14 قبل الهجرة – 12 سبتمبر سنة 622 م.
وكان دليلهم في الهجرة عبد الله بن أريقط، وهو أيضًا من اصطحب لهم الراحلتين للخروج إلى المدينة، وكان عبد الله بن أبو بكر الصديق يستمع لأخبار قريش ويتعرف على أماكن تتبعهم للرسول وصاحبه، وكان عامر بن فهيرة يخرج بغنمه ليخفي آثارهم المتجهة إلى غار ثور، وكانت أسماء بن أبي بكر تأتيهم بالطعام خفية.
ومن جانب قريش فلم يهدأ زعمائها أو يستكينوا، فقد تتبعوا محمدًا ووصلوا حتى غار ثور ولكنهم وجود العنكبوت قد نسجت الخيوط على باب الغار،السيرة النبوية، ابن هشام، ج3، ص5-24، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل، بيروت، ط1990. وقد ظل الصاحبين في الغار ثلاثة ليالٍ، فخرجوا بعدها في طريقهم إلى المدينة، وسلكوا طرقًا وعرة حتى لا يتعثر بهم أحد، ولكن أحد المشركين وهو سراقة بن مالك عثر عليهم أثناء البحث، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا على فرسه فلم يبرح مكانه، فرجاه سراقة أن يطلق سبيله على ألا يخبر أحدًا عنهم، وقد أخلى سبيله فعاد لقومه، وفي طريقه صادفه بعض الباحثين عن الصاحبين، فقال لهم “سيرت – أي اختبرت – الطريق فلم أرد أحدًا”.
واستمرت رحلة الصاحبين حتى يوم 8 من ربيع الأول، وفي رواية أخرى يوم 12 ربيع الأول، ونزل الرسول عليه الصلاة والسلام ببيت كلثوم بن الهدم، وبدأ الرسول عليه الصلاة والسلام بإقامة أول مسجد للمسلمين وهو قباء الواقع بمدينة يطلق عليها نفس الاسم عند بني عمرو بن عوف، بعدها توجه الرسول وأصحابه إلى المدينة المنورة يوم 12 ربيع الأول الموافق 27 سبتمبر من سنة 622م،الطبقات الكبرى، ابن سعد البغدادي، ج2، ص6. وبدأ بذلك اليوم تأريخ المسلمين للتاريخ الهجري.
وقد ظلت هجرة المسلمين إلى المدينة مستمرة حتى تم سنة 8 هـ، فبعدها لم يكن المسلمين في مكة بحاجة للهجرة من بطش سادة قريش، فقد رفع عنهم فتح مكة كل أذى ممكن أن يتعرضوا له.