دخول أوروبا إلى مرحلة العصر الوسيط
دخلت أوربا العصرَ الوسيط بعيد سقوط الإمبراطورية الرومانية، فقد كان لسقوط “روما” سنة 476م الأثر البليغ على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بالقارة الأوربية، هذه الأوضاع ستدفع الناس للاحتماء بذوي السلطة و النفوذ و المال مقابل خدمتهم في إطار ما يعرف تاريخيا باسم “النظام الفيودالي”، وبهذا فإن تسمى كذلك باسم “العصور الفيودالية” نظرا لاقترانهما الزمنيأشرف صالح ـ قراءة في تاريخ و حضارة أوروبا العصور الوسطى، كما تدعى كذلك باسم “العصور المظلمة”.
فبُعَيد سقوط من طرف الجرمان بعد معركة “أدريا نوبل”، سيطر الجرمان على أوربا الغربية، لتصبح القوة في أوربا خلال العصور الوسطى بيد الفرسان الجرمان، والمعروف أن الجرمان برعوا في الزراعة، علاوةً على أنهم ألفوا سكن القرى والأرياف قبل انتصارهم الساحق على الإمبراطورية الرومانية، هكذا فقد استعان بهم ملوك أوربا الغربية بهدف الحماية و المشاركة في الحروب، مقابل حصولهم على إقطاعات فلاحية، هكذا أصبح الفرسان أساياداً ملاكين يستفيدون من حماية أتباعهم من الفرسان اللذين يستفيدون كذلك من إقطاعات الأسيادجوزيف نسيم يوسف ـ تاريخ العصور الوسطى الأوربية وحضارتها، ليتم الوصول في النهاية بشكل هَرَمِي إلى الأقنان (العبيد) اللذين لم يتمتعوا قط بأبسط ظروف العيش الكريم.
تعريف النظام الفيودالي
تتعدد تعريفات كلمة “الفيودالية” بين المدارس التاريخية ، و على كلٍّ، فمعناها الشامل أنها نظام اقتصادي واجتماعي وسياسي ظهر بأوربا خلال العصور الوسطى (9م ـ 15م)، و يقوم هذا النظام على مختلف العلاقات القائمة على الولاء والتبعية بين الأسياد و الفرسان و الأقنان (العبيد)كوبلاند وفينوجرادوف ـ الإقطاع والعصور الوسطى في غرب أوربا، ترجمة محمد مصطفى زيادة، وكلمة “الفيودالية” كلمة مشتقة من الكلمة اللاتينية “فيودوم” التي تعني القطع الأرضية التي يمنحها أحد كبار الملاكين الاقطاعيين لمن يدافع عنه ويحميه، فأصبح هذا النظام في نهاية المطاف معمولا به لتحديد العلاقات بين ملوك الدويلات التي كانت قائمة في أوربا الغربية بعد سقوط روما، وأتباعِهم من السادة طيلة العصور الوسطى.
المجتمع الأوربي الفيودالي
للحديث عن مميزات المجتمع الأوربي خلال العصر الوسيط، لا بد أن يتم تعريف كافة الطبقات الاجتماعية المكونة له:
- الأسياد: هي طبقة من كبار ملاكي الأراضي الفلاحية، كانوا يتمتعون بامتيازات وسلطة و نفوذ، وكانت ممتلكاتهم تتكون من: القصر، بستان القصر، أراضي زراعية، مطحنة، قرية، وتحيط غابة بكل ذلكمنير البعلبكي ـ موسوعة المورد، الإقطاعية ـ النظام الإقطاعي.
- (الفرسان): تسمية تطلق على فئة المحاربين داخل المجتمع الأوربي خلال العصور الوسطى، كان دورهم يتمحور حول تقديم الحماية اللازمة لإقطاعات السيد، وكذا ضمان استقرار وانتظام عمل الأقنان داخل إقطاع السيد، علاوة على خوض حروبه مع أعدائه، وقد كانت تجمع الفارس بسيده علاقة تقوم على يمين الولاء الذي تترتب عنه واجبات وحقوق متبادلة، إذ يلتزم الفارس بالدفاع عن سيده وحمايته وأداء الخدمات العسكرية التي يأمره السيد بها لصالح الملك، مقابل ذلك يحصل الفارس على إقطاعٍحاطوم ـ تاريخ العصر الوسيط في أوربا، علاوة على توفير الأحصنة و ملابس الحرب والدروع، وابتداءً من القرن الثالث عشر الميلادي أصبحت الفروسية وراثية في ظل قانون “الفيودوم” الجديد.
- الأقنان: هي الطبقة الدنيا في المجتمع الفيودالي، كان دورها يتمحور حول خدمة أرض السيد مقابل ضمان استمرار العيش بأمان داخل ضيعته الإقطاعية، ولم يكن بإمكان هذه الفئة أن تكدس الثروة أو تضمن حريتها بشكل مطلق في أبسط أمور الحياة (كالزواج مثلاً) بدون موافقة السيد، هكذا فقد عانى الأقنان في ظل النظام الفيودالي من ظروفٍ قاسية مزرية، فقد كانوا مملوكين من طرف السيد الذي كان بإمكانه بيعهم و معاقبتهم أنَّى شاءمنير البعلبكي ـ المرجع السابق، علاوة على قيامهم الإجباري بأعمال السخرة (هي خدمات شاقة كانت مفروضة على الأقنان بشكل مجاني)، زيادة على هذا فقد كانوا ملتزمين بأداء ضرائب عينية للسيد، علاوة على تجريدهم من حقهم الطبيعي كبشرٍ في الزواج والإرث وغيرها.
العلاقات الرابطة بين الملك والسيد الإقطاعي
كانت العلاقات الرابطة بين الملك والسيد الإقطاعي على شاكلتي:
- واجبات الملك نحو السيد:
:# التنازل عن حق جباية الضرائب.
:# التنازل عن الرسوم القضائية.
:# الإشراف على تقاضي سكان الضيعات التابعة للسيد.
- واجبات السيد نحو الملك:
:# مناصرة الملك وقت الحرب بتوفير العُدَّةِ و العَتَاد.
:# المواظبة على تقديم الهدايا الباهظة للملك خلال مناسبات معينة.
:# تقديم تعويضات عينية ونقدية للملك.
الدين في أوربا خلال العصور الوسطى
منذ العهد الروماني (بالضبط خلال القرن الرابع الميلادي)، كانت أغلب المناطق بأوربا تدين بالمسيحية، حرص الملوك والأمراء على إعطاء الأراضي للكنائس للإنفاق على المساكين ورجال الدين كذلك، إلا أن هذه الفئة الأخيرة استغلت تكدس الثروة بالكنيسة فحادت عن هدفها الديني الصرف، إلى همِّ جمع و تكديس الثروة، فتحولوا إلى ما يسميه المؤرخون باسم “الإكليروس”.
هكذا ازداد جشع رجال الدين المسيحيين رويداً رويداً إلى أن ابتكروا طرقاً جديدة لجمع الثروات، فقد أصبح المذنبُ الباحث عن الغفران مثلاً يبحث عن رِضا رجال الدين وقبولهم بيع صك يؤكد غفران الله تعالى لهشرين فهمي ـ مجلة D.W مقال: مارتن لوثر: من صكوك الغفران إلى صلح وستفاليا (في إطار ما يعرف تاريخيا في أوربا بعبارة “صكوك الغفران”).
العالم الإسلامي إبان العصور الوسطى
في خضم الركود الفكري والظلام الأخلاقي الأوربي، قابل ذلك ازدهار وإشعاع علمي وفكري في العالم الإسلامي، فقد وصلت في بغداد أوج ازدهارها ورقيها الحضاري على جميع الأصعدة، هذا الأمر دفع الأوربيين خاصة فئة “الإكليروس” إلى مداعبة أوتار الوازع الديني لدى الأوربيين للمشاركة في الحملات الصليبية ضد المسلمين، فبدأت الخطابات الكنسية الرنانة القائمة على حلمهم لإعادة مملكة بيت المقدس إلى حوزة الصليبينميخائيل زابوروف ـ الصليبيون في الشرق، و القضاء على المسلمين اللذين ذهب بعض الإكليروس إلى وصفهم بأن الله خلقهم من نفوس شريرة غير آدمية لعقاب النصارى بسبب بعدهم عن الكنيسةداوود نيكول ـ النصر العظيم لصلاح الدين، فاجتمع كل فرسان أوربا وأسيادهم وملوكهم، وبذلوا الغالي والنفيس من أجل تحقيق مآربهم، فشنوا سبعَ حملات عسكرية على أراضي المسلمين باءت كلها بالفشل، خاصة بعد انتصار “” عليهم في معركة “حطين”.