الطلاق في الإسلام
أوجد التشريعات والأحكام لكل أمور الحياة الدنيا ابتداءً من أعقد الأمور وليس انتهاءً بآخرها وأحقرها، وكما أوجد الإسلام الأحكام الشرعية لابتداء الحياة الزوجية وشرع ما يضمن استقرارها من وسائل الحماية المجتمعية والدينية وغيرها فقد أوجد الحلول لإنهاء تلك الرابطة إن وصل الزوجان إلى مرحلةٍ متشابكة من المشاكل لا يمكن بعدها استقرار الحياة الأسرية بينهما، لذلك ومن هذا الأساس كان الطلاق الوسيلة الأنسب لحل رابطة الزوجية متى ما استحكمت الخلافات الزوجية.
تعريف الطلاق
عدة معانٍ منها ما جاء في كتب اللغة والمعاجم اللغوية، ومنها ما جاء في كتب الفقهاء القدماء، أما بالنسبة لما يلزم هذه المقالة فهو التعريف الاصطلاحي للطلاق بعد التعرض للتعريف اللغوي، وقد ظهر بين الفقهاء تباينٌ في تعريفهم للطلاق وفيما يلي بيان معنى وتعريف الطلاق في اللغة وفي اصطلاح الفقهاء.
تعريف الطلاق لغةً
الطلاق في اللغة من التخلية والترك، يُقال: أطْلَقْتُ الأسيرَ، أي خلّيته. وأطْلَقْتُ الناقة من عِقالها فَطَلَقَتْ هي، بالفتح وأطْلَقَ يده بخير وطَلِقَها أيضاً، والطَليقُ: الأسيرُ الذي أُطْلِقَ عنه إسارُهُ وخلى سبيله. وبعير طلق. وناقة طلق، بضم الطاء؛ أي غير مقيد. والجمع أطْلاق، وحُبِسَ فلان في السجن طُلُقاً، أي بغير قيد. ويقال أيضاً: فرسٌ طُلُقُ إحدى القوائم، إذا كانت إحدى قوائمها لا تحجيل فيها.الفارابي، أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، دار العلم للملايين، ط 4، بيروت – لبنان، 1407 – 1987، 4/1518. وامرأةٌ طالق: إذا طلَّقها زوجها، وأُطلِقت الناقة من عقالها وطلقتها فطلقت أي تركها، ورجل طلق الوجه وطليقه، كأنه منطلق، والطالق: الناقة ترسل ترعى حيث شاءت، وترجع جميع مشتقات هذه اللفظة إلى أطلقته إطلاقاً، والطَّلق الشيء الحلال، كأنه خُلِّي عنه.الرازي، أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني، معجم مقاييس اللغة، دار الفكر، بيروت – لبنان، 1399- 1979، 3/420-421.
تعريف الطلاق اصطلاحاً
للفقهاء في تعريف الطلاق مذاهب وأقوال، وقد نتج عن اختلافهم في معناه الاصطلاحي مسائل عديدة، أما معناه الفقهي عند الفقهاء فبيانه على النحو التالي:
- معنى الطلاق عند فقهاء الحنفية: عرَّف فقهاء الحنفية الطلاق بأنه (رفع الْقَيْد الثَّابِت شرعا بِالنِّكَاحِ أحْسنه تطليقها وَاحِدَة فِي طهر).إبراهيم الحلبي، مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1/3. وقد حوى هذا التعريف مجموعةً من أحكام وقواعد الطلاق، وكأن فقهاء الحنفية فيه يرون عدم جواز تسمية الطلاق الفاسد طلاقاً، فقد وضعوا في تعريفهم قيد طُهر المرأة حين الطلاق، وفي ذلك إشارة إلى أن الطلاق في ليس طلاقاً، ووصفوا أحسن الطلاق بكونه واحدةً لا أكثر من ذلك، وخلال الطهر.
- معنى الطلاق عند فقهاء المالكية: هو عندهم يُعرَّف بأنه (صفة حكمية ترفع حلية متعة الزوج بزوجته موجبا تكررها مرتين للحر ومرة لذي رق )،الحطاب، مواهب الجليل في شرح مختصر خليل، 4/18 وقد وضع المالكية في هذا التعريف قيداً مهماً، فاعتبروا الطلاق صفةٌ تحلُّ على عقد الزواج فتنهي فيه حلَّ المتعة بين الزوجين، كما فرَّقوا بين الحرِّ والعبد في إيقاع الطلاق، فالعبد لا يقع منه الطلاق إلا واحدة، وهو ما لم يقل به غيره من الفقهاء، أما الحُر فتطليقه مرتان رجعياً والثالثة بائنةً لا خلاف في ذلك بين الفقهاء.
- معنى الطلاق عند فقهاء الشافعية: للشافعية في تعريف الطلاق قولان، الأول منهما أنه: (حِلُّ عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ)، وَقد عَرَّفَهُ الإمام النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ: (تَصَرُّفٌ مَمْلُوكٌ لِلزَّوْجِ يُحْدِثُهُ بِلَا سَبَبٍ). والواضح من تعريفيهما المعتبران لدى المذهب الشافعي أن بينهما تباينٌ ظاهر، فالأول اكتفى بإبراز الناحية الشكلية للطلاق، من كونه حلاً لعقد الزواج بلفظات مخصوصة كالطلاق وغيرها مما اعتبره الشافعية لإيقاع الطلاق، أما التعريف الثاني فلم يحدد فيه لفظاً معيناً، إنما جعله حقاً مملوكاً للزوج ينشئه متى شاء ودون سببٍ حتى.أبو يحيى السنيكي، الغرر البهية في شرح البهجة الوردية، المطبعة الميمنية، 4/245.
- معنى الطلاق عند فقهاء الحنابلة: اكتفى الحنابلة في تعريف الطلاق بقولهم أنه: “حل قيد النكاح”، وكأنهم بذلك أرجعوا الأمر إلى معناه اللغوي الذي يعود إلى الحلِّ والترك والتخلية كما ذكرت المقالة في التعريف اللغوي للطلاق.محمد بن عبد الله الزركشي، شرح الزركشي على متن الخرقي، دار العبيكان، 5/371.
مشروعية الطلاق
الطلاق مشروعٌ لا خلاف في مشروعيته عند الفقهاء، وقد ثبتت مشروعيته بصريح وصحيح السنة النبوية المطهرة، كما أجمعت الأمة الإسلامية من لدن سيد الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم- وحتى هذا اليوم على أن الطلاق مشروعٌ جائز، ومن النصوص الدالة على مشروعية الطلاق على وجه التمثيل ما يلي:مجموعة من المؤلفين، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، 1/312
- دليل مشروعية الطلاق من القرآن الكريم: قول الله سبحانه وتعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ).سورة البقرة 229 فقد أشارت الآية الكريمة أن الزوج يملك على زوجته طلقتين رجعيتين، فيجوز له بينهما إرجاع مطلقته دون حاجةٍ إلى موافقتها أو إجراء عقدٍ جديد، فإن وقع منه طلاقٌ ثالثٌ عليها فلا رجعة له عليها.
- دليل مشروعية الطلاق من السنة النبوية المطهرة: ثبتت مشروعية الطلاق في السنة النبوية في العديد من النصوص وأوضحها ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد رسول الله صلَى الله عليه وسلم فسأل عمر رسول الله عن ذلك فقال: (مرهُ فليُراجعها، ثم ليُمسِكها حتى تطْهُر، ثم تَحيض ثم تطهر ثم إن شاء أَمْسَك بعد وإن شاء طلَّق قبل أن يَمَس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء).رواه البخاري، في صحيح البخاري، حديث رقم (5251)، وهذا الحديث الشريف يُضيف إلى كون الطلاق ثلاثاً فقط كما سبق في الآية سالفة الذكر؛ أن الطلاق لا يجوز أن يكون في الحيض بل يجب أن لا يوقعه الزوج على زوجته إن أراد ذلك إلا في حال طُهرها، فإن طلقها في حيضها فقد خالف صريح أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- كما أن الحديث بيَّن عدة المطلقة من طلاقٍ رجعي أنه ثلاث حيضاتٍ كاملات.
- مشروعية الطلاق من الإجماع: فقد أجمع علماء الأمة الثقات على أن الطلاق مشروعٌ لا خلاف في ذلك بينهم، والحكمة في مشروعية الطلاق مع أن الأصل في الديمومة هو أنه ربما وصل الزوجان إلى مرحلةٍ يكون استمرار الحياة الزوجية مستحيلاً، فيكون الطلاق حلاً في مثل تلك الحالة مع أن الإسلام لا يُحبذ انتهاء تلك الحياة، إلا أن تضرر الزوجين جعل ذلك جائزاً لرفع الضرر عن أحدهما أو كليهما، وفي مثل هذه الحالة إن حصل الطلاق فقد حفظ الإسلام لكل واحد من الزوجين وفرض عليه واجباته التي ينبغي عليهما الامتثال بها ومراعاة حق الآخر فيها.