أهمية الصلاة
للصلاة مكانة عظيمة في الشريعة الإسلامية الغرّاء، وقد أكّد الله عز وجل في كتابه العزيز على هذه الأهمية وعلى رفعة مكانة ، فمدح عباده المؤمنين المواظبين عليها ونسبهم إلى الإيمان ووصفهم بأنهم المفلحون في الدنيا والآخرة فقال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)سورة المؤمنون: الآيات 1-2 ومن تأمل كتاب الله -سبحانه وتعالى- يجد الآيات في هذا الباب كثيرة جداً ومتنوعة، وهكذا الحال في السنّة النبوية المطهرة، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يحرص على الصلاة غاية الحرص، وكثيراً ما أكّد عليها وحذّر من تركها، ويتّجلى هذا الأمر واضحاً في حياته -صلى الله عليه وسلم- بل إنّه قبل أن يُفارق الدنيا كانت التوصية بها آخر كلامه وشغله الشاغل ومحور اهتمامه، فقد روى أبو داود عن علي، قال: كان آخِرُ كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الصلاةَ الصلاةَ، اتقوا الله فيما مَلَكَتْ أيمانُكم)أبو داود، سنن أبي داود، الناشر: دار الرسالة العالمية، الطبعة: الأولى، 1430 هـ – 2009 م الجزء 7، الصفحة 464-465 والإنسان عندما يقترب أجله ويحس بأنه سيغادر الحياة الدنيا تجده إن أوصى بشيءٍ يكون أعز الأشياء إلى قلبه وأهمها لديه مما يعني أن الصلاة كانت أشدَّ ما يهتم به النبي -صلى الله عليه وسلم- ويدعو للتمسك به.
الصلوات المكتوبة
وهي الصلوات الواجبة التي فرضها الله تعالى على كل مسلم بالغ عاقل وهي خمس صلوات في اليوم والليلة الصبح و و والمغرب والعشاء، وقد شرع الله تعالى هذه الصلوات في ليلة الإسراء والمعراج، حيث فرض الله تعالى على المسلمين في تلك الليلة خمسين صلاة ثم خففها رب العزة -جل وعلا- إلى خمس صلوات يؤديها المسلم خمساً، ولكن تُحسب له في الأجر كأنّها خمسون صلاة.مصطفى الخن، مصطفى البغا، علي الشربجي، الفقه المنهجي على مذهب الشافعي، دمشق، دار القلم، 1996م، المجلد الأول، صفحة 101.
حكم تارك الصلاة عند الأئمة الأربعة
بالرغم من أن ترك الصلاة فيه قطعٌ للصلة التي بين العبد وربه، ورغم تأكيد الله عليها في وأنّها هي العبادة الوحيدة التي جاءت فرضيتها مباشرة على رسول الله من فوق سبع سماوات عندما كان في رحلة الإسراء والمعراج وما حوته السنّة المُطهرة من بيان شأنها وأهميتها إلا أنّ الكثيرين من أبناء الأمة وقعوا في التفريط فيها، فالبعض فرّط في خشوعها وإقامتها على الوجه المطلوب، والبعض الآخر فرّط في أدائها على أوقاتها، وآخرون تركوها بالكليّة.
ولقد كان في القرون الأولى من لا يتصور أن تقع مسألة في الواقع العملي بين الناس حتى إن أحد علماء المغرب ذُكِر عنه أنه استنكر حدوث هذا بين المسلمين فكانوا يستبعدون هذا الأمر.أبو زرعة ولي الدين ابن العراقي، طرح التثريب في شرح التقريب، الناشر: الطبعة المصرية القديمة، المجلد 2 الصفحة 150 فقد كانوا إذا ذكروا مسألة ترك الصلاة ذكروها لمجرد أنّها مسألةٌ فقهيه ليعرف طالب العلم حكمها فقط؛ أما من حيث وقوعها وانتشارها بين الناس فلم تكن موجودةً حينها.
ومما يلزم الإشارة إليه أن المذاهب الفقهية الأربعة اتفقت على أن تارك الصلاة جاحداً لها منكراً لفرضيتها كافرٌ كفراً مخرجاً من الملّة، أمّا إن كان جاهلاً بها وبفرضيتها وأنه ملزمٌ بأدائها وأنها مفروضةٌ عليه لا يُحكم بكفره، ومثله كمثل من دخل في الإسلام حديثا ولا يجوز لأحدٍ أن يحكم بتكفيره، وإنما يُعلم عظم شأنها وأنها مفروضةٌ عليه لا يحل له تركها.الروياني، بحر المذهب، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 2009 م، الجزء 2، الصفحة 512
وقد وقع الخلاف بين الفقهاء فيمن ترك الصلاة مُتهاونا بها ومُتكاسلا عنها لا جحودا ولا كفراً.
حكم تارك الصلاة عند الحنفية
جاء عن أبي حنيفة قوله بأن تارك الصلاة ليس بكافر ولا يجوز الحكم بذلك؛ ولكنّه مُتهم بالفسق ومرتكب لكبيرة.أبو المحاسن المَلَطي، المعتصر من المختصر من مشكل الآثار، بيروت، عالم الكتب، الجزء 1, الصفحة 93 ومن الأدلة التي استدل بها الحنفية في هذه المسألة، قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (خَمْسُ صَلَواتِ كتَبهنَّ اللهُ على العِباد، فمن جاءَ بهن لم يُضَيعْ منهُن شيئاً استخفافاً بحقهنَّ كان له عندَ الله عَهدٌ أن يُدْخِلَه الجَنَّة، ومَنْ لم يأتِ بهِن، فلَيسَ له عندَ الله عهد: إن شاءَ عَذبه، وإن شَاءَ أدْخَلَه الجَنة)رواه أبو داود، سنن أبي داود، الناشر: دار الرسالة العالمية، الطبعة: الأولى، 1430 هـ – 2009 م الجزء 2، الصفحة 560 وأما القول في عقوبته، فعند أبي حنيفة أنه يُعزّر على تركه الصلاة ولا يُقتل.السُّغْدي، النتف في الفتاوى، دار الفرقان، عمان الأردن ، مؤسسة الرسالة، بيروت لبنان، الطبعة: الثانية، 1404 – 1984، الجزء 2، الصفحة 694
حكم تارك الصلاة عند المالكية
جاء عن الإمام مالك -رحمه الله- أن تارك الصلاة ليس بكافر وإنّما يؤمر بأن يٌصلي وإلا يُقتل، والمذهب عند المالكية أنه لا يحل التكفير بالذنوب -وترك الصلاة ذنب- ومن أدلتهم على ما ذهبوا إليه عدم انعقاد الإجماع على ذلك.أبو بكر التميمي، الجامع لمسائل المدونة، معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1434 هـ – 2013 م، الجزء 2، الصفحة 404 وأما بالنسبة لعقوبته عندهم، فإن تارك الصلاة يؤمر أن يُصلي فإن صلى يُترك، وإن رفض ذلك يُقتل.أبو بكر التميمي، الجامع لمسائل المدونة، معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1434 هـ – 2013 م، الجزء 2، الصفحة 403
وقد حمل الإمام مالك -رحمه الله- وأبو حنيفة والشافعي الأحاديث الواردة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كفر تارك الصلاة؛ فيمن تركها جاحداً لوجوبها، أما من تركها مُتهاوناً فلا يدخل في هذه الأحاديث.
حكم تارك الصلاة عند الشافعية
جاء عن الإمام الشافعي -رحمه الله- أن تارك الصلاة لا يكفر ولا يحل لأحد أن يحكم بكفره، وإنّما يُستتاب فإن تاب وصلى تُرك، وإن أصرّ على تركه الصلاة فإنّه يُقتل. الشافعي، الأم، بيروت، دار المعرفة، الطبعة الأولى، 1410هـ/1990م، الجزء 1، الصفحة 291وما بعدها واستدلوا على ذلك بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن شاء عذبه وإن شاء غفر له)رواه أبو داود، سنن أبي داود، دار الرسالة العالمية، الطبعة الأولى، 1430 هـ – 2009 م الجزء 2، الصفحة بأنّه في الحديث ظاهر في دخوله تحت المشيئة فإن كان كافراً فكيف سيدخل تحت المشيئة.الخطيب الشربيني، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1415هـ – 1994م، الجزء 1، الصفحة 612
حكم تارك الصلاة عند الحنابلة
اختلفت الروايات عن الإمام -رحمه الله- في حكم تارك الصلاة؛ فنُقل عنه أن تارك الصلاة لا يكفر ولكن يستتاب.أبو يعلى الفراء، التعليق الكبير في المسائل الخلافية بين الأئمة، دار النوادر، دمشق ، سوريا، الطبعة الأولى، 1435 هـ – 2014 م، الجزء 4، الصفحة 130 فيكون قد وافق في هذه الرواية جمهور العلماء في القول بعدم كفر تارك الصلاة. وجاء عنه أيضاً القول بأنّه يكون بتركه للصلاة كافراً فيُقتل باعتباره مرتدًا.ابن قدامه، الشرح الكبير، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، القاهرة: الطبعة الأولى، 1415 هـ – 1995 م، الجزء 3، الصفحة 35
واستدل الحنابلة على ذلك بأدلة عدة، منها قوله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)سورة مريم: الآية 59 ووجه الاستدلال في هذه الآية أن تركهم للصلاة واتِّباعهم للشهوات أدخلهم النار، واستدلوا كذلك بقول رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: (إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ)مسلم، صحيح مسلم، دار إحياء التراث العربي ، بيروت، الجزء 1، الصفحة 88 وما ورد عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (إِنَّ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمِ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ)رواه النسائي، السنن الصغرى، مكتب المطبوعات الإسلامية ، حلب، الطبعة: الثانية، 1406 – 1986، الجزء 1، الصفحة 231