راهب أو عابد بني إسرائيل هي توضح مدى تمكن الشيطان من غواية بني آدم حتى ولو كان أعبد أهل زمانه، وهي لعابد يدعى برصيصا أغواه الشيطان بصورة تدريجية حتى تملك منه وجعله عبدًا له، فهل تعرف من هو برصيصا؟ وما قصة هذا العابد الذي سجد للشيطان؟ وهل ذكرت في ؟ وهل كان من الممكن له أن ينجو بنفسه؟
راهب بني إسرائيل أعبد أهل زمانه
وردت أكثر من رواية في السنة النبوية في قصة برصيصا العابد إلا أن جميعها أكدت على كونه أعبد أهل زمانه وأزهدهم، فقد كان مقبل على الله بقلبه وعقله وجوارحه حتى أنه بنى صومعة لنفسه للتعبد، مما جعله ينال شهرة واسعة بين قومه فمن يستطيع أن يكون مثل برصيصا ويتعبد بهذه الطريقة على الدوام.
حاول الشيطان في بداية الأمر أن يغوي برصيصا إلا أنه فشل فالعابد لا يكترث إلا لعبادته حتى مل منه الشيطان وسئم، فجمع المردة والشياطين حتى يستفتيهم في أمره، وقال لهم: ألا أجد منكم من يكفيني أمر برصيصا؟ ، فقال أحدهم أنا أكفيك أمره.
خطة محكمة من الشيطان للإيقاع بالعابد
ذهب الشيطان متنكر في شكل راهب إلى صومعة برصيصا فوجده يصلي كعادته، فجلس بجانبه حتى انتهى من صلاته فقال برصيصا للعابد: من أنت؟ و ماالذي أتى بك إلى هنا؟ قال العابد (الشيطان المتخفي): أريد أن أتعلم منك، وأن أتعبد مثلك، فاجعلني أتعبد معك فأتأدب بأدبك، حتى نعين بعض على طاعة الله، فوافق برصيصا ورحب به، وهل يرفض أن يجد معين ومحفز على العبادة، بعد فترة قليلة من إظهار الشيطان للتعبد، أعجب به برصيصا، فأخبره الشيطان أن يعلم كلمات يُشفى بها المريض والمبتلى، وعلم برصيصا هذه الكلمات، وهنا علم الشيطان أنه تمكن من برصيصا.
قام الشيطان إلى رجل فخنقه فظل الرجل يتأوه ولا أحد يعلم ما به، فتنكر الشيطان لقومه وقال لهم: إن صاحبكم قد جن، وأنا أدلكم على من يشفيه، قالوا من؟ فأشار إلى صومعة برصيصا العابد، فذهب الناس به إلى برصيصاالذي تذكر كلمات الراهب صديقه، وما أن قرأها على الرجل المجنون حتى برأ، فجعل الناس يهتفون باسمه، ويشكرونه على حسن صنيعه، حتى ذاع صيته بين الناس.
برصيصا العابد أم برصيصا العاشق
كان لأحد الملوك ابنة تتمتع بجمال فتان ولها ثلاثة أخوة، وكانت هذه هي بغية الشيطان حتى يوقع بالعابد، فعمد إليها الشيطان فخنقها، ولما ظهرت عليها المس والجنون أخبرهم الشيطان أن هناك عابد زاهد يستطيع علاجها يدعى برصيصا ولكن عليهم أن يبنوا لها صومعة بجانب صومعته حتى يستطيع التفرغ لعلاجها، فوافق الملك على الفور وأرسل من يبني الصومعة وأرسل ابنته فيها وتركها، وعلى الرغم من رفض برصيصا إلا أن الملك أصر على أن يعالج ابنته.
وفي اليوم التالي وبينما كان الراهب يتعبد كعادته، خرجت عليه الفتاة وهي جميلة فلم يلتفت إليها، فقام الشيطان فخنقها، فظلت تناديه وتتأوه من شدة الألم حتى صرعت أمامه، وهنا وسوس له الشيطان أنها فرصة لن تعوض، فالفتاة أمامه وعليه أن يواقعها ثم يتوب بعد ذلك، فاستجاب برصيصا وواقع الفتاة فحملت منه.
فلما ظهر على الفتاة حملها، قل له الشيطان سينفضح أمرك ويلقون بشبه الولد عليك، اقتلها وتخلص منها وإن سألوك عنها، قل ذهب بها شيطانها، ففعل برصيصا وقتلها وأخفى جثتها، فقام الشيطان بإظهار طرف ثوبها خارج التراب حتى يستطيع أهلها أن يتعرفوا عليه.
برصيصا وسجدته الأخيرة للشيطان
ذهب الشيطان لإخوتها الثلاثة وأخبرهم ما كان من فعل العابد وقتله لأختهم، ودلهم على قبرها، فلما ذهبوا وجدوا طرف ردائها، فقبضوا عليه وهدموا صومعته وأمر الملك بصلبه وقتله، فلما رفع وصلب أتاه الشيطان، في صورة الراهب الذي كان يتعبد معه، وقال له أما تستحي من فعلت؟ زنيت وقتلت! الآن صرت عبرة للناس أهلكت وأعييت الراهبين من بعدك، فلن يصدقهم أحد.
فقال برصيصا: وماذا أفعل؟ قال: فعلة واحدة تنجيك مما أنت فيه، فقال العابد: وما هي؟ قال: سجدة واحدة وينتهي عذابك، ففعل برصيصا وسجد له من دون الله، وهذه اللحظة التي انتصر بها الشيطان على العابد فقال له: أنك كفرت بالله، وأنا برئ منك إني أخاف الله رب العالمين.
برصيصا عبرة وآية
وردت قصة برصيصا العابد في كتب السنة والتاريخ مثل الطبري كنوع من العبرة والعظة، في الآية من {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر:16] فمن كان يتخيل أن هذه هي نهاية أعبد أهله، العابد الزاهد برصيصا، لولا مكيدة الشيطان له وتربصه إياه، ولكن في نظرة تأملية لهذه القصة نجد أن برصيصا، كان لديه أكثر من فرصة لينجو من الشيطان إلا أن الاستسلام الذي كان فيه هو ما دفعه لمعصية تلو الأخرى، مما تسبب في النهاية لسوء الخاتمة والموت على الكفر والعياذ بالله.
لذلك كانت الاستعاذة من الشيطان أقوى سلاح لرد هذا الكافر اللعين {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فقد توعد الشيطان لبني آدم بالهلاك والغواية قال الله تعالى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [سورة الحجر: 39-40.