تعريف عام بسورة البقرة
سورة مدنية، باستثناء قول الله سبحانه وتعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) فهي آية مكية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في منى في حجة الوداع، تأتي سورة البقرة في ترتيب المصحف الثانية بعد سورة الفاتحة، وقد استغرقت سورة البقرة جزأين ونصف من عدد أجزاء الثلاثين، عدد آياتها مئتان وست وثمانون آية، وعدد كلماتها ستة ألاف ومئة وواحد وعشرين كلمة.
تضمنت سورة البقرة العديد من الأمور، منها؛ بيان أصول العقيدة الإسلامية، وبيان الأدلة على توحيد الله سبحان وتعالى، وعرضت تاريخ اليهود الطويل في العناد والتكذيب والمعاندة، وقتلهم الأنبياء بغير حق، كما بينت سورة البقرة أحكام التشريع الإسلامي في المجتمع المسلم، كالصلاة والصيام، والزكاة والحج، كما احتوت على العديد من أحكام المعاملات الإسلامية المالية وغيرها، والإنفاق في سبيل الله، والجهاد، وأحكام الأسرة في الإسلام، من زواج وطلاق، وغيرها الكثير من الأحكام العملية.كتاب التفسير المنير، تأليف الدكتور وهبة الزحيلي، الجزء(1) الصفحة(68-70 ) بتصرف. كتاب الموسوعة القرآنية خصائص السور، تأليف: جعفر شرف الدين، الجزء(1) الصفحة(41-45) بتصرف
تسمية سورة البقرة
سميت سورة البقرة بهذا الاسم نسبةً إلى بيان قصة بقرة فيها، والتي تفرَّدت بذكرها؛ حيث وقعت أحداث هذه القصة في بني إسرائيل، على عهد نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام، إذ وقعت جناية قتل في بني إسرائيل وجُهل الفاعل، وأخذ كُلٌ منهم يدفع الجناية عن نفسه، فترافعوا إلى نبي الله موسى عليه السلام، فسأل ربه سبحانه وتعالى، فأمرهم بذبح بقرة، ثم يضربوا القتيل ببعضها، فيحيا بإذن الله سبحانه وتعالى ويُخبر عن من قتله، فما كان من بني إسرائيل سوى العناد في تنفيذ ما أمرهم الله سبحانه وتعالى به، ووقفوا ساخرين وهازئين مما أُمروا، فأكثروا من السؤال بشأن البقرة استخفافاً واستهتاراً؛ ماهي، وما لونها، وما صفاتها، حتى شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله سبحانه وتعالى عليهم، وبيّن لهم أنها بقرةٌ صفراء اللون، غير مخصصة لحراثة الأرض، ولا تسقي الحرث، سالمةٌ لا عيب فيها، وبعد بحثٍ طويل، عثر بنو إسرائيل على البقرة المطلوبة عند شيخٍ كبيرٍ وفقير، ترك من بعده ابنه يتيمًا يرعى البقرة، فاشتروها منه بمبلغٍ كبير، وذبحوها، وضريت جثة القتيل ببعضها فتمت إرادة الله سبحانه وتعالى بإحياء القتيل ونطق باسم من قتله من بني إسرائيل.كتاب الموسوعة القرآنية خصائص السور، تأليف: جعفر شرف الدين، الجزء(1) الصفحة(41-45) بتصرف
سبب نزول سورة البقرة
نزلت سورة البقرة متفرقةً على النبي صلى الله عليه وسلم، مما جعل لها أكثر من سببٍ للنزول، تبعاً للأحداث والوقائع والظروف التي نزلت بها الآيات القرآنية، ومن الآيات القرآنية في سورة البقرة التي لها سبب نزول ما يلي:كتاب التفسير الوسيط للقرآن الكريم، تأليف: مجموعة من العلماء، مجمع البحوث الإسلامية، الجزء (1)، الصفحة (136-459 ) بتصرف.
- قول الله سبحانه وتعالى: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا …)سورة البقرة آية (106) ذكر العلماء في سبب نزول هذه الآية؛ قول اليهود بعد تحويل القبلة من بيت المقدس إلى ، أنّ محمد -صلى الله عليه وسلم- يأمر أصحابه بشيء ثم ينهاهم عنه، وهذا يدل على أنّ ما يأمرهم به من عنده وليس من عند الله كما يقول بدليل أنه يُغيِّرُ في ما يطلبه منهم فنزلت الآية للتدليل على أن القرآن الكريم من عند الله إنما تتغير الأحكام لأسباب خاصة.
- قول الله سبحانه وتعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم …)،سورة البقرة آية (109) فقد ورد أنَّ سبب نزول هذه الآية؛ هو قول مجموعة من كبار اليهود بعد غزوة أُحد التي واجه فيها المسلمون كفار قريش وما لحق بهم من قتل: (ألم تروا إلى ما أصابكم) بمعنى أنه لو كنتم على الحق لما هُزمتم.
- قول الله سبحانه وتعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ…)،سورة البقرة آية (113) حيث نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم، عندما جاء وفد نجران (المسيحي) إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء إليهم أحبار اليهود، وتعالت أصواتهم وكلُّ فريقٍ منهم يقول للفريق الآخر: لستم على شيء، فنزل الآية سالفة الذكر.
- قول الله سبحانه وتعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا..)،سورة البقرة آية (114) نزلت هذه الآية في المشركين عندما منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية من دخول المسجد الحرام حيث كان يُريد حينها أداء ، فمنعوه من أدائها وعاد النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن معه من المسلمين إلى المدينة بما يُعرب باسم صلح الحُديبية.
- قول الله سبحانه وتعالى: (وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ)،سورة البقرة آية (163) سبب نزول هذه الآية هو طلب المشركين من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصف ربه تبارك وتعالى، فجاءت الآية تصف الله عز وجل بأنه واحدٌ أحدٌ لا إله غيره، إلى غير ذلك.
- قول الله سبحانه وتعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ…)،سورة البقرة آية (189) سبب نزول هذه الآية هو؛ سؤال كُلٍّ من معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم للنبي صلى الله عليه وسلم عن الهلال والأهلة؛ لماذا يبدوا دقيقاً مثل الخيط في أوقات معينة من الشهر، ثم يزيد حجمه ويكبر حتى يصبح عظيماً ثم يستوي ويستدير، ثم ينقص حتى يختفي، فبينت الآية أن الهلال هو العلامة على بدء الشهر الهجري ونهايته.
- قول الله سبحانه وتعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ..)،سورة البقرة آية (190) سبب نزول هذه الآية هو صدّ المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلّم عام الحديبية ومصالحته على أن يعود في العام المقبل لأداء العمرة، فجاءت الآية بضرورة الالتزام بالعهود والمواثيق إلا أن يعتدي أحدٌ عليهم فيجب حينها رد الاعتداء.
- قول الله سبحانه وتعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ…)،سورة البقرة آية (217) سبب نزول هذه الآية أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم – بعث مجموعةً من الصحابة بقيادة عبد الله بن جحش إلى نخلة، وأخبره أن يبقى بها حتى يأتي بخبر من أخبار قريش ، ولم يأمره بالقتال، فلقوا مجموعةً من قريش فقتلوا أحدهم، وأسروا اثنين منهم، وأخذوا عيرهم وعادوا إلى المدينة المنورة، فلما قدموا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال له رسول الله: (والله ما أمرتكم بقتالٍ في الشهر الحرام).
- قول الله سبحانه وتعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ …)،سورة البقرة آية (219) سبب نزول هذه الآية أنّ مجموعةً من الصحابة رضوان الله عليهم، عندما أُمروا بالنفقة في سبيل الله جاءوا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – يسألونه عن هذه النفقة التي أُمروا بها في أموالهم، ما هي ماهيتها وفيما يُنفقون، فنزلت هذه الآية لبيان أن ما يكون مُحرماً لا يمكن أن يكون نفقةً.
وتجدر الإشارة إلى أنّه يوجد العديد من الآيات القرآنية في سورة البقرة والتي لها سبب نزول منفردة، وذلك لطول سورة البقرة ونزولها على عدة أقسام وأوقات بناءً على ما كان يحدث من أمور يترتب عليها نزول شيءٍ من سورة البقرة، فكان لكل موضعٍ من تلك الآيات سبب نزولٍ منفرد.