سورة الجمعة
سورةُ الجمعة، هي سورة مدنيةٌ، وآياتها إحدى عشرةَ آية، وقد سُميت بسورة الجمعة، لأنه جاء فيها الأمر بالنداء ، وهي الصلاة التي فرضها الله -سبحانه وتعالى- على عباده يوم الجمعة، في وقت صلاة الظهر، وهي فرضُ عينٍ على كل مسلم، فقد قال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ)سورة الجمعة، آية رقم، 9. وليوم الجمعة فضلٌ عظيمٌ عند الله تعالى، ولصلاة الجمعة مكانةٌ كبيرةٌ لدى المسلمين، حيث أمَر الله المؤمنين في سورة الجمعة بتلبيةِ نداء الجمعة.
وقد اشتملت سورة الجمعة على أحكام تشريعية، كحال باقي السور المدنية، وبيَّنت ، ووصفت النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه خاتمُ النبيين ورحمةٌ من الله للناس كافة، ووصفته بالرحمة لتعليمه قومه الكتاب والسنة وتلاوة آيات القرآن الكريم، فهذه نعمةٌ من الله وفضل، ثم وصفت السورة اليهود وكيف تركوا العمل بالأحكام المنزلة في كتابهم وهو التوراة، حتى أنهم شُبِهوا بالحمار الذي يحمل على ظهره كتباً فيها علمٌ نافع، لكنهم لا يفهموه ولا يعرفون عنه شيئاً، ولا ينالون من حمله إلا التعب، وخُتِمت السورة بالحث على صلاة الجمعة، وتلبية النداء في حال سماعه، وعاتبت من تركَ النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يخطبُ للصلاة.د. وهبة الزحيلي، التفسير المنير، 28/181.
مناسبة السورة لما قبلها
وهناكَ مناسبةٌ بين سورة الجمعة والسورةِ التي قبلها، وهي سورة الصف، فتناسبها من وجوهٍ عديدة، ومنها:د. وهبة الزحيلي، التفسير المنير. 28/182.
- أن الله -سبحانه وتعالى- قارن بين أمة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وقوم سيدنا موسى -عليه السلام- ليبينَ فضل الأمة الإسلامية على غيرها، ففي سورة الصف أوضحَ تعالى كيف كان حال موسى مع قومه وما تعرضَ له من إيذاء مُبيناً جحودهم ومؤنّباً لهم، وفي سورة الجمعة بَيَّنَ الله تبارك وتعالى حال النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أمته وفضل أمة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- تكريماً وتشريفاً لهم.
- وفي سورة الصف بشَّر الله تعالى سيدنا عيسى عليه السلام بنبيٍّ بعده وهو النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وفي السورة التي بعدها أي سورة الجمعة، أخبر تعالى أن من بَشّرَ به هو الذي بعثه في الأُمِّيين رسولاً.
- وفي سورة الصف ختمَ الله تعالى آياته بالأمر بالجهاد، وسماه تِجارَةً وختم هذه السورة بالأمر بالجمعة، وأخبر أنه خَيرٌ من التجارة الدنيوية.
- وفي سورة الصف أمر الله تعالى المؤمنين بأن يكونوا صفاً واحداً في القتال، فناسب تعقيب سورة القتال بسورة صلاة الجمعة التي تستلزم الصف، لأن الجماعة شرطٌ فيها دوناً عن باقي الصلوات.
تعريف سبب النزول وتعريف الجمعة
تعريف سبب النزول
وسبب النزول إجمالاً هو ما نزلَ القرآن الكريم بشأنه من أقوال أو أفعال عند وقوعها في زمن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- حيث جاء نزول الآيات القرآنية والقصص والوردة فيه تباعاً لحوادث حصلت، أو تفسيراً لحوادث وأسئلة عُرضت على النبي -صلى الله عليه وسلم- فجاء بيانها في القرآن لأهميتها ولتكون منهاج حياةٍ للمسلمين.خالد بن سليمان المزيني، المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة، 1/104.
تعريف الجمعة
- الجمعة لغةً: جمع الشيء وضمُّه إلى بعضه، وقد سمي يوم الجمعة بهذا لأن الناس يجتمعون فيه.أحمد بن فارس الرازي، معجم مقاييس اللغة، 1/480.
- الجمعة اصطلاحاً: هو يومٌ من أيام الأسبوع، فيه صلاةٌ خصَ الله بها المسلمين وهي .
- صلاة الجمعة: هي صلاةٌ خاصةٌ بيوم الجمعة، ولا تؤدى بغيره من الأيام، يؤديها المسلم في وقت صلاة الظهر، لكنها تخالفُ صلاة الظهر في أنها صلاة جهرية، وتخالفها في العدد حيث تصلى الجمعة ركعتان فقط أما الظهر فهي أربع ركعات، وتخالفها في الخطبة فلا يوجد خطبة لصلاة الظهر، بينما توجد في صلاة الجمعة، وتخالفها في شروط صلاة الجمعة المعتبرة لها، فرضُ عينٍ على كل مسلم بالغ عاقل.د. سعيد بن علي القحطاني، صلاة الجمعة، 1/7.
سبب نزول سورة الجمعة
والسبب في نزول سورة الجمعة هو ما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- حيث ثبت عنه أنه قال: (أقبلت عِيرٌ يوم الجمعة، ونحن مع النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فثار الناس إلا اثني عشر رجلاً فأنزل اللَّه: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا)البخاري، صحيح البخاري، 4899، ومسلم، 863. فهذا الحديث يُبيِّن سبب نزول سورة الجمعة لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، وموافقته لسياق القرآن، وإجماع المُفسِّرين عليه، حيث ذكره جمعٌ من المفسرين بأنه سبب نزول سورة الجمعة ومنهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي والسعدي وابن عاشور.
وفيه أن الله -سبحانه وتعالى- يعاتب المؤمنين، لما أتت قافلة تجارةٍ ، وكان بها زيتاً قدم به دحية بن خليفة من الشام، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- حينها قائماً يخطبُ بالناس، لصلاة الجمعة، فانصرف الناس إلا القليلُ منهم عن الخطبة وذهبوا إلى القافلة، فعاتبهم الله تعالى بأنهم تركوا ما هو خيرٌ لهم وهي الصلاة، وانفضوا إلى القافلة حرصاً على التجارة والكسب في الدنيا، فأمر الله تعالى عباده المؤمنين بترك التجارة وقت الصلاة، والحرص على أداء الصلاة والاستماع للخطبة، وأباح لهم البيع والتجارة في أي وقتٍ غيرَ وقت الصلاة.خالد بن سليمان المزيني، المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب السعة، 2/1012.
ومن اللطائف المذكورة في سورة الجمعة هي أن الأمر في سورة الجمعة جاء بلفظ (فاسعوا) وهذا تنبيهٌ للمسلم إلى أن يقوم لصلاة الجمعة بعزيمةٍ وهمةٍ ونشاط، لأن لفظ السعي يُفيد الجدَّ والعزم والهمَّة إلى الشيء، وقد عبَّرَ عن ذلك الإمام الحسن البصري لما قال بأنه: سعيٌ بالنية والقلوب، وليس سعياً على الأقدام، أي ينبغي أن يكون المُسلم حريصاً عليها مجتهداً في أدائها. محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، 3/360.
حكم البيع في وقت صلاة الجمعة
وحكمُ البيع والشراء والإجارة وغيرها من تجاراتٍ وكسبٍ بعد الأذان الأول لصلاة الجمعة حرام، لما وردَ من نهيٍ وتحريمٍ في الآية الكريمة، فيجب على المؤمنين تلبية نداء الله تعالى وترك التجارة، وأن لا يُشغل المسلم نفسه عنها بأي شيء آخر، وأما باقي الصلوات فالأحوط للمسلم أن يترك التجارة وقت الأذان، لأنه يفوته أجر الجماعة، لكن جاء النص بالنهي عن الانشغال في وقت صلاة الجمعة فقط، لعظيمِ أمرها وفضلها، وهي فرضٌ وحيدٌ بالأسبوع ليس كسائر الصلاة تتكررُ كل يوم، فباقي الصلوات ليست كحكم الجمعة في التحريم. الموقع الرسمي لابن باز: حكم البيع أثناء أذان الجمعة وغيره