سورة الحشر
سورة الحشر هي سورة مدنيّة بالإجماع، وآياتها أربعٌ وعشرون آية، وقد سميت سورة الحشر بهذا الاسم، لأنه ذكر فيها الحشر الأول، وهو الجمع الأول الذي حُشر فيه اليهود وأخرجوا من المدينة إلى بلاد الشام، وكان هذا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما ذُكر فيها الحشر الثاني، وهو عندما أُخرج اليهود من خيبر إلى وكان هذا في عهد عمر -رضي الله عنه- ويطلق عليها أيضاً اسم سورة بني النضير، لأنها أوردت قصة إجلاء يهود بني النضير وإخراجهم من في غزوة بني النضير، وذلك بسبب نقضهم العهد مع النبي -صلى الله عليه وسلم.
وقد اشتملت سورة الحشر على أحكامٍ تشريعية عديدة، ومن تلك الأحكام التي وردت فيها أحكام الفيء والغنائم، والأمر بتقوى الله جلَّ جلاله، كما تحدثت السورة عن علاقة باليهود، وعن إجلاء يهود بني النضير، كما أنها بينت عظمة القرآن الكريم، كما جاء في سورة الحشر ذكر بعض أسماء الله الحسنى.وهبة الزحيلي، التفسير المنير، 28/63.
سبب نزول سورة الحشر
في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يسكن المدينة المنورة ثلاثة طوائف من اليهود، فوضع النبي -صلى الله عليه وسلم- بينهم وبين المسلمين العهود والمواثيق، ليأمنَ جانبهم لكنهم مع ذلك نقضوا العهود مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فاليهود بطبعهم الغدر وعدم الالتزام والوفاء بالعهود، وكان من بين الطوائف التي تقيم في المدينة يهود بني النضير، فتواطؤوا مع المشركين، ضد النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين، وأظهروا لهم العداوة والبغضاء، فحاصرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وكانوا حينها يسكنون ناحيةً من المدينة المنورة ولهم نخلٌ حول مساكنهم، فحاصرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وانتهى الحصار بإجلائهم وإخراجهم من المدينة المنورة، على أنّ لهم ما حملت الإبل من المتعة والأموال إلا السّلاح وكان هذا في ربيع الأول من السنة الرابعة من الهجرة، وقد روي عن سعيد بن جبير أنه سأل ابن عباس عن سبب نزول سورة الحشر فأخبره أنها أُنزلت في بني النضير.وهبة الزحيلي، التفسير الوسيط، 3/2621.
كما ذُكر في سبب نزول السورة عدة أحاديث، حيث ذكر حديثين في سبب نزول سورة الحشر، والأحاديث والنقل هي السبيل لمعرفة سبب النزول، لأن أسباب النزول هي الوقائع التي حدثت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- واستدعت الإيضاح والبيان فتتنزَّلُ الآيات بحسب ما تقتضي الحاجة، ومن ذلك أنه جاء في الحديث أنه عندما حاصر النبي -صلى الله عليه وسلم- يهود بني النضير كان من باب التضييق عليهم وإزعاجهم حرق نخل بني النضير وقطعه، ليكون ذلك نكالاً لهم وخزيًا في الدنيا، وذلاً يُعرف به عجزهم التام الذي جعلهم لا يستطيعون إبقاء نخلهم الذي هو مادة قوتهم وحصنهم، وكان ذلك من المسلمين ليستطيعوا إنزالهم من حصونهم، فلما أُمروا بإنزالهم من الحصون قطعوا النخل، فسألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك وقالوا أنهم قطعوا بعض النخل وتركوا بعضه، فسألوه إن كان لهم أجرٌ في النخل الذي قطعوه، وإن كانوا يأثمون بما تركوا من النخل، فأنزل الله تعالى قوله: (مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ).سورة الحشر، آية رقم، 5.
وذكر الطبري والبغوي وابن العربي والقرطبي في سبب نزول سورة الحشر حديثٌ لابن عمر ومضمونه أنه لما قطع النبي -صلى الله عليه وسلم- نخل بني النضير وحرقها، وأنكر بنو النضير ذلك على الرسول -صلى الله عليه وسلم- وجزعوا منه وأتَّهموه بأنه يفعل ما ينهى عنه، وأنّ قطع النخل يُعد فساداً، وأن من يريد الصلاح في الأرض لا يفعل ذلك فوقع في نفس المسلمين حرجٌ مما قالوا واختلفوا في إبقاء النخل أو قطعه فمن تركه منهم كانوا يخشَون أن يكون ذلك فساداً، وقالوا أنه مما أفاء الله، ومن قطعها قالوا بأنهم يغيظون اليهود بذلك، فأنزل الله الآيات لتُبيِّن أن ما قطعه الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو تركه فكله بأمرٍ من الله تعالى.
وخلاصة القول هي أن قصة بني النضير هي سبب نزول سورة الحشر، وأن سورة الحشر نزلت في بني النضير بلا خلاف، وأن القصة الواردة من التحريق والتقطيع للنخل هي سبب نزول قول اللَّه تعالى: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ) وأن ما روي من أسباب النزول التي ذكرت أو التي ذكرها تدل على أن سبب نزول الآية هو تحريق النخيل وتقطيعها لدلالة السنة على ذلك وإجماع المفسرين عليه مع موافقة سياق القرآن.خالد بن سليمان المزيني، المحرر في أسباب النزول من خلال الكتب التسعة، 2/979.
مؤامرة يهود بني النضير على النبي -صلى الله عليه وسلم-
كان السبب الأول في غزوة بني النضير وإجلائهم من المدينة المنورة هو تآمرهم على النبي -صلى الله عليه وسلم- ومحاولتهم قتله، وقد ذُكر في ذلك روايتان الأولى تقول بأنهم طلبوا من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يأتي إليهم ليُلَقِّنَهم تعاليم ، ويُعلِّمهم القرآن الكريم، فلم يرفض النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك، لكن بلغه أنهم قد اتفقوا فيما بينهم على قتله -صلى الله عليه وسلم- وكانوا قد خططوا بأن يُخبِّئ كل واحد منهم سكيناً، وإذا حضرَ النبي -صلى الله عليه وسلم- قاموا بقتله، فما كان من النبي -صلى الله عليه وسلم بعد أن علم بذلك إلا أن أخرجهم من المدينة المنورة.
وقد ذُكر أيضاً أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذهب إليهم ومعه جمعٌ من أصحابه، وذلك ليطلب منهم العون في دفع دية رجلين كان قد قتلهما الصحابي عمرو بن أمية الضمري -رضي الله عنه- فقد نصت المعاهدات على أنهم يُعينون النبي -صلى الله عليهم وسلم- في مثل ذلك، وكانوا قد خططوا أنه بعد أن يجلس النبي على حائطٍ يُلقوا على رأسه صخرةً كبيرة، فأوحى الله تعالى إلى نبيه عليه السلام بواسطة جبريل فحذر النبي -صلى الله عليه وسلم- فعاد إلى المدينة وأجلاهم منها. موضوع: أين ذهب يهود بني النضير عندما أجلاهم الرسول من المدينة