سورة الفتح
استهل المولى عز وجل سورة الفتح بقوله: «إنا فتحنا لك فتحا مبينا (1) ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما (2) وينصرك الله نصرا عزيزا (3)»، تعبيرًا عن حدث جلل ينتظره الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ وأتباعه من المسلمين والصحابة الأوائل، وتبشيرًا لهم، وهو ما حفلت به الآيات التي يصل عددها لتسع وعشرين، ضمن السورة التي يأتي رقم ثمانية وأربعين.
سبب نزول سورة الفتح
السورة مدنية بإجماع ، بما يعني أنها تخاطب المسلمين الأوائل في أمر يخصهم، أو يحذرهم، أو حتى للتبشير، حيث نزلت ليلًا بين والمدينة، وهو ما يرويه محمد بن إسحاق: «نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها».
أما فيما يخص سبب نزول سورة الفتح، هو ما رجحه علماء التفسير بقولهم إنها تعود إلى ما حدث مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع المشركين، بعدما عاد إلى المدينة، حين طلبوا مهادنة المسلمين بصلح الحديبية، وبه تم وضع عدد من الشروط المجحفة بحسب رأي ــ رضي الله عنه ــ من بينها الإقرار بعودة النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه إلى المدينة هذا العام، والعودة في العام الذي يليه، لأداء شعائر العمرة، فنحر هديه في المكان، فنزلت سورة الفتح؛ تبشيرًا للرسول والصحابة، والتأكيد على أن هذا الفتح سيكون مبينًا، كما أوضح المولى عزل وجل في محكم تنزيله.
بعد صلح الحديبية بعامين فقط، جاء ، ومن خلاله تم التمكين للنبي صلى الله عليه وسلم ودعوته، وتحققت رؤياه بأنه يدخل المسجد الحرام ملبيًا للمولى عز وجل، فبشره تعالى بذلك في أواخر السورة بقوله: «لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين».
فضائل سورة الفتح
- تعد سورة الفتح من السور المقربة لقلب الرسول ــ صلى الله عليم وسلم ــ حيث وردت العديد من الأحاديث المنوهة على ذلك، منها قول صلى الله عليه وسلم: «لقد أنزلت عليّ الليلة سورة لهي أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس».
- على خلاف غالبية السور التي ينزل بها الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم بشكل متقطع، نزلت سورة الفتح كاملة على مرة واحدة، بآياتها التسع والعشرين، مبشرة ومطمئنة وهادية، ومعرّفة بالكثير من المعاملات.
- من ميزات سورة الفتح، كونها بشرت النبي بالمغفرة الإلهية عن كل ما تقدم من ذنوب وما يتأخر، بقوله تعالى: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر».
- الوعد بجنات النعيم للمسلمين الذين آزروا النبي صلى الله عليه وسلم في مستهل دعوته، بعد تبشيرهم بنصر عظيم، وهو ما أكده الله تعالى في الآية الخامسة من السورة، بقوله: «ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزًا عظيمًا».
موضوعات تناولتها السورة
- التبشير بصلح الحديبية واعتباره نصر ومبين، وما سيليه من أمور عظيمة للمسلمين من فتح مكة، وما بعدها، وذلك بدءًا من الآية الأولى حتى العاشرة بقوله عز وجل: ومن أوفى بما عاهد الله عليه فسيؤتيه أجرًا عظيمًا».
- فضح الأعراب الذين تخلفوا عن الخروج مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ــ بوصفهم أنهم في قلوبهم مرض، وكذلك المنافقين الذين ظنوا الظنون السيئة بالنبي وبالمؤمنين، فقال تعالى: «سيقول لَك المخلَفون من الأعراب شغلَتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا بقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم».
- تحدثت سورة الفتح أيضًا عن جهاد المسلمين وعن التي بايع فيها الصحابة رسول الله حتى الموت، وبين ذلك الله تعالى بقوله: «لقد رضي اللَّهُ عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشّجرة»
- شرح وتبيين فحوى الرؤيا التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم في منامه في المدينة المنورة ففرحوا واستبشروا، وهي دخول مكة آمنين، وتحقق تلك الرؤيا بالدخول في العام التالي معتمرين آمنين، فقال تعالى: «لقد صدق اللَّهُ رسوله الرؤيا بالحقّ».
كل حروف الهجاء مجتمعة في آخر آيات سورة الفتح
واحدة من إعجازات سورة الفتح، ما جاء في آخر آية بها، كونها تشتمل على كل حروف الهجاء الثمانية والعشرين، فيقول الله تعالى في تلك الآية، مبينًا القوة التي يمتاز بها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، في المقابل الرحمة التي تكتنف المسلمين فيما بينهم، وسماتهم التي تبدو على جباههم من أثر السجود: «محمد رسول اللَّه والَذين معه أشدَاء علَى الكفار رحماء بينهم تراهم ركَعا سجدا يبتغون فَضلا من اللَّه ورضوانا سيماهم في وجوههم من أَثَر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجِيل كزرع أخرج شطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاستغلَظ فَاستوى على سوقه يعجب الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بهم الكفَار وعد اللَّهُ الَذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرًا عظيمًا».