التعريف بسورة المنافقون
سورة المنافقون، هي سورةٌ مدنية، وآياتها إحدى عشرةَ آية، سميت السورة بـ “المنافقون” لأنها ابتدأت بذكرِ المنافقين، ويجدر بالذكر أن النفاق ظهر بعد وفي المدينة المنورة، وقد تحدثت السورة عن أوصافهم، وذكرت ما فعلوه مع النبي صلى الله عليه وسلم، وما ألحقوا به من أذى، وقد قيلَ أن هناك صلةً بينها وبين السورةِ التي تسبقها وهي ، فسورة الجمعة تحدثت عن صفاتِ المؤمنين، وتحدثت عن اليهود الذين لم يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وكذبوا برسالته، وسورة المنافقونَ تحدثت عن صفاتِ المنافقين، وتحدثت عن المنافقين الذين كذبوا أيضاً بنبوةِ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقلوبهم وأظهرت ألسنتهم غير ما يبطنون، وأظهروا خلافَ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، أي أنها مقارنةٌ لصفاتِ المؤمنين والمنافقين، وتحدثت هذه السورةُ عن التشريعاتِ والأحكام، وعن ظهور النفاق في مجتمع المدينة.وهبة الزحيلي، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، 28/212.، وسبب نزول سورة المنافقون هو عبد الله بن أبي بن سلول.
سبب نزول سورة المنافقون
يُعرّف سبب النزول بأنّه: (ما نزلت الآية أو الآيات فى شأنه أيام وقوعه)مجموعة من العلماء، الموسوعة القرآنية المتخصصة، 1/29. فتتنزل الآيات وفقاً للحادثة أو القصة في ذلك الوقت، وهم علمً قائم بحد ذاته، وسورة المنافقون، حالها كسائر السور وقع حدثٌ أو موقف تَطَلَبَ نزول السورة، والسبب الأول لنزول سورة المنافقون هو عبد الله بن أبي بن سلول، وهو رأس المنافقين في ، لما ورد في الحديث الصحيح قصته مع زيد بن الأرقم، فقد روي زيد بن الأرقم رضي الله عنه فقال: (كنت مع عمي، فسمعت عبد الله بن أُبي ابن سلول يقول: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا. وقال أيضاً: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، فذكرت ذلك لعمي، فذكر عمي لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأرسل رسولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عبد الله بن أُبي وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، فصدقهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكذبني، فأصابني همٌّ لم يصبني مثلُه، فجلست في بيتي، فأنزل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ) إلى قوله (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ) – إلى قوله – (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) فأرسل إليَّ رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فقرأها عليَّ، ثم قال: (إن الله قد صدقك))البخاري، صحيح البخاري، 4901، ومسلم، 2584، والترمذي، 3313..
وقال جمهور المفسرين أن هذا الحديث هو سبب نزول سورة المنافقون، منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن عاشور،خالد بن سليمان المزيني، المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة، 2/1016. وتوضيحُ الحديث الشريف أنه كان عبد الله بن سلول ومن معه يُظهرون الإيمان للرسول صلى الله عليه وسلم، ويدعون أنهم يعملون الأعمال الصالحة وأنهم يخرجون معه للجهاد، فلما خرجَ النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوةِ بني المصطلق، وهم فئةٌ أو طائفةٌ من اليهود كانوا يسكنون أطراف المدينة، وكان قد خرجَ معهم عبد الله بن سلول إلى المريسيع، وهو بئر ماءٍ لبني المصطلق الذين ذهبَ النبي صلى الله عليه وسلم لغزوتهم، وكانوا سكانَ المدينة، فلم يكن هناك مشقة سفرٍ في الغزوة، فهم خرجوا طلباً للغنيمة لا رغبةً في الجهادِ ونيل رضا الله سبحانه وتعالى، لأن السفر كان قريباً،ابن الجوزي، زاد المسير في علمِ التفسير، 4/286.
وكانوا قد توعدوا بعد عودتهم من الغزوة، بأن يخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين، من المدينة، ووصفوا النبي صلى الله عليه وسلم بالأذل، وأعطوا أنفسهم صفة العزة، وكانوا قد حرضوا على عدمِ الإنفاق، فسمِعَهم الصحابي الجليل زيد بن الأرقم، فلما بلغَ الرسول صلى الله عليه وسلم ما قالوه ودعاهم إليه أنكروا ما قالوه وحلفوا له وهم كاذبون، فأنزل الله تعالى سورة المنافقون توضح له حقيقتهم، وما هم عليه من الكفرِ والنفاق، فكان سبب نزول سورة المنافقون هو إرادة الله سبحانه وتعالى بأن يكشفَ المنافقين للنبي صلى الله عليه وسلم.
التعريف بالمنافقين وأوصافهم
أول ما ابتدئت به السورة هو ذكر وصفاتهم، والمنافقُ هو من يدعي ويظهرُ الإسلام وهو يبطن الكُفر، وهو من يقول بلسانه خلافاً لما بقلبه، وأهم الصفات التي ذكرتها الآيات، هي أنهم كاذبون في ادعائهم الإيمان، وهذا ما كان من عبد الله بن سلول ومن معه، وأنهم يحلفون الأيمانَ الكاذبة، وأنهم جبناء وضعفاء لا حيلة لهم، ودليلُ ذلك هو تآمرهم على النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين في غيابهم، ولو أنهم كانوا غير ذلك ما ادعوا الإيمان خوفاً ورهبةً من المسلمين، وأنهم يحاولون إبعادَ الناس عن دينهم، ومنعهم من الإنفاق.وهبة الزحيلي، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، 28/213.
وجاء في نهاية الآيات خطابٌ للمؤمنين يحثُهم فيه على التعاونِ على العبادة والطاعة، وعلى إنفاق المالِ ابتغاءً لمرضاة الله تعالى، ليواجهوا بهم أعداء الإسلام. وقد كشفَ الله المنافقين، وأظهر صفاتهم وأسرارهم في القرآن، وحذرَ منهم عباده المؤمنون، وأوضح لهم ما هم عليه، لينذر المؤمنين ويحذرهم منهم ومن ما يبطِنون لهم، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى طوائف البشرية الثلاثة في أولِ ، فذكرَ المؤمنين في أربع آيات، وبعدها ذكرَ الكافرين في آيتين، وذكر في المنافقين ثلاثَ عشرة آية، وذلك لكثرتهم، وعموم الابتلاءِ بهم، ولأنهم فتنة وبلاء على الدين الإسلامي، وذلك لأنهم يدعونَ الإسلام، ويدعون نصرته، وهم أشدُ الناسِ عداءً للإسلام، ولعله أراد الله سبحانه وتعالى بِخَصهم في الذكر في عدة آيات وعدة مواضع لأنه قد يخفى نفاقهم عن الناس ويُخدَعون به، فهم يخدَعونَ الله ورسوله.ابن قيم الجوزية، صفات المنافقين، 1/4.