نشأة الدولة الأموية
منذ وفاة اتخذ أصحابه من نظام الشورى أساساً للمبايعة على خلافته، فتولى الخلافة بمبايعة أهالي المدينة، واستمر ذلك النظام حتى خلافة ، إلا أن القلاقل السياسية التي خلفت مقتل عثمان بن عفان تسببت في مواجهة علي بن أبي طالب بالمطالبين بالأخذ بالقصاص من ناحية، والخوارج الذين خرجوا عن صفوفه من ناحية أخرى، ما أدى إلى مقتله على يد الخوارج.
وبعد مقتل بايع المسلمون الحسن بن علي لخلافة المسلمين، إلا أنه واجه معارضة من أهالي الشام المؤيدين لمعاوية بن أبي سفيان، ففضل الحسن التنازل عن الخلافة حقناً لدماء المسلمين خاصة مع خروج معاوية على رأس جيشه متجهاً نحو الحسن، وبذلك تبدأ بصعود معاوية بن أبي سفيان للخلافة، ليصبح أول خليفة للدولة الإسلامية الثانية بعد دولة الخلافة الراشدة.
عاصمة الدولة الأموية الأولى
بدأ معاوية بن أبي سفيان حكم الدولة الأموية باعتباره مؤسسها عام 41هـ، وكانت أولى أعماله التي قام بها منذ توليه الخلافة قيامه بنقل عاصمة الدولة الإسلامية من الكوفة، باعتبارها العاصمة السابقة لعلي بن أبي طالب، وكل من بها مؤيداً لنقل الخلافة لأبناء علي، ولذلك قام بنقل الخلافة من بلاد العراق إلى بلاد الشام، لتكون العاصمة الأولى للدولة الأموية في بلاد الشام مدينة دمشق.
دمشق
فضل معاوية اختيار دمشق ك لكثرة أتباعه بها، فقد كان والياً عليها لمدة تصل إلى 20 سنة، وبالتالي كان عالماً بأحوالها وطبائع أهلها، ولذلك اختارها كعاصمة ليظل خليفة عليها لمدة 20 سنة أيضاً، وبعد وفاته تنتقل الخلافة لأبنائه ثم أحفاده.
ولأن المدينة كانت مقراً للحكم فقد تميزت عن غيرها من المدن بالتطور الذي طرأ عليها، خاصة من الناحية المعمارية، فقد أنشأ بها الخلفاء الكثير من القصور الضخمة، والمساجد الكبيرة، وغيرها من المباني المختلفة، ومن أفخم القصور التي أقيمت بالعاصمة “دار الإمارة” والتي أنشأها معاوية لتكون مقراً للخليفة، وأشهر المساجد بها الجامع الأموي الشهير الذي بناه الوليد بن عبد الملك والمزين بالفسيفساء.
وقد ظلت دمشق عاصمة للدولة الأموية في عهد جميع حكام الدولة الأموية حتى عام 127هـ، فقد شهد هذا العام الكثير من التقلبات السياسية في جميع أنحاء الدولة الإسلامية وخاصة دمشق، وذلك بعد الوليد بن هشام على يد الخليفة يزيد بن الوليد الخليفة الثاني عشر للدولة، والذي تسبب في قيام الكثير من الثورات، ولكنه ما لبث أن توفي، وتولى أخاه إبراهيم بن الوليد خلفاً له، ويكون عهده نهاية لتمركز الدولة في العاصمة دمشق.
حران
بسبب المشكلات التي شهدتها العاصمة دمشق؛ والخلاف بين الأمراء على الحكم، توجه مروان بن محمد إلى دمشق وهو بن عم الخليفة إبراهيم، وكان على رأس جيش عدد 80 ألف مقاتل، وعندما علم الخليفة بقدومه هرب خارجها، فبقيت العاصمة بلا خليفة فبايع المسلمين مروان على الخلافة، وكان مروان من الأمراء الأقوياء الأذكياء الذين عرفوا بمواجهتهم للبيزنطيين، وبمجرد توليه الخلافة حاول الإصلاح في العاصمة قدر المستطاع، إلا أن الأمور في دمشق كانت قد خرجت عن السيطرة.
ولأن النزاعات الداخلية في العاصمة ظلت مستمرة، لم يطمئن مروان بن محمد لبقائه بدمشق ونقل عاصمة الحكم لمدينة “حران”، لتكون هي مقر حكم الدولة الأموية، ولكن لم يطل بقاء الحكم بها، فقد تسبب نقل العاصمة في غضب أهل الشام، فخرجت الكثير من الثورات ضد مروان بن محمد، فلم يتمكن من إخماد ثورة فيجد أخرى، حتى فاجأه المد العباسي القادم من المشرق، فإذا بالعباسيين يستولون على خراسان، بعدها تقع معركة “الزاب الكبير” بين العباسيين والأمويين، فيهزم الأمويين ويتفرق أمرائهم في مختلف دول العالم الإسلامي، خاصة بعد مقتل الخليفة بعد المعركة بشهورٍ قليلة، وبذلك تسقط عاصمة الدولة الأموية الأولى سنة 132هـ.
الدولة الأموية في الأندلس
بعد سقوط الدولة الأموية سنة 132هـ لم ينتهي التواجد الأموي في العالم الإسلامي، فسقوط العاصمة في أيدي العباسيين لم يتسبب في انهيار الأمراء الأمويين، فقد حاول الأمراء استعادة دولتهم من العباسيين ولم يستسلموا استسلاماً تاماً، فقد انتقل أحد الأمراء الأمويين وهو عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس، وأعلن استقلاله بها؛ فأصبح أميراً عليها، وبذلك يكون عبد الرحمن الداخل قد أبقى على التواجد الأموي ونقله إلى الأندلس ولكن في شكل إمارة، فاتخذ من مدينة قرطبة عاصمة لأمويين سنة 138هـ.
قرطبة
ظلت بلداً إسلامياً يتبع أمراء الدولة الأموية ومستقلة تماماً عن الحكم العباسي، وقد انتهج الأمراء فيها سياسات تقدمية بعيدة عن العنصرية، فلم يشهد التواجد الأموي في الأندلس ثورات القبائل أو نزاعات بين الأمراء، واهتم بها الأمراء بالأندلس من كافة النواحي، وخاصة النواحي التجارية والمعمارية، فقد شهدت الأندلس وخاصة مدينة قرطبة فنون معمارية لا يضاهيا مكاناً أخر، وأصبحت قرطبة في عهد الأمويين من أكبر مدن العالم.
وظلت إمارة حتى قرر عبد الرحمن الناصر لدين الله سنة 316 هـ تحويلها من لنظام الخلافة، وكان ذلك لأسباب عديدة من أبرزها ضعف الخلافة العباسية وكثرة النزاعات بين الأمراء على الحكم، وأيضاً قيام الخلافة الفاطمية التي أسس لها عبيد الله المهدي في إفريقية، والتي قامت على أساس شيعي فاعتبارها الناصر لدين الله تهديداً للدولة الإسلامية السنية، وقد أجاز علماء وفقهاء السنة وجود عاصمة ثانية للدولة الإسلامية، خاصة مع وجود مسافة كبيرة بينهما، وعدم وجود احتمالية للتصادم الحربي، خاصة بعد أن كان نظام الخلافة يحتم بقاء السلطة في يد حاكم واحد.
وبعد إجازة العلماء على نظام الخلافة في الأندلس، أصبحت مدينة قرطبة العاصمة الأولى للدولة الأموية الثانية، وظلت الخلافة الأموية قائمة بالأندلس حتى سقوطها سنة 422 هـ.