حدائق بابل المعلقة
بابل، هي مدينة من مدن بلاد ما بين النّهرين، واسمها يأتي من الاسم الأكادي القديم لها: باب إيلاني، الذي يعني بوابة الإله. تقع أطلال مدينة بابل اليوم في ، بالقرب من مدينة الحلّة الحديثة وعلى الضّفة الشّرقيّة لنهر الفرات.
سكن النّاس بابل على أقل تقدير منذ الألفيّة الثّالثة قبل الميلاد، وأصبحت مركزًا سياسيًّا لجنوب بلاد ما بين النّهرين في عهد حمورابي 1792-1750 قبل الميلاد، وبقيت مُحافظة على أهمّيتها كمدينة لمدة 1500 سنة، أي حوالي 300 قبل الميلاد.
بابل في النّصوص القديمة
في نصٍّ مسماريٍّ يُدعى تنتير التي تعنى بابل، ومعنى اسم كما ورد في هذا النّص “مدينة المجد والابتهاج”. يوجد فيه أيضًا وصف لمدينة بابل القديمة، وقائمة بأسمائها ومعابدها.
تمّ تجميع النّص المسماري على الأرجح حوالي عام 1225 قبل الميلاد، خلال عصر الملك نبوخذ نصر الأول، ويضمّ قائمة بثلاثة وأربعين معبدًا، بُنيت على مساحة تُقدّرُ بربع المدينة، بالإضافة إلى احتوائه على وصف لجدران المدينة وممرّاتها المائيّة وشوارعها، ويضمّ أيضًا أحياء المدينة العشرة.
دُمّرت هذه المدينة عدّة مرّات في الماضي، وما نعرفه عنها اليوم يأتي من الحفريّات الأثريّة، مثلًا قام عالم الآثار الألمانيّ روبرت كولدوي قام بحفر حفرة ضخمة عُمقها 21 مترًا، واكتشف معبد إيزاجيلا في وائل القرن العشرين، وهو معبد للإله الأكبر مردوخ أو مردوك عندهم.
بابل عند المؤرّخين القدماء
قال المؤرّخ الرّومانيّ هيرودوت عن بابل في كتابه الأوّل عن التّاريخ في الفصول 178-183: إنّها مدينة كبيرة وواسعة، وتُحيطها جُدران عظيمة. وقال عنها أرسطو بأنّها مدينة بحجم أمَّة؛ لأنّ عندما استولى كورش الكبير على مشارفها، استغرق وصول الخبر إلى وسطها ثلاثة أيام.
حدائق بابل المعلقة
بُنيت حدائق بابل المعلقة التي تعتبر أحد ، في القرن السّادس قبل الميلاد من قبل الملك نبوخذ نصر الثاني، لزوجته أميتيس؛ وهي أميرة فارسيّة لم تكن معتادة على العيش في الصحراء، بل كانت تعيش في جبال مُشجّرة. حيثُ بنى نبوخذ نصر واحة في الصحراء، بناية متدرّجة تشبه الجبل، مغطاة بأشجار ونباتات غريبة، ومُشكلة هذه الحدائق أنّ علماء الآثار يشكّون في وجودها.
كيف تبدو حدائق بابل المعلقة
لا يُعرف الكثير عن حدائق بابل المعلّقة، إذ تقول بعض المصادر إنّها تقع بالقرب من نهر الفرات لسهولة الوصول إلى مجرى الماء، ولكن لم يتم العثور على أيّ دليل أثري في هذه المنطقة يثبت وجودها فعلًا.
من المُعتقد أنّ الحدائق المعلقة كانت عبارة عن مبنًى شاهق، مبنيّ على شكل نادر جدًّا في المنطقة، يشبه الجبل تقريبًا، وربما يوجد فيه العديد من الشرفات، ومن الممكن أنّه يقع على قمّة؛ لذلك سُمّيت الحدائق المعلّقة. كما بُني تحتها نظام ضخٍّ للماء إمّا من بئر أسفلها أو من النّهر؛ لأنّها تقع في الصّحراء والنّباتات التي فيها تحتاج لريٍّ مُستمر، وبين غرف المبنى يمكن التّجول في الممرّات الباردة لأنّها مُظلّلة.
هل الحدائق المعلقة موجودة بالفعل
لا يزال هناك الكثير من الجدل حول وجود الحدائق المعلقة، تبدو هذه الحدائق ساحرة بطريقة مذهلة للغاية بحيث لا يُمكن تصوّرُ وجودها فعلًا. إلّا أنّ علماء الآثار وجدوا بقايا مبنى قديم في أنقاض مدينة بابل في الصّحراء، ولكنّ هذه البقايا ليست بالقرب من نهر الفرات، وقد لا تكون البقايا للحدائق المُعلّقة. كما لا يوجد ذِكرٌ للحدائق المعلقة في أيّ كتابات بابلية، وهذا يقود البعض إلى الاعتقاد بأن الحدائق المعلقة كانت أسطورة، وُصفت فقط من قبل الكُتَّاب اليونانيين بعد سقوط بابل.
تقول نظريّة جديدة اقترحها الدكتور ستيفاني دالي من جامعة أكسفورد: لقد كان هناك خطأ من الأساس، والحدائق المعلّقة لم تكن موجودة في بابل، بل كانت موجودة في مدينة نينوى الشّماليّة الآشوريّة وقد بناها الملك سنحاريب، وسبب هذا التّشويش أن نينوى كانت تعرف في وقت ما باسم بابل الجديدة. وسنحاريب هو ابن سرجون الثّاني ملك الإمبراطوريّة الآشوريّة الحديثة في الفترة (705 – 681 ق.م)، وتولّى الحُكم بعد أبيه.
نبوخذ نصر الثاني وبابل
تأسست مدينة بابل حوالي عام 2300 قبل الميلاد، ومن الممكن أنّها بُنيت قبل ذلك التّاريخ، بالقرب من نهر الفرات جنوب مدينة في العراق. ولأنّها تقع في الصحراء؛ فقد بُنيت بالكامل تقريبًا من طوب الطّين المجفّف. وبسبب سهولة كسر هذا النّوع من الطّوب، دُمّرت المدينة عدة مرات.
ثار البابليون ضد حاكمهم الآشوري سنحاريب، في القرن السّابع قبل الميلاد. وقد حطّم الملك الآشوري سنحاريب مدينة بابل بالكامل. بعد ثماني سنوات من ذلك، اغتيل الملك سنحاريب على يد أبنائه الثّلاثة. ومن المثير للاهتمام أن أحد هؤلاء الأبناء أمر بإعادة بناء بابل.
بعد ذلك ازدهرت مدينة بابل وأصبحت تُعرف كمركز للتّعليم والثّقافة. حرّر الملك نابوباسار والد نبوخذ نصر، مدينة بابل من الحكم الآشوري. وعندما تسلّم نبوخذ نصر الثّاني المملكة في عام 605 قبل الميلاد، كانت كاملة ولكنّه أراد توسيع مناطق نفوذ حُكمه.
أراد نبوخذ نصر أن تكون مملكته واسعة، وسعى لجعلها واحدة من أقوى المدن في ذلك الوقت. حارب المصريين والآشوريين وانتصر عليهم. كما قام بالزّواج من أميتيس ابنة الملك سياخريس ليتحالف معه، وهو ملك منطقة قديمة في آسيا، تقع جنوب غرب بحر قزوين، تقريبا الحاليّة.
استخدم نبوخذ نصر غنائم الحروب في تعزيز مدينة بابل، طوال فترة حُكمه التي امتدت 43 عامًا. قام ببناء زقورة هائلة (معبد)، ومعبد مردوخ الذي كان الإله الرّاعي لبابل. كما أنّه بنى جدارًا ضخمًا حول بابل، يقال إن سُمكَهُ 80 قدمًا، وهو يتّسع بما فيه الكفاية لمركبات السّباق الرّباعية. كانت هذه الجدران كبيرة للغاية، لا سيما بوابة عشتار، التي كانت تُعتبر أيضًا واحدة من في العالم إلى أن حلّت مكانها منارة الإسكندريّة.