معركة الجمل
وقعت بين طرفين مسلمين في محافظة البصرة في العراق، بين الصحابي الجليل علي بن أبي طالب وأصحابه من جهة وطلحة و، وعائشة رضي الله عنهم وأصحابهم من جهة أخرى، وذلك بعد مقتل ثالث الخلفاء الراشدين رضي الله عنه وأرضاه، فقد نشب خلاف بين علي بن أبي طالب من جهة وطلحة والزبير بن العوام من جهة أخرى، فقد كان علي بن أبي طالب يرى بأن ملاحقة ومعاقبة قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه تأتي بعد تأمين بلاد المسلمين والتخلص من الخوارج، لكن طلحة والزبير بن العوام كانوا يرون بأنه يجب ملاحقة ومعاقبة قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه هي الأولوية الأولى عند المسلمين حتى يكونوا عبرة لغيرهم، وتنفيذاً لأمر الله بالقصاص منهم، وسميت معركة الجمل بهذا الاسم بسبب سقوط أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما عن جملها خلال المعركة.
أسباب معركة الجمل
لم تشارك رضي الله عنهما في المعركة في بدايتها ولم تكن أحد المتسببين بها كما يشاع في بعض كتب التاريخ التي تريد فقط تشويه التاريخ ونسب الروايات المغلوطة لأم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر، فبعد أن تمت مبايعة رضي الله عنه بأربعة أشهر التقى طلحة والزبير بن العوام بأم المؤمنين عائشة بن أبي بكر في مكة، واتفقوا على أن يخرجوا إلى البصرة ليبدؤوا بملاحقة قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه والاقتصاص منهم، ولم تكن نيتهم قتال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولا تفرقة المسلمين.
ومن الأدلة على أن نية أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر لم تكن قتال علي بن أبي طالب رضي الله عنه بأنها عندما بلغت ماء تسمى ماء بني عامر سمعت نباحاً للكلاب ليلاً، فسألت: “أي ماء هذا؟” فقالوا لها: “هذا ماء الحوأب”، فقالت لهم: “ما أظنني إلا راجعة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا في حياته: كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب”، فقال لها الزبير: “أترجعين؟ عسى الله عز وجل أن يصلح بك بين الناس”، وهذا القول أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده، وأخرجه الحاكم في مستدركه، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على نية الصلح والاتفاق على ما فيه خير المسلمين وصالحهم وليس على الاقتتال ونشر الفتنة فيما بينهم.
وبعد وصول عائشة بنت أبي بكر، وطلحة، والزبير بن العوام رضي الله عنهم جميعهم إلى البصرة، غضب علي بن أبي طالب كرم الله وجهه واعتبر خروجهم إلى البصرة خروجاً عن طاعة ولي الأمر، فأرسل لهم القعقاع بن عمرو التميمي ليتحدث معهم، ولما وصلهم القعقاع رأى أم المؤمنين عائشة بنت أبي وسألها سبب وجودها في البصرة مع طلحة والزبير بن العوام، فأجابت رضي الله عنها بأن سبب وجودها هنا هو الإصلاح بني الناس وليس هنالك نية لقتال علي بن أبي طالب وأصحابه، فرجع القعقاع بن عمرو التميمي إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأخبره بذلك ففرح علي بالخبر واطمأن إليه، وتحرك بعده إلى البصرة لملاقاتهم والاتفاق على صلح يرضي جميع الأطراف وإنهاء حالة الانقسام بين المسلمين.
أحداث معركة الجمل ونتائجها
عندما وصلت أخبار عائشة بنت أبي بكر ومن معها بأنهم يريدون الصلح فقط والاتفاق على ما فيه مصلحة المسلمين، لم يعجب الخوارج هذا الأمر، وقد كانوا كثر فقد وصل عددهم إلى قرابة الألفي شخص، وكانوا من بني أصحاب علي بن أبي طالب وفي جيشه، فانتظروا خروج علي بن أبي طالب لملاقاة عائشة بنت أبي بكر ومن معها في البصرة، واتفقوا وعلى رأسهم عبد الله بن سبأ على أن يشعلوا شرارة الحرب بين الطرفين حتى لا يصلوا إلى اتفاق يقضي بملاحقتهم ومعاقبتهم بعد قتلهم لعثمان بن عفان وإشعال نار الفتنة بين المسلمين التي ظلت نيراها مشتعلة بين المسلمين إلى الوقت الحاضر، فقاموا في ليلة سوداء إلى سيوفهم وانتشروا بين جموع الطرفين يقتلون الناس ويرعبونهم، فظن كل طرف أن الطرف الآخر غدر به وهاجمه غدراً، فقام كل إلى سيفه وانضم إلى أصحابه واشتعلت الحرب بين الطرفين لا يقوى أحد على إخمادها أو إيقافها أو شرح ما حدث لأي طرف كان.
وانتهت حرب الفتنة بين الطرفين بمقتل عشرة آلاف مسلم، خمسة آلاف من كل طرف، وحزن علي بن أبي طالب رضي الله عنه حزناً شديداً وقال بأنه يتمنى لو أنه مات قبل حدوث واقعة الجمل بعشرين سنة، كما قتل الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم في تلك المعركة، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها بدون منتصر ومهزوم لأن جميع الأطراف في هذه المعركة كانوا خاسرين نظراً لما ألحقته هذه المعركة من انقسامات وتفرقة في صفوف المسلمين، وكان علي بن أبي طالب قد أمر أن تذهب عائشة بنت أبي بكر إلى بيت في معززة مكرمة وأمر بأن لا يمسها سوء أبداً نظراً لمكانتها الرفيعة وإجلالاً وتقديراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان علي بن أبي طالب يتفقد القتلى والجرحى في أرض المعركة بعد انتهائها فوجد طلحة بن عبيد الله شهيداً، فقال عندما رآه: “لهفي عليك يا أبا محمد”، وبعدها وجد محمد بن طلحة بن عبيد الله، والذي قتل أيضاً في هذه الحرب، فبكى عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويقول: “هذا الذي كنا نسميه السجاد”، لكثرة سجوده، وقد كان رضي الله عنه تقياً ورعاً، وأمر بعد ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه بإرجاع أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر إلى المدينة وأرفق معها أربعين امرأة من نساء البصرة والكوفة، كما أرسل معها ما استطاع من رجال وأمتعة ولم يمسها بسوء أبداً.