كتاب الروح لابن القيم

“وَيَسْـأَلُونَكَ عَنِ الـرُّوحِ ۖ قُـلِ الـرُّوحُ مِـنْ أَمْـرِ رَبِّـي وَمَـا أُوتِيتُـم مِّنَ الْعِلْـمِ إِلَّا قَلِيـلًا”، قد يثير الإنسان الفضول حول ماهية الروح، هل يشعر الأموات بالأحياء؟ هل يتلاقون في المنام، أم أنها مجرد تخيلات من العقل الباطن؟، كل تلك التساؤلات حاول كتاب الروح لابن قيم الجوزية الإجابة عنها، محاولًا أن يستدل من القرآن والسنة على معالم لتلك الحياة الأخرى.

كتاب الروح لابن القيم

حاول كتاب الروح لابن القيم الجوزية الإبحار في خفايا عالم الروح الخفي وأسراره، مستدلًا بحجج وبراهين من القرآن والسنة وأقوال العلماء والعارفين، ليجيب عن التساؤلات حول القبر، والموت، وتلاقي الأرواح ومستقرها، والعذاب والنعيم بعد الموت، وروح النائم، و الصغرى والكبرى، وانقسم كتاب الروح لابن القيم إلى عدة فصول، كل فصل يعرض تساؤلًا حول طبيعة الروح وصفاتها، وكينونة الموت والنفس.

هل يعرف الأموات بزيارة الأحياء

استشهد ابن القيم في إجابته عن تلك المسألة بقول صلى الله عليه وسلم “ما من مسلم يمر على قبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رَدّ الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام”، وغيرها من الأحاديث الشريفة التي وردت في الصحيحين عن شعور الأموات بالأحياء عند زيارتهم لهم، وسماعهم لهم حتى نصح الرسول بتلقين الميت الشهادة بعد دفنه، فهو يسمع ولا يجيب.

تلاقي الأرواح وتزاورها بعد موتها

ويجيب ابن القيم عن هذا السؤال بتقسيمه للأرواح إلى قسمين، الأرواح المعذبة، والأرواح المنعمة، ويذكر كتاب الروح لابن القيم أن الأرواح المنعمة تتزاور وتتبادل أخبار الأحياء من أهلهم، أما الأرواح المعذبة فهي في شغل عن التلاقي والتزاور بما فيها من عذاب، واستدل على ذلك بقوله تعالى عن الشهداء في سورة البقرة بأنهم “أَحْيَـاءٌ عِنـدَ رَبِّهِـمْ يُرْزَقُـونَ”.

قد يهمك هذا المقال:   شروط الإمام في الصلاة

تلاقي أرواح الموتى والأحياء

كغيرها من المسائل استشهد كتاب الروح لابن القيم بآيات من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، وأقوال السلف وحكاياتهم عن تزاور الأحياء والأموات؛ فاستدل بتفسير أحد الفقاء لقوله تعالى في سورة الزمر ” اللَّـهُ يَتَوَفَّـى الْأَنفُـسَ حِيـنَ مَوْتِهَـا وَالَّتِـي لَـمْ تَمُـتْ فِي مَنَامِهَـا ۖ فَيُمْسِـكُ الَّتِـي قَضَـىٰ عَلَيْهَـا الْمَـوْتَ وَيُرْسِـلُ الْأُخْـرَىٰ إِلَـىٰ أَجَـلٍ مُّسَمًّـى ۚ إِنَّ فِـي ذَٰلِـكَ لَآيَـاتٍ لِّقَـوْمٍ يَتَفَكَّـرُونَ”، أن الأرواح الميتة والحية تتزاور في أثناء المنام، وبعدها ترجع روح الحي إلى جسده النائم، أما روح الميت فتريد أن ترجع إلى الجسد إلا إن الله يمسكها.

موت الروح

وهنا يذكر ابن القيم في كتابه الروح اختلاف العلماء حول حياة الروح وموتها، فهناك من يستدل على موت الروح بقوله تعالى: “كل نفس ذائقة الموت”، فالروح نفس، والنفس تموت، بينما استدل آخرون على حياة الروح، بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بنعيم الأرواح وعذابها، وأن موت النفس هي خروج الروح من الجسد، وغيرها من الأدلة المتعددة من أقوال العلماء وتفاسير القرآن الكريم.

تعارف الأرواح بعد مفارقة الأبدان

يشرح ابن القيم أدلة تعارف الأرواح على بعضها بعد مفارقتها الأجساد، وهل يكون للروح الشكل نفسه في البدن، أم أن لها حالًا مخالفة، ويُورد الكتاب أقوال والأدلة بالحديث والسنة التي تدلل ما يقوله.

عودة الروح إلى الميت وقت السؤال

وفي هذه المسألة يؤكد كتاب الروح لابن قيّم الجوزية على عودة الروح إلى الميت وقت السؤال، فيذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي ينص على رجوع الروح إلى الميت وقت سؤال الملكين في القبر، ثم يستكمل حديثه بوصفه لماهية السؤال، وما هو حال الصالحين، وحال المفسدين وقت حضور الملكين.

الحديث عن القبر وعذابه

أورد ابن القيم في كتابه، بعد حديثه عن تلاقي الأرواح، مسائل أخرى متعلقة بالقبر، وما يقع من عذاب أو نعيم على النفس والبدن معًا، ثم يذكر الأدلة من القرآن والسنة عن عذاب القبر، ويتساءل: هل هو دائم أم منقطع، وما حقيقة سؤال منكر ونكير، وأسباب عذاب القبر، والأسباب الأخرى المنجية منه.

قد يهمك هذا المقال:   أذكار بعد الصلاة

مستقر الروح

في نهاية كتاب الروح، عرض ابن القيّم الجوزية تساؤلات عن مستقر الروح من بعد الموت حتى يوم القيامة، فهل هي تقف على باب الجنة أم أنها مرسلة تذهب حيث تشاء، وما حقيقة البرزخ الفاصل بين الحياة والموت، وما الأعمال التي ينتفع بها الميت من سعي الأحياء، كالصدقة و و وغيرها، ثم تحدث عن حقيقة النفس وهل تختلف عن الروح أم أنهما شيء واحد؟

من ابن القيم؟

هو عبد الله بن أبي بكر الزرعي الدمشقي، والذي لقب بابن قيم الجوزية، نسبة لارتياده المدرسة الجوزية التي كان والده قيّمًا عليها.

وهو دمشقي المولد، وُلد في القرن السابع هجريًّا وتحديدًا في عام 691 هـ، في عصر ازدهر فيه العلم والعلماء على الرغم من الحروب التي كانت بين المسلمين والتتار، وكان يتسم بغزارة العلم واتساع ثقافته، وشغفه بجمع الكتب، وحرصه الدائم على الاطلاع على العلوم الشرعية واللغوية وعلم النحو والشعر، وعُرف عنه حسن الخلق، وعلو الهمة، وطيبة المعشر، حتى قال عنه الإمام الفقيه ابن كثير” كان حسن والخلق، كثير التودد، لا يحسد أحدًا ولا يؤذيه، ولا يستعيبه، ولا يحقد على أحد، وكنت من أصحب الناس له، وأحب الناس إليه، ولا أعرف في هذا العالم من زماننا من أكثر عبادة منه”.

وقد تتلمذ علي يد ابن قيّم الجوزية عددٌ من منهم الإمام الحافظ الذهبي، والإمام ابن رجب الحنبلي، والإمام الحافظ ابن كثير، وغيرهم من الأئمة والفقهاء الذين أثروا المكتبة الإسلامية.

مؤلفات ابن القيم

لابن قيم الجوزية مؤلفات متعددة أشهرها كتاب الروح، وأخبار النساء، وإعلام الموقعين من رب العالمين، وزاد المعاد في هدى خير العباد، ومدارج السالكين، وطريق الهجرتين، والفرق بين الخلة والمحبة، والداء والدواء، والتبيان في أقسام القرآن، والتحفة المكية، والصراط المستقيم في أحكام أهل الجحيم، وغيرها من المؤلفات والكتب التي بلغ عددها حوالي 57 كتابًا في شتى المعارف والعلوم.

قد يهمك هذا المقال:   حسن الظن بالله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *