لوحات جسدت حياة فنانيها

من الحبٍّ والمعاناة.. لوحات جسَّدت حياة رساميها؛ فالرسم كغيره من يحمل رؤية الفنان لنفسه ومجتمعه، وكل لوحةٍ فنية تحمل ماضيًا ما لصاحبها، سواءً كان ذلك الماضي فًرِحًا أو حزينًا. ولكي نتذوق اللوحات الفنية ونعرف تأويلها لا بد لنا أن نعيش الشعور الذي رُسِمت به، فلكلِّ شعورٍ ألوانه، ولكلِّ لوحةٍ حادثة سبقتها وألهمت الفنان بها.
ومن هنا سنتعرف على أهم اللوحات التي كانت بمنزلة مذكراتٍ وصفت تاريخ فنانيها بدقة.

الحقبة الزرقاء.. بيكاسو الفقير

بابلو بيكاسو فنان إسباني يُعدُّ من أشهر الفنانين في العالم؛ إذ كان رسامًا ونحاتًا وفنانًا تشكيليًا، وهو من أشهر فناني القرن العشرين، وعلى الرغم من هذه الشهرة الواسعة الآن، إلا أن البداية كانت حزينةً كئيبة.
في بداية حياته الفنية كان بيكاسو فقيرًا، يعيش وحيدًا بعيدًا عن أهله، انتحر صديقه وتركه يعاني الحزن الشديد والاكتئاب، وهنا حاول بيكاسو أن يُفرِّج عن روحه بالفن، فجاءت لوحاته الفنية انعكاسًا لما يشعر به.
سيطر على لوحات بيكاسو اللونان المائل إلى الزرقة، فهما لونا الحزن، واللذان صوَّرا كآبته وفقره، والطبقات الدنيا التي عرفها كالشحاذين والعاهرات والفقراء، وقد سُمِّيت هذه الفترة التي استمرت من عام 1901 حتى 1905 بالحقبة الزرقاء لبيكاسو.
كما كان بيكاسو يؤمن بأنَّ “الفن هو الكذبة التي تجعلنا نكتشف الحقائق”، فبعد انتحار صديقه كارلوس كاساجيماس، الذي قتل نفسه لأنَّ حبيبته لم تبادله المشاعر، رسم بيكاسو صورةً أسماها ()، صوَّر فيها صديقه وحبيبته بجانبه تميل إليه وتحتمي به، وكأنه كان يُعوِّضه بالأمنية التي لم ينلها ولم يقبل الحياة بعدها.

قد يهمك هذا المقال:   بحث عن مهارات الكتابة

الحقبة الوردية.. بيكاسو مُحبًّا

كما صوَّرت الحقبة الزرقاء المرحلة التي عانى فيها بابلو بيكاسو من الفقر والحزن و، جاءت هذه الحقبة الوردية لتعكس مرحلةً جديدة في حياة بيكاسو، ألا وهي مرحلة الحب، إذ ظهرت لوحاته باللونَين الوردي والبرتقالي الناصع، وهما لونان يُوحيان بالرومانسية والسعادة.
وكان السبب في ذلك تعرُّف الفنان الإسباني على فرناند أوليفر، التي كانت تعمل معه كعارضة، فتطوَّرت العلاقة بينهما، وأدخلت عليه وعلى لوحاته السرور، فرسم البهلوانات ومظاهر الاحتفال، واتسمت لوحاته في تلك الحقبة بطابعٍ رومانسي رقيق، واستمرت هذه الحقبة الوردية منذ عام 1905 حتى عام 1907.
ويُعدُّ بيكاسو هو رائد المدرسة التكعيبية في الرسم، وهي المرحلة التي تلت هاتين الحقبتَين، فقد تطوَّر أسلوبه حتى اشتهر بريادة هذه .

فريدا كاهلو.. تجسيد المعاناة

“سأرسم نفسي، لأني الشخص الوحيد الذي أعرفه جيدًا”. هكذا قالت فريدا كاهلو الفنانة المكسيكية التي اشتهرت برسم بورتريهاتٍ شخصية لها تعكس واقعها وشعورها، إذ جاءت لوحاتها تجسيدًا شخصيًّا لها ولحياتها.

العمود المكسور.. والمعاناة الأولى

كانت حياة فريدا كاهلو مجموعةً من التحديات والمشكلات؛ فحين كانت في الثامنة عشرة من عمرها كادت حادثة أتوبيس أن تودي بحياتها، ولما نجت من الموت أصابتها الآلام المبرحة التي صوَّرتها في بورتريه شخصي لها، يخترق جسدها عمود حديدي وتنتشر على جسمها المسامير، وهي تبكي.
وقد رُسِم هذا البورتريه عام 1944، فقد أخبرها الطبيب بضرورة تركيب مثل ذلك العمود لتتعافى.

بعدها بعامَين في عام 1946، عبَّرت فريدا عن آلامها بشكلٍ مختلف في لوحة (الأيل المجروح)، إذ رسمت أيلًا صغيرًا له وجهها والسهام تنتشر على جسده وتسيل منه الدماء، وهو وحيد ومجروح في الغابة، وفي هذه اللوحة كانت تُصوِّر ما تشعر به بعد جراحةٍ للعمود الفقري سبَّبت لها أوجاعًا غير مُحتمَلة.
وبعيدًا عن الآلام، صوَّرت فريدا التناقض والصدمة الحضارية التي اجتاحتها بعدما انتقلت مع زوجها ديغو من المكسيك إلى الولايات المتحدة الأمريكية، في لوحة أسمتها (بين حدود والولايات المتحدة الأمريكية)، رسمت فيها نفسها وسط عالمَين متناقضَين، على يمينها عالمٌ مليء بآثار الهنود الحمر تعلوه سحابتان واحدة للقمر والأخرى للشمس، وكلاهما لهما ملامح إنسان، يتلامسان فينتج البرق بينهما، بينما كان هناك على يسارها عالم آخر يمثل الحضارة الصناعية في بجوِّها المُلوَّث بالدخان وأسلاكها الكهربائية.

قد يهمك هذا المقال:   اهمية القراءة للطفل

صرخة مونك.. جنون الرعب

لوحة فنية لها جوٌّ مجنون غريب، عُرفت بـ(الصرخة)، فيها السماء حمراء، وهناك رجل له ملامح مشوهة ومطموسة وخائفة، رسمها الفنان النرويجي إدوارد مونك، ليُلقِّبها الخبراء بأيقونة الفن الحديث، وأيقونة الخوف الإنساني.
هذه (الصرخة) رسمها مونك عام 1893 ضمن مجموعة لوحاتٍ فنية وصفت الخوف والحزن والألم والسعادة. ويقول مونك في مذكراته عن تلك اللوحة إنه “كان يمشي مع صديقَين على الجسر وكانت السماء حمراء، وكان يشعر حينها بالحزن والكآبة، وفجأة سمع صرخةً مدوية أصابته بالرعب الشديد”.
ويُذكَر أن مونك قد عانى في فترة من حياته من الخوف المرضي والإدمان، وكانت أخته قد انتقلت إلى مستشفى الأمراض العقلية، فكانت دائمًا تُرعبه فكرة الجنون والخلل النفسي، وامتد الأمر إلى الكوابيس والأحلام الشريرة التي تصيبه في الليل.
ذلك الفنان الخائف إدوارد مونك كان رائد المدرسة الطليعية في الرسم.

على عتبة الخلود.. انتحار فنسنت

(على عتبة الخلود) هو اسم آخر لوحةٍ رسمها الفنان الهولندي فنسنت فان جوخ عام 1980 قبل انتحاره ببضعة أيام، وكأنها رسالة تشرح سبب انتحاره؛ إذ صوَّر فيها مشاعره الحزينة ورؤيته لحياته، ففي اللوحة رجل عجوز جالس على كرسيٍّ خشبي يضع وجهه بين يدَيه باكيًا، مما يدل على حزنه الشديد.
لم تكُن حياة فان جوج سهلةً أو مريحة، فهذه اللوحة الأخيرة عبَّرت عن مأساة حياته التي أنهاها برصاصة. وعلى الرغم من ذلك يُعدُّ فان جوخ من أشهر الرسامين، وصُنِّف من فناني الانطباعية، وتُعدُّ لوحاته من أغلى اللوحات وأشهرها في العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *