الطلاق والخُلع في الإسلام
لم يجعل الطلاق محصوراً بيد الرجل ومُحتَكَراً بإرادته، فإنَّ في رفض الزوج طلاق زوجته مع ظلمه لها إجحافٌ وظلمٌ للنساء، بل وضع الإسلام التشريعات والوسائل العديدة التي تضمن للمرأة الخلاص من سطوة وتسلُّط الزوج إذا لم يؤدِّ لها حقوقها الزوجية التي شرعها الإسلام، أو أساء عشرتها ثم رفض تطليقها إضراراً بها، حيث إن متعلقٌ بإرادة الزوج وعبارته، فإن كان الرجل متسلطاً أو ظالماً أجحف باستعمال حقِّه بالتطليق ورفض فضَّ عقدة ليُلحق الأذى والضرر بزوجته، وحينها شرع الإسلام للزوجة أن تطلب إلى القاضي أو الحاكم المسلم تطليقها منه، وذلك ضمن العديد من الوسائل كطلب التفريق بينها وبين زوجها لوجود خلافاتٍ مستحكمةٍ بينهما ولإضراره بها، أما إن كان طلبها الطلاق بسبب بغضها للحياة الزوجية معه، وخشيتها أن لا تُقيم حُدود الله مع الاستمرار بالزواج منه فقد شرع الإسلام للمرأة أن تطلب بينها وبين زوجها، ومن هنا جاءت مشروعية الخلع وأصله.
معنى الخُلع ومشروعيته
ليس أمراً مُستحدثاً في التشريع الإسلامي، ولا طارئاً على الأمة الإسلامية، وهو ليس من الأمور المعاصرة التي ابتدعها البشر، بل إن له أصلاً وتأصيلاً في التشريع الإسلامي، وقد جاء ليحُدَّ من سطوة بعض الرجال وتسلُّطهم في حق زوجاتهم، وقد ورد دليل مشروعية الخُلع في ضمناً؛ بعد أن أمر الله -سبحانه وتعالى- الأزواج أن لا يأخذوا شيئاً من زوجاتهم إلا إن افتدين أنفسهنَّ خشية أن لا يُقمن حدود الله، وحينها يكون ذلك خُلعاً، كما جاء في صحيح السنة النبوية المطهَّرة ما يدلُّ على مشروعية الخُلع صراحةً، وفيما يلي بيان معنى الخُلع وأصل مشروعيته والكيفية التي يتمُّ فيها.
معنى الخلع
الخُلع في اللغة يعني الخَلع، وهو بمعنى النَّزع، يُقال نَزَع الشيء نزعاً أي خَلَعَهُ فهو مخلوع، وهو مأخوذٌ من خلع الثوب أو نزع الشيء، أما في الاصطلاح فإن معناه: أن يُفارق الزوج زوجته بلفظ الخُلع أو الإبراء أو هو الطلاق مقابل عوضٍ تُقدِّمُه الزوجة لزوجها نظير تطليقها، فيأخذ الزوج عوضاً مادياً عن تطليقه لزوجته، ثم يقوم بتطليقها. ويمكن أن يكون العِوض المبذول في الخُلع المهر ذاته، بتنازل الزوجة عنه، أو بأن تُعيد ما قبضته من مهرها له، أو تدفع له شيئاً من مالها غير المهر. أحكام الخُلع: صيد الفوائد
مشروعية الخُلع
كما ذُكر في الفقرة السابقة فإنَّ مشروعية الخُلع ثابتةٌ لا جدال في مشروعيتها، ودليل ذلك ظاهرٌ في كتاب الله وسنة النبي -صلى الله عليه وسلَّم- ومن ذلك ما يلي:
- من القرآن الكريم: جاءت الإشارة إلى مشروعية الخُلع في كتاب الله صراحةً، ومن ذلك ما ورد في قول الله تبارك وتعالى: (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ).سورة البقرة، الآية: 229
- من السنة النبوية: ثبتت مشروعية الخُلع في سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلَّم- من خلال قصة زوجة الصحابي الجليل ثابت بن قيس -رضي الله عنهما- حيث رُوي أنها قدمت إلى النبي -صلى الله عليه وسلَّم- تشكو إليه بغضها لاستمرار زواجها بزوجها ثابت، وتالياً نصُّ تلك القصة، فقد روى البخاري في صحيحه من رواية ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: (أنَّ امرأةَ ثابتِ بنِ قيسٍ أتتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ فقالتْ: يا رسولَ اللهِ، ثابتُ بنُ قيسٍ، مَا أعْتِبُ عليهِ فِي خُلُقٍ ولا دينٍ، ولكنِّي أكرَهُ الكفْرَ في الإسلامِ، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أَتَرُدِّينَ عليهِ حَدِيقَتَهُ؟. قالتْ: نعمْ، قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: اقْبَلِ الحديقةَ وطلِّقْهَا تَطْلِيَقةً).رواه البخاري في صحيحه عن عبدالله بن عباس، حديث رقم: (5273)
وعليه فقد رأى الفقهاء في هذه الحادثة تصريحاً بمشروعية الخُلع، وأنه يجوز للمرأة أن تطلب من الحاكم -ولي الأمر- أو القاضي؛ أن يأمر زوجها بطلاقها مُخالعةً إن لم تستطع البقاء معه واستمرار الحياة الزوجية بسبب بغضها له، بعد أن تفتدي نفسها بردِّ مهرها الذي قبضته منه، أو مقابل العِوض الذي يُتَّفق عليه بينهما لقاء ذلك. الخُلع تعريفه وطريقته: الإسلام سؤال وجواب
الفرق بين الطلاق والخُلع
يوجد عدة فروق جوهريَّة بين الطلاق والخُلع، وقد صرَّح الفقهاء على تلك الفروق وبنوا عليها قواعد وأحكام عديدة، ومن أبرز تلك الفروق ما يلي: الفرق بين الخُلع والطلاق: الإسلام سؤال وجواب
- من حيث الفُرقة: فإن الخُلع تكون الفُرقة به بين الزوجين فسخاً لا طلاقاً، بمعنى أنَّ عقد الزواج ينفسخ بين الزوجين ولا يكون طلاقاً ومن أبرز الفوارق بين الفسخ والطلاق أن الزوجة لا ترجع إلى عصمة زوجها وعقد نكاحه إلا بعقدٍ جديد ومهرٍ جديد وبموافقتها ورضاها على ذلك، لانتهاء الزوجية بينهما، أما الطلاق فالفُرقة لا تكون به إلا طلاقاً وتترتب عليه أحكام الطلاق الصحيح، فإن كان رجعياً رجعت إلى زوجها بعبارة الإرجاع أو بالفعل، دون حاجةٍ إلى عقدٍ أو مهرٍ أو حتى موافقة الزوجة ورضاها.
- من حيث احتسابه من عدد الطلقات: فالخُلع ولأنه لا يُعتبر طلاقاً فلا يُنقِص من عدد الطلاقات التي يملكها الزوج على زوجته؛ بمعنى أنه لو جرى الخُلع ثم راجع الزوج زوجته بعقدٍ جديد يكون له عليها ثلاث طلقات ما لم يسبق له طلاقها، أما الطلاق فيُحتسب من ضمن الطلاقات ويُنقص منها فإن كان له عليها ثلاث طلقات ثم طلَّقها مرَّة تنقص طلقاته إلى اثنتين فقط، وهكذا حتى تنتهي طلاقاته الثلاثة ويكون الطلاق بينهما بائناً بينونةً كبرى.
- من حيث اللفظ: يقع الخُلع بلفظ التطليق المقترن بالعِوض المالي ويكون حكمه حكم الخُلع، كما يقع بلفظ الخُلع أو الإبراء أو التنازل عن الحقوق لقاء الفُرقة بينهما، أما الطلاق فلا يقع إلا بلفظ الطلاق أو ما يجري مجراه.