من حِكَمِ الله سبحانه وتعالى وفضله، أن جعل لنا في هذه الحياة محطّات، ومواسم عديدة لعظيم الخيرات، فكما أن بقاعا من هذه البسيطة قد شرّفها الله عز وجلّ، فكذلك هناك أزمنة وأيّاما وليالي قد نالت الشّرف العظيم أيضا، تضاعف فيها الأجور، وتحطّ فيها الذنوب والخطايا، إذا ما تعرّض المسلم لنفحاتها واستغلّ أوقاتها لينال فضلها كما أمره الله سبحانه وتعالى، وكما علّمه نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن هذه المواسم الخيّرة، يوم عاشوراء، فما هو هذا اليوم؟ وماذا يشرع لنا فيه من عمل؟ وما فضل هذا العمل فيه؟
ما هو يوم عاشوراء
هو اليوم العاشر من شهر الله المحرّم، وهو أول أشهر السنة الهجرية، وهو أحد الأربعة التي قال فيها سبحانه وتعالى { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } التوبة : 36 .
فهذا اليوم هو يوم من شهر عظيم، له فضائل جليلة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: ((أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ)) -أخرجه مسلم في «الصيام» (٢٧٥٥)-، وهو شهر اختاره الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ليكون أول شهور السنة.
فيصوم المسلم هذا اليوم طلبا للأجر واقتداءا بالأنبياء صلوات الله عليهم، بحيث يكون صيامه شكرا لله عز وجل إذ نصر المسلمين على قوم فرعون الكافرين الطاغين، والصوم والعبادة هي سنّة الأنبياء في شكرهم لله عز وجل على نصره لعباده المؤمنين.
العمل المشروع في يوم عاشوراء
يشرع في هذا اليوم الصيام، وهذا هو هدي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم، فقد صامه النبي صلى الله عليه وسلم وسائر أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين.
((ثبت فى الصحيحين أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما سألهم عنه، فقالوا: يوم عظيم نجَّى اللَّه فيه موسى وقومه، وأغرق فيه فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً للَّه، فنحن نصومه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: “فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُم”. فَصَامَهُ، وأَمر بصِيامِه))
صامه اليهود من قبل تأسّيا بموسى عليه الصلاة والسلام، وقد أقرّهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وصامته قريش أيضا في الجاهلية.
حكم صيام يوم عاشوراء
صيام يوم عاشوراء كان فرضا وواجبا على أرجح أقوال أهل العلم، ثم أصبح بعد فرض صيام شهر رمضان سنّة ومستحبا، يستحب صيامه لمن شاء وإلا فلا حرج على من لم يصمه.
صفة صيام يوم عاشوراء
يستحب صيام يوم التاسع مع العاشر من شهر الله المحرّم، وهذا لمخالفة اليهود إذ أنهم يفردون صيام يوم العاشر، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدّ حرصا على مخالفة اليهود والنصارى حتى في العبادات.
وإفراد اليوم العاشر بالصوم مكروه عند بعض أهل العلم، لكن الأفضل أن يسبقه بيوم التاسع، أو أن يسبقه بيوم ويتبعه بيوم كما ورد في ذلك بعض الروايات ((صوموا يوما قبله ويوماً بعده)) ذكره العيني في عمدة القاري في الصوم باب صيام يوم عاشوراء ج11 ص 116
وصيام التاسع والعاشر أفضل من صيام العاشر والحادي عشر، وصيام يوم قبله ويوم بعده أفضل وأكمل، كما بيّن ذلك أهل العلم.
فضل صيام يوم عاشوراء
فضل صيام يوم عاشوراء قد بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عنه، ففي صحيح مسلم ((عن أبي قتادة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام عاشوراء؟ فقال: “أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله))، فصوم هذا اليوم فيه تكفير لسنة ماضية، فهذا أجر عظيم، على المسلم أن لايفرّط فيه وأن يغتنمه ليحصّل الأجر والثواب، فخير الزاد التقوى.
وعلى المسلم أيضا أن يجتنب البدع ومحدثات الأمور في هذا اليوم، حتى لا يفسد عمله بها، وأن يحرص على الاكتفاء بالسنة ففيها الخير والنجاة، وكما أن شرط قبول العمل هو الإخلاص لله عز وجل، فكذلك متابعة النبي صلى الله عليه وسلم شرط ثان لقبول العمل، فيحرص المسلم على أن لا يزيد في عبادته شيء لم يثبت ولا ينقص منها شيء أيضا فيحبط عمله ويصبح مردودا عليه، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌّ)) -رواه البخاري ومسلم-
مُحْدَثَات يوم عاشرواء وبيان منهج أهل السنة والجماعة
يوم عاشوراء عند البعض هو يوم فرح، وتوسعة على الأهل والأولاد، يوم يصنع فيه أكل خاص ويشترى فيه اللحم ويطهى، يوم يظهرون فيه توسعة في النفقات وغيرها، وهذا خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر محدث لم يفعله صلى الله عليه وسلم ولا صحبه الكرام رضوان الله عليهم.
ثم تجد قوما آخرين عكس الفرقة الأولى، لا يظهرون فرحا ولا سرورا، بل حزنا وتحزّنا، زعما منهم أنهم يحزنون لمقتل الحسين رضي الله عنه، ويقومون بعمل طقوس ما أنزل الله بها من سلطان، من شق الجيوب والنياحة واللطم وغيرها من الأمور المنكرة شرعا وعرفا وفطرة، فحتى لو كانت مصيبة قد ألمّت بالمسلمين، فهل تقابل المصيبة في ديننا بهذه الأمور؟!! هل هكذا علّمنا ربنا سبحانه وتعالى؟!! نسأل الله السلامة والعافية.
أما أهل السنة والجماعة فهم أهل وسطية واعتدال في دينهم، ذلك لأنهم متمسكون بالوحي المعصوم، وبما وصّاهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمّر عليكم عبد ؛ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة)) -رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح-، فلا غلوّ في دينهم ولا تمييع، لا إفراط ولا تفريط، ولذلك فإننا إذا ما قارنا بين عمل أهل السنة والجماعة في هذا اليوم وعمل غيرهم، نجد أنهم يتوسّطون الفريقين بالحقّ الذي يتّبعونه.