ما هي الذرة

ما هي الذَّرّة

الذرّة هي أصغر جزء يحتفظ بالخصائص الكيميائية المميّزة لعنصرٍ ما. أيْ أنه إن قام شخص ما مثلًا، بجلب قطعة من عنصر محدد (مثل عنصر الحديد)، ثم قام بتقسيم تلك القطعة إلى نصفين، فإن كل نصف بالطّبع سيكون له نفس الخصائص الكيميائية للعنصر الأصلي (أي سيظل كل نصف عبارة عن قطعة من الحديد بعد التقسيم)، وباستمرار عملية التقسيم حتّى الوصول إلى جزء متناهي في الصّغر له نفس خصائص العنصر الأصلي يكون قد تم الوصول إلى الذّرّة. لكن ذلك لا يعني أن الذّرّة هي أصغر مكوِّن للمادة، فالذّرة يمكن تقسيمها أيضًا، كما أنها تحتوي على جسيمات أصغر، لكن ما يميّز الذرّة عن تلك الجسيمات هو احتفاظها بخصائص العنصر الكيميائية. يترواح طول نصف قطر الذرّة بين 62 بيكومتر إلى 520 بيكومتر، كما تترواح كتلة الذرّة الواحدة بين 1.67 * 10 قوة سالب 27 إلى 4.52 * 10 قوة سالب 25 تقريبًا. توحي هذه القياسات إلى شدّة صغر الذرّة. لذلك، بالرغم من التقدم التكنولوجي في العصر الحديث، لم تتم رؤية الذرّة ورصدها بشكل مباشر حتّى الآن.

تتكوّن ذرّة أي عنصر من عدّة جسيمات هي بروتون واحد أو أكثر، وكذلك إلكترون واحد أو أكثر. بالإضافة إلى النيوترونات، والتي قد يكون عددها في الذرّة يساوي الصّفر (غير موجودة)، مثل ذرّة الهيدروجين (النّظير الأول). تتكوّن البروتونات والنيوترونات بدورها من جسيمات أصغر تدعى الكوراكات. تُعرَف العناصر المختلفة بمعلوميّة عدد البروتونات، بحيث يكون التغيير في عدد البروتونات سواء بالزيادة أو النقصان يعني تغيّر العنصر. يُفهَم من ذلك، أن كل عنصر يتكوّن من مجموعة متماثلة من الذّرّات، تضم كل ذرّة عدد بروتونات محدّد لا يتغيّر إلا بتغيير العنصر.

تعبّر البروتونات عن الشحنات الموجبة في الذّرّة، إذ يكون لكل بروتون شحنة موجبة واحدة، بينما تعبّر الإلكترونات عن الشحنات السالبة. أمّا النيوترونات فلها شحنة متعادلة. يمكن أن تكون الذرّة متعادلة الشحنات، أو ذات شحنة موجبة أو سالبة. جميع ذرّات العناصر الموجودة في الطبيعة لها شحنة متعادلة؛ أي أن عدد الإلكترونات فيها يساوي عدد البروتونات. مع ذلك، يمكن إيجاد ذرّات لها عدد إلكترونات أكبر أو أصغر من عدد البروتونات، وفي هذه الحالة، يُطلق على الذّرة اسم “أيون” أي أنها ذرّة غير متعادلة الشحنة. من ناحية أخرى، يمكن أن يوجَد في ذرّة العنصر الواحد عدد مختلف من النيوترونات، على سبيل المثال؛ تتكوّن ذرّة الهيدروجين من بروتون واحد وإلكترون واحد. لكن يمكن إيجاد ذرّات هيدروجين أخرى تتكون من بروتون، إلكترون ونيوترون واحد (الديوتيريوم)، وذرّات أخرى تتكون من بروتون، إلكترون ونيوترونين (التريتيوم). تسمّى هذه الذرّات التي تشترك في عدد البروتونات لكنها لا تشترك في عدد النيوترونات باسم “نظائر العنصر”؛ أي أن جميع الذرّات الثلاثة السابقة هي ذرّات لعنصر الهيدروجين، لكن لهم كُتَل مختلفة عن بعضهم بعضًا.

قد يهمك هذا المقال:   السياحة في النمسا

تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن عدد البروتونات في الذرّة يعرّف العنصر، عدد الإلكترونات يعرّف الأيون، وعدد النيوترونات يُعرّف النظير، ألا أنه لا يوجَد أي فرق بين البروتونات وبعضها، والإلكترونات وبعضها، وكذلك النيوترونات. أي أن السلوك الكيميائي المختلف للعناصر المختلفة لا يرجع إلى وجود اختلاف في طبيعة مكونات الذرّات، إنما يرجع إلى المقدار الكمّي والتوزيع المختلف لتلك المكونات في ذرّات العناصر.

تطوّر مفهوم الذرّة

في القرن الخامس قبل الميلاد، اقترَح ديموقريطوس أن جميع الموجودات (سواء كانت مواد أو غيرها) تتكوّن من أجسام شديدة الصِّغر غير قابلة للإنقسام، لكنّه لم يقدِّم أي دليل رياضي أو تجريبي يُثبت به وجود هذه الأجسام. لذلك، تناول بعض الفلاسفة الأكثر تأثيرًا مثل أرسطو نظرية ديموقريطوس بالتسفيه، باعتبارها نظرية واهية وضعيفة منطقيًّا. ومع انتشار وسيطرة فكر أرسطو على الفكر والمنهج الغربي خلال قرون عديدة، لم يتم استدعاء نظرية ديموقريطوس أو إعارتها أي اهتمام. وظلّت نظرية العناصر الأربعة (الماء، الهواء، النار، التراب) هي المسيطرة، باعتبار أن هذه العناصر الأربعة هي المكوّن الأساسي لأي مادة. لكن في القرن السابع عشر مع بداية اكتشاف العناصر الكيميائية، وصياغة روبرت بويل لنظريّته التي تقترح أن العناصر الأساسية في الموجودة في الطبيعة مكوّنة من مجموعة أجسام متجانسة غير قابلة للانقسام وتكوِّن هذه العناصر جميع المواد الأخرى. ومع تزايد عدد العناصر الكيميائية المُكتشَفَة، تمت إعادة استدعاء نظريّة ديموقريطوس في الوسط العلمي، مع إدخال مجموعة تعديلات متتالية على النظرية.

الذرّة قبل نيلز بور

في مطلع القرن التاسع عشر، وضع الكيميائي البريطاني، وأحد جون دالتون أوّل نموذج ذرّي واضح في محاولة منه لتفسير بعض الظواهر الكيميائية. بنى دالتون تصوّره بالاعتماد على استنتاجات مباشرة من قانوني انحفاظ الكتلة والنسب المتساوية. بحسب دالتون، تتكوّن المادة من أجسام مصمتة غير قابلة للاختزال (ذرّات)، لها خواص محدّدة يتم على أساسها التمييز بين العناصر الكيميائية المختلفة، لكنّها تكون متماثلة في العنصر الواحد، كما يمكن أن تتحد ذرّات العناصر المختلفة مع بعضها لتكوِّن المركبات، بالإضافة إلى اعتباره أن تغيير التوزيع الذرّي يمثّل الاتحاد الكيميائي.

قد يهمك هذا المقال:   معلومات عن القمر

في أواخر القرن التاسع عشر، أثبت الفيزيائي الانجليزي جوزيف طومسون من خلال أبحاثه حول أشعة الكاثود أن ليست أصغر وحدة مكوِّنة للمادة، وذلك بفضل اكتشافه للشحنة السالبة الموجود في الذرّات والتي أطلق عليها اسم الإلكترونات. لكن لأن المعلوم أن الذرّة متعادلة الشحنة، أدى ذلك بطومسون إلى افتراض أن الذرّة عبارة عن جسيم كروي مصمت ذو شحنة موجبة، تنتشر بداخله مجموعة من الشحنات السالبة تؤدّي إلى معادلة شحنة الذرّة.

وضع الفيزيائي البريطاني إرنست رذرفورد نموذجه الذرّي في بداية العقد الثاني من القرن العشرين. وذلك بعد اكتشافه “نواة الذرّة” من خلال تحليله لنتائج تجربة “رقاقة الذهب” (تسمّى أيضًا تجربة رذرفورد). في هذه التجربة، قام الباحثون بإطلاق شعاع من جسميات ألفا (موجبة الشحنة) على رقاقة من عنصر الذّهب، وكانت النتائج هي:

  • انعكاس بعض الأشعة.
  • انكسار بعض الأشعة.
  • نفاذ معظم الأشعة من خلال الرقاقة.

فسّر رذرفورد نفاذ معظم الأشعة من خلال رقاقة الذهب بأنه راجع إلى أن الذرّات المكوِّنة للذهب معظمها فراغ (بنسبة أكبر من 99%). وإن انعكاس بعض الأشعة فقط راجع لوجود جسيم شديد الصِّغر والكثافة ويساوي كتلة الذرّة تقريبًا (النواة)، وإن انكسار الأشعة يحدث بسبب مرورها بالقرب من جسم ذو شحنة مماثلة لشحنتها (شحنة موجبة) أدى إلى التأثير على مسارها بالتنافر. يتشكّل نموذج رذرفورد من تعميم هذه التفسيرات أو الفروض على جميع الذرّات، بالإضافة إلى الفروض أن الذرّة متعادلة كهربيًّا، وأن الإلكترونات تدور في مدارات دائرية حول النواة، وأن الذرّة عمومًا تتشابه مع المجموعة الشمسية في كونها ذات كتلة مركزية تدور حولها مجموعة من الأجسام.

نموذج نيلز بور الذرّي

بعد نشر رذرفورد لنموذجه الذرّي بسنوات قليلة، اقترح الفيزيائي الدنماركي نيلز بور نموذجًا جديدًا للذرّة بالاعتماد على نتائج تجربة رذرفورد. وذلك لتفسير بعض الظواهر الفيزيائية أهمها “طيف الانبعاث الخطّي”. يقترح بور أن الإلكترونات تدور حول النواة في مدارات ذات طاقة محددة تسمّى مستويات الطاقة، عدد مستويات الطاقة هذه يساوي سبعة، وترتّب مستويات الطاقة بحسب قربها من النواة، بحيث تتواجد الإلكترونات ذات الطاقة الأدنى في المستويات الأقرب إلى النواة، وعندما يكتسب الإلكترون مقدار محدد من الطاقة ينتقل لمستوى أعلى (لأن كل مدار له طاقة محدّدة) ثم يعود الإلكترون إلى مستواه الأصلي بعد زمن قصير جدًّا كنتيجة لفقده الطاقة المكتسبة على شكل إشعاع كهرومغناطيسي. أيضُا، لا يمكن أن يوجَد أي إلكترون في موضع آخر من الذرّة بخلاف مستويات الطّاقة، والتي يُعبّر عنها باستخدام مصطلح “أعداد الكم الرئيسية”.

قد يهمك هذا المقال:   بحث عن عجائب الدنيا السبع

النماذج الذريّة بعد بور

بالرّغم من القدرة الكبيرة التي أعطاها نموذج بور لتفسير عدّة ظواهر، وتمكين الكيميائين من جمع مقدار كبير من المعلومات حول الجزيئات والذرّات من خلال قياس طيف الانبعاث الخطّي لتلك الجسيمات، ألا أنه لم يستمر طويلًا مع تسارع الاكتشافات في الفيزياء الحديثة. فمثلًا، أدى اكتشاف الطبيعة الموجية للإكترونات من خلال تجربة الشّق المزدوج، واكتشاف مبدأ اللاتأكد بواسطة الفيزيائي الألماني فيرنر هايزنبرج، إلى تغيير فهم توزيع الإلكترونات في الذرّة. فبدلًا من إمكانية تواجد الإلكترونات فقط في مستويات الطاقة، أصبح من المعلوم أن الإلكترونات من الممكن أن توجَد في أي مكان داخل الذرّة، ويُشار إلى الأماكن الأكثر احتمالًا لتواجد الإلكترونات فيها باستخدام مصطلح “السحابة الإلكترونية”. وحتّى الآن، لم تنتهي الفيزياء الحديثة من إدخال تعديلات على النموذج الذرّي، بغرض الوصول إلى النموذج المؤكّد للذرّة، أو على الأقل؛ النموذج الأكثر دقّة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *