إن من بين أحد مقاصد الشريعة الإسلامية هو حفظ الدين، ومن حفظ الدين حفظ لفظ الجلالة وتعظيم حرمة اسمه جلّ وعلا، فيكون في حالة الحلف تعظيم المحلوف به سبحانه، وكما نعلم جميعا أن الحلف لا يكون إلا بالله ولا يجوز الحلف بغيره قال صلى الله عليه وسلم: ((ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو لِيصْمُتَنّ)) . وقال صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك))، لذلك وجب حفظ هذا الحلف أو اليمين، فإذا حلف الإنسان وانعقدت يمينه، وجب عليه إتماما حلفه بفعل ما حلف عليه، وإلا وجبت عليه كفارة، إذن ما هي ؟ وما هي أنواع اليمين وأحكامه؟
الأيمان في الإسلام
يقسم العلماء اليمين إلى قسمين من حيث الزمن، فالحلف على شيء قد مضى نوع، والحلف على شيء يأتي في المستقبل نوع ثان، وعليه:
- اليمين التي تكون على شيء قد فات، كأن يقول الرجل: والله قد جائني فلان، فهذه اليمين ليس لها كفارة، وإنما إن كان صادقا فيها فلا شيء عليه ولا وزر، لكن إن كذب فيها فيخشى عليه أن تغمسه في النار، وعليه بالمبادرة بالتوبة ورد المظالم إلى أهلها. وهذه اليمين الكاذبة منتشرة بكثرة في زمننا هذا، خاصة في المعاملات التجارية -والعياذ بالله-، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في هذا الباب بالخصوص، محذراً من ذلك في حديث أبي ذر رضي الله عنه: (( ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، فقلت: من هم يا رسول الله خابوا وخسروا؟ قال: المسبل إزاره، والمنان عطاءه، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)) النسائي وابن ماجه
- اليمين التي تكون في أمر يكون في المستقبل، وهذا النوع يطلق عليه اسم اليمين المنعقدة، وهذا النوع تكون فيه الكفارة إن لم يفعل ويتم حلفه، كأن يقول الرجل: والله لأفعلن كذا وكذا، فإن فعل فقد وفى يمينه، وإن لم يفعل وجبت عليه الكفارة، وفي هذا تعظيم لشأن المحلوف به وهو الله جل وعلا، فإن حلفك به أي أنك تعظمه، فإن لم تفعل فأين التعظيم هنا؟ إذن يجب عليك الكفارة في هذه الحال.
يشترط في اليمين المنعقدة القصد لما حلف عليه، يقول الله عز وجلّ: ((لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ)) 89، أي أن صاحب هذه اليمين يكون قاصدا لها بعقدها، وهذه التي يترتب عليها وجوب الكفارة فيها.
يمين اللغو
أما يمين اللغو، فهي التي لم يقصد صاحبها انعقادها، كأن تكون سبق لسان، أو تكون في حالة الغضب الشديد، أو من حلف على شئ يظنه كما حلف ، فبان بخلافه. فكما أفتى بذلك الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى- ، فلا كفارة عليه، وهو كذلك عند أكثر أهل العلم.
قال الله تعالى:(لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) قالت عائشة رضي الله عنها: أنزلت هذه الآية (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) في قول الرجل لا والله وبلى والله ” [رواه البخاري.
ماهي كفارة اليمين
ننقل فتوى للشيخ ابن باز -رحمه الله- والتي يجيب فيها عن سؤال: ما هي كفارة اليمين ؟
” قال رحمه الله: كفارة اليمين مثل ما قال الله جل وعلا: ((فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)) هذه كفارة اليمين، إما عشرة مساكين يطعمهم يعشيهم أو يغديهم، أو يعطيهم من قوت البلد نصف الصاع من من رز من غيره من قوت البلد، أو يكسوهم كسوة، أو يعتق رقبة ذكر أو أنثى، هذه كفارة اليمين، من حلف مثلاً إنه لا يكلم فلان ثم كلمه أو حلف إنه ما يبيت عند فلان وبات عنده أو لا يجيب ضيافته ثم أجابه، يكفر كفارة يمين، يطعم عشرة مساكين نصف صاع كل واحد، كيلو ونصف، وإن أعطاه زيادة فلا بأس، أو يكسوه، أو يعشيه أو يغديه، أو يعتق رقبة، فإن عجز عن هذه كلها صام ثلاثة أيام، إذا عجز عن فقير ما يقدر، يصوم ثلاثة أيام؛ لقوله سبحانه: ((فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ))[المائدة:89 والأولى أن تكون متتابعة كما قرأ رضي الله عنه: متتابعة، هذا هو الذي ينبغي. نعم”. إذاً، ومن خلال كلام الشيخ -رحمه الله- يتبيّن لنا جليّا ما هي كفارة اليمين، وقد يخطئ الكثير من عامة المسلمين، وهذا اعتقاد شائع بينهم، أن كفارة اليمين هي ثلاثة أيام وانتهى الأمر، في حين أن كفارة اليمين تبدأ بالإطعام ثم الكسوة ثم تحرير رقبة فمن لم يستطع بسبب فقر أو فاقة فيصوم ثلاثة أيام.
الحنث في اليمين
- يقول جلّ وعلا: ((وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ))، أي لا تحنثوا فيها، وقيل معناها لا تكثروا الأيمان، فيتوجب على الإنسان اجتناب الحلف كثيرا.
- الحنث المحرّم: ويكون لم حلف على أمر واجب أن يفعله، أو أن يترك أمرا محرما، فهذا يجب عليه الوفاء بيمينه ولا يجوز له الحنث فيها، كأن يحلف على أن ل ايشرب الدخان ثم شربه، فهذا تجب عليه الكفارة.
- الحنث المكروه: يكون في حالة الحلف على أمر مستحب أو ترك أمر مكروه، فهذا يكره له ترك فعل المستحب أو فعل الأمر المكروه، كأن يحلف على زيارة شخص ما، فيكره له أن ل يفعل، وفي حالة ما لم يفعل المستحب مثلا وجبت عليه كفارة اليمين.
- الحنث المستحب: يستحب له الحنث إذا ما حلف على ترك أمر مستحب، أو حلف على فعل أمر مكروه، فهنا يقال له يستحب لك الحنث في يمينك وتجب عليك كفارة اليمين.
- الحنث الواجب: في حالة ما حلف الشخص على فعل أمر محرم، أو ترك فعل أمر واجب، فهنا يجب عليه الحنث في يمينه ويفعل الأمر الواجب ويترك المحرم، وعليه كفارة اليمين.
- الحنث المباح: كأن يحلف على فعل أو ترك أمر مباح، كأن يقول: والله لا ألبس اليوم هذا الثوب، فيباح له الحنث في يمينه، وله أن يتمّ أمره إن شاء.