الصوم
يُعتبرً من أركانِ الإسلام التي لا يصحُّ الإسلام إلا بالإيمان بها وأدائها تامةً، وهو ركنٌ عظيم وفريضةٌ على كل مسلمٍِ ومسلمة، فقد قال الرسولُ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي يرويه الصحابي الجليل عبدالله بن عمر بضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (بُنيَ الإسلام على خمس شهادةُ أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبدهُ ورسولُه وإقامِ الصلاة وإيتاءِ وحج البيت وصوم رمضان).الراوي عبدالله بن عمر، المحدث مسلم، المصدر صحيح مسلم الصفحة أو الرقم 16، خلاصة حكم المحدث صحيح وفي هذا المقال بيان ووقت فرضيته، وأحكامٌ أخرى خاصة بالصيام وما يتعلق به من مسائل فقهية.
معنى الصوم
للصيام في لغة العرب وفي اصطلاح الفقهاء معانٍ عديدة، وسيأتي بيانها في هذه الفقرة على النحو التالي:
- الصوم لغةً: يُقصد بالصوم لغةً الإمساكُ عن أيَّ فعلٍ أو أي قَوْلٍ أو نحو ذلك من الأمور. معنى الصوم: معجم المعاني الجامع
- الصوم في الاصطلاح الفقهي: أما في اصطلاح الفقهاء فالصيام هو: الامتناعُ عن كل المفطراتِ من طعامٍ وشرابٍ وشهوةِ الفرج من طلوعِ الشمس إلى غروبِها.الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، د. سعيد القحطاني، ص 6
فضائل الصيام
للصيام فضائل عديدة منها ما يلي:الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، د. سعيد القحطاني، ص 10-18
- يُعتبرُ الصيام من الأعمالِ التي وعد الله من يقوم بها بالمغفرة والرضوان والأجر العظيم، ودليل ذلك ما ورد في قولِ الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).سورة الأحزاب، الآية 35
- الصومِ وقاية من عذاب الله يوم القيامة ومن النار، حيث قال الرسولُ عليه الصلاة والسلام في الصحيح: (قال الله تعالى الصيامُ جنة يستجن بها من النار).رواه أحمد (3/396) (15299)، والبيهقي في شعب الإيمان، الاسناد حسن
- الصيامُ جُنةٌ منَ الشهوات والمنكرات، فالصائمُ الذي يترك شهوته لإرضاء الله طيلة نهاره، ثم يعكف على عبادة الله بالصلاة والقيام وقراءة القرآن طيلة ليله سينسى شهوتي فرجِه وبطنه طيلة الشهر الفضيل، وهذا الأمر هو تهذيبٌ لنفسه لترك الشهوات والمنكرات وتدريبٌ على كبحِ جماحِ النفس وشهواتها وحرمانها من فعل المعاصي مما يجعل العبد قائمًا على إرضاء الله والبعد عن جميع ما نهى عنه، والابتعاد عن الشهوات، فقد قالَ الرسولُ عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجاء).الراوي: عبدالرحمن بن يزيد، المحدث أحمد شاكر المصدر مسند أحمد الصفحة أو الرقم 6/53، خلاصة حكم المحدث إسناده صحيح
- الصيام يُبعد صاحبه عن النار، فإن من يصوم يوماً في سبيلِ الله سيباعدَ الله بينَه وبين نار جهنم سبعين خريفاً، كما ثبت في حديثِ الرسول صلى الله عليه وسلم من قوله: (من صام يوماً في سبيل الله بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً).الراوي أبو سعيد الخدري، المحدث البخاري (2840)
- يدخل الصائمون من باب الريان، وهذا الباب لا يدخلُهُ إلا من يواضب على الصيام ويدوام عليه بحيث يصبح الصيام حاله الدائم، كما جاء في حديثِ الرسول عليه الصلاة والسلام: (في الجنة ثمانيةُ أبْوابٍ، فيها بابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ، لا يدخلُهُ إلا الصَّائِمُونَ).الراوي سهل بن سعد الساعدي، المحدث البخاري، المصدر صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 3257، خلاصة حكم المحدث صحيح
- الصيامُ يؤدي إلى تكفير الذنوب والسيئات ومغفرتها من عند الله، وذلك أولُ الخصالِ التي تؤدي بالمسلم إلى دخول الجنة والبعد عن النار كما سبق، وإن خلوفُ فمِ الصائم عند الله أطيب من رائحة المسك، وإن للصائمِ عند الله فرحتان يكافئه بهما، ففرحته الأولى تكون في الدنيا بعد أن ينتهي من صيام الشهر الفضيل، والفرحة الثانية تكون يوم القيامة بعد أن يُعرض على الله تبارك وتعالى ويكافئه على صيامه وقيامه.
- الصيام و يشفعان لصاحبِهما يومَ القيامة.
- الصومُ يترتبُ عليهِ فوائدَ صحَّية تحصلُ بسببِ تقليلِ الطعام.
متى فُرض الصوم
فرضَ الصيام في السنة الثانية من الهجرة النبوية الشريفة، فقد كانت الفترة الأولى من الدعوة النبوية الشريفة -مرحلة البعثة- خاصة بجهاد الكفار ونشر الدعوة إلى الله في مكة المكرمة ومحاولة إقامة الدولة الإسلامية وإرساء الأسس الأولية للدولة، فلما استقرت الدولة الإسلامية في المدينة المنورة بدأت مرحلة ترسيخ الأحكام الفقهية وحينها شُرع الصيام وكان ذلك تحديدًا في العاشر من شهر شعبان المبارك منَ السنةِ الثانيةِ للهجرة النبوية المطهرة.وهبة بن مصطفى الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سورية: دار الفكر، صفحة 1629، جزء 3
شروط الصوم
من شروط الصوم ما يلي:الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، د. سعيد القحطاني، ص 82-92
- يجبُ الصومُ على المسلمِ ولا يجب على الكافرِ أو المرتد.
- يجب الصومُ على البالغِ فالذي لم يبلغ سن التكليفِ لا يجب عليه الصوم، أي أن لم يكن قد بلغَ سن الحلم.
- يجبُ الصومُ على العاقلِ لكن المجنون أو فاقدَ عقله لا يجبُ عليهِم الصيام.
- الإقامة، فلا يجبُ الصومُ على المسافر، حيث قالَ الله سبحانه: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).سورة البقرة، الآية 184
- القدرةُ على الصوم: فالصوم لا يجب على العاجز أو المريض الذي يتضرر إن صام بعد أخذ رأي الطبيب المسلم الثقة.
- الخلو من الموانع الشرعية الحسية أو المعنوية، كالحيض والنفاس بالنسبة للنساء، فلا يجوز الصيام للحائض والنفساء وعليها قضاء ما فاتها من الصيام بعد تمام الشهر وانقضاء حيضتها أو نفاسها، والتي تصوم رغم حيضها أو نفاسها تأثم.
فضلُ شهرِ رمضان
شهرُ رمضان من أفضل الأشهر عند الله -تبارك وتعالى- فهو من الأشهرِ المباركة المحرمة، ويُعتبر صيام شهر رمضان مفروضًا على المسلمين كما مرَّ آنفًا، أما قيامُه فيكون تطوعاً مرغوبًا فيه، حيث تُضاعفُ فيهِ الحسنات وتُغفر فيه السيئات وتُمحى الخطايا وتُغفر الذنوب ويتجاوز الله فيه عن أهل المعاصي ويقبل التوبة عن التائبين، وتُفتح فيه أبوابُ الجنة وتُصفد شياطين الجن كما ثبت من قول النبي -صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء رمضانُ فُتِّحَت أبوابُ الجنَّة، وغُلِّقَت أبوابُ النَّارِ، وصُفِّدَت الشَّياطينُ)،الراوي أبو هريرة، رواه مسلم (1079) وتتنزلُ رحمة الله في أيام وليالي شهر رمضان الفضيل، وفي رمضان ليلةٌ فضيلة هي خيرٌ من ألفِ شهر فصيام نهارها وقيام ليلها من أفضل الطاعات عند الله وتفوق في الفضل ألف ليلةٍ من العبادة والجهاد في سبيل الله، كما في قوله تعالى: ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ).سورة القدر، الآية 3
صيام التطوع وحكمه
صيامُ التطوعِ له فوائدَ عديدةٍ منها:الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، د. سعيد القحطاني، ص 349-350
- الصومُ وسيلةٌ إلى التقوى؛ لأن النفس إذا انقادت للامتناعِ عن الحلال لتنالَ رضا الله وخوفاً من عقابِه، فهذا سببٌ من أسبابِ التقوى.
- بِالصومِ تُشكرُ النعم وتدوم، لأن من يبتعد عن النعم من أجلِ طاعةِ الله سيعرف قدرَ هذهِ النعم، فالنعم لا تدوم.
- الصومُ يحد منَ الشهوةِ ويكسرُ النفس، فإذا جاعت النفسُ ابتعدت عن الغفلةِ والبطر.
- الصيامُ يجعلُ القلبَ صافياً للذكرِ والعبادة، فيبتعدُ عن القسوةِ التي تزيدُ بالأكلِ والشربِ والشهوة.
- الصيام يُضيقُ مجاري الدم، فتضيقُ مجاري الشيطان، فيُقهرُ بذلكَ الشيطان.
الصيام المحرم والمكروه
كما أن الصيام في شهر رمضان المبارك يكون واجبًا ويحرم ترك صيامه بلا عذر، فإن هناكَ من الأيام التي يكون فيها الصيام مُحرمًا ومنهياً عنه أو مكروهًا، وتلك الأيام هي:الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة، د. سعيد القحطاني، ص 393-416.
- صيام يوم عيد الفطرِ المبارك الأول، يكون صيامه محرمًا، وباقي أيام عيد الفطر يُكره صيامها.
- صيام يوم عيد الأضحى المبارك وكذلك الحال بالنسبة لأيام التشريقِ الثلاثة، فصيام هذه الأيام محرمٌ بالاتفاق.
- صيام يوم الشك وهو اليومُ الموافق للثلاثين من شهر شعبان الذي يسبق دخول رمضان مباشرةً محرمٌ بالاتفاق.
- صيامُ يومِ عرفة بالنسبة للحاج يكون مكروهًا، لأن الأصل بالحاج أن يتقوى على أعمال الحج ويتفرغ لها وذلك أولى من أن ينشغل بالصيام.
- مواصلة صوم الدهر وعدم الإفطار مطلقًا.
- إفرادُ يومي الجُمُعة والسبت بالصيام، بالنسبة لمن لم يكن من عادته الصيام في مثل تلك الأيام، كأن يوافق يوم الجمعة أو السبت يوم يُستحب صيامه كالأيام البيض من كل شهر.
المراجع
َ